العدد: 860 | الأربعاء 12 يناير 2005م الموافق 01 ذي الحجة 1425هـ

طبيعة البشر... والزائر الأخير

ان من طبيعة البشر المحبة والمعاشرة بين بعضهم بعضا فلا أحد يستطيع ان يعيش في أرض مقطوعة "لا أنيس، ولا ونيس"، فسبحان الله إن هذه سنة من سنن الله الكونية في حب البشر لبعضهم بعضا، ولهذا كثيرا ما نرى العلاقات بين الاسر المترابطة وبين الاقارب والاصدقاء قائمة على كثرة الزيارات بينهم، فالزيارات هي أكثر ما يبقي العلاقات بين الناس علاقات وطيدة وخصوصا ان كان الزائر شخصا محبوبا بين الناس فنرى الكل يحب ان يكون من معارفه بما انه محبوب طبعا لدى الجميع وذو أخلاق عالية، لهذا السبب عندما يقوم هذا الشخص المحبوب وصاحب الاخلاق العالية بزيارة المقربين له أو اصدقائه فنرى التجهيزات من مكان الجلوس ومن الحلويات والقهوة والشاي ذلك انه شخص محبوب ومرغوب فيه لذلك نجهز له كل هذه التجهيزات، ولكن ماذا عن الزائر الأخير؟ يا ترى ماذا اعددنا من تجهيزات لهذا الزائر الأخير؟ وليس له بل لأنفسنا وخصوصا ان كان هذا الزائر لا يحتاج الى دعوة وانما يحتاج الى أمر الله سبحانه وتعالى لزيارة هذا البيت أو هذه الأسرة لأخذ أحدهم وبكل فجأة ومن دون اية مقدمات الا وهو "ملك الموت". .. انه الزائر الاخير.

فمن لم يجهز نفسه لهذا الزائر فإنه من الغافلين، والغافل هو من أمن الحياة واستأنس بها، فقال تعالى عن هؤلاء الغافلين: "ان الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا وأطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون" "يونس: 7".

وقال تعالى: "لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون" "الاعراف: 179".

ولن يعرف كيف يجهز نفسه الا من اتبع سنة النبي محمد "ص"، ولن يتبع سنة النبي "ص" الا من كان يحب النبي "ص" بالطريقة الصحيحة، فنحن نحب النبي "ص" لكونه علمنا وأنذرنا وحذرنا وأوصانا وربانا، ففي كل حرف من سنته "ص" علمنا كل شيء، فلو علمت الهيئات العالمية لحقوق الانسان وفهمت الأمم الفهم الدقيق عن الله ورسوله لاتبعوا هذا الدين العظيم وسنة النبي محمد "ص" لجلب هذه الحقوق الضائعة امام أعين الناس، ولكنه الجهل المطبق على الأمم والذي يلعب دوره بين المجتمعات وعلى جميع الطبقات من دون استثناء. فهؤلاء الشباب والبنات الذين نراهم في الشوارع والمجمعات حتى منتصف الليالي فما أوتوا الا من الجهل، فلو عرفوا الله سبحانه وتعالى لأحبوه وعبدوه وأطاعوه ولكنه الجهل، فالأب يعمل ويكدح ويركض خلف المال وينسى الأم وأولادهما فيضيع الجميع في متاهات الدنيا والسبب انهم لم يتبعوا العلم والمعلم اللذين ارسلهما الله عز وجل.

وكان هو بأبي وأمي "ص" ما وجد أحسن منه معلما، فعلم الأمة من خلال احاديث الأمر والنهي وعلم الأمة من خلال التخويف والتهديد وعلم الأمة من خلال الموقف واقرار افعال الصحابة وعلم الامة من خلال القصة وفي زمن القصص والحكايات والروايات. فالتلفاز انما يقوم على القصص، فالمسلسل عبارة عن قصة والفيلم عبارة عن قصة والمسرحية عبارة عن قصة ونرى الناس يعيشون في قصص غير واقعية.

الشاهد، كانت هذه اعتراضة يسيرة وسط موضوعي هذا فتعالوا معي لنعيش معا في دقائق معدودة في قصص واقعية جدا لأنها من حياة السلف الصالح ومن قصص الشباب والفتيات في هذا الزمن الديمقراطي.

وهذه اول قصة لمن كرس حياته كلها في خدمة هذا الدين ومشى على نهج النبي محمد "ص" وكان دائما على أتم الاستعداد للترحيب بالزائر الأخير، انه خامس الخلفاء الراشدين كما واتفق عليه الفقهاء... إنه عمر بن عبدالعزيز "رض".

فقبل شهرين تقريبا من وفاته حلم هذا الرجل العادل في حقوق الناس انه كان في أرض خضراء وفي وسط هذه الأرض قصر من اللؤلؤ وفجأة خرج أحد من القصر ونادى بأعلى صوته، فأول من نادى عليه هو رسول الله "ص" وبعده أبوبكر الصديق رضي الله عنه وبعده عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين وفجأة اذا بهذا المنادي يقول: يا عمر بن عبدالعزيز تعال، فدخل عمر بن عبدالعزيز القصر ورأى الرسول "ص" جالسا وعن يمينه أبوبكر الصديق وعن يساره عمر وعثمان وعلي. وقال عمر بن عبدالعزيز وهو يخاطب جده عمر بن الخطاب "رض" أين أجلس يا جدي؟ فقال له تعال واجلس بقربي، ثم بعد ان جلس رأى شخصا جالسا بين الرسول "ص" وأبوبكر الصديق "رض" فقال عمر بن عبدالعزيز لجده عمر بن الخطاب "رض" من هذا الشخص يا جدي؟ فقال له هذا الطاهر ابن الطاهرة انه النبي عيسى ابن مريم عليه السلام ثم رأى حجابا من نور وسمع صوتا يخرج من هذا النور يقول له يا عمر بن عبدالعزيز، اثبت بما أنت فيه يا عمر بن عبدالعزيز اثبت بما أنت عليه. ثم بعد شهرين من هذا الحلم اتى له الزائر الأخير فقال عمر بن عبدالعزيز بعد ان قال لأهله اخرجوا عني فخرجت زوجته فاطمة وخادمه وبينما هم خلف الباب يسمعون ما يقول. قال: "مرحبا برسل ربي مرحبا بهذه الوجوه التي هي ليست وجوه انس ولا جان مرحبا بملائكة الله". ثم تلا الآية "تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين" "القصص:83"، وسكت ودخلت زوجته عليه فرأته قد مات وقد وضع احدى يديه على عينه والثانية على فمه وريح المسك تملأ الغرفة فزاره الزائر الأخير وهو على هذه الحال، وقد مات مسموما "رض". وأما قصة احد أبرز علماء الاسلام الذي سجن في قلعة دمشق بعد ان خدم هذا الدين العظيم وضحى بحياته لأجله ولأجل الامة، انه شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله، وله كتبه وتفسيراته ومؤلفاته وقد ختم القرآن في سجنه 81 مرة وفي يوم، وهو يقرأ كتاب الله حتى وصل الى قوله تعالى: "ان المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر" "القمر:55" أتى له ملك الموت في هذه اللحظة وأخذه أخذ عزيز مقتدر وفاضت روحه الى الله بعد هذه الآية مباشرة فزاره الزائر الأخير وهو على هذه الحال ورآه أصحابه في المنام وهو يركب ناقة من نور وهي تطير به الى السموات العلى.

واليكم قصص الجيل الضائع في هذا الزمن الديمقراطي:

يحكي لي أحد مدرسي احدى الجامعات البحرينية عن فتاة كانت عنده في الفصل، يقول: كنت دائما احاول الا انظر اليها بسبب لباسها الفاضح وتزينها الفتان، الى ان أتى يوم واستدعيتها الى مكتبي محاولا اقناعها بالحجاب وبأن ما تفعله في نفسها، لا يرضي الله ورسوله، فقالت له وبكل جهل ونسيت أن الجبار يسمع تحاورهما، أتريد مني ان اتحجب واغطي هذا التاج الذي على رأسي؟ وكانت تعني شعرها وقالت: أنا ابنة مليونير، فلو أصاب جسدي خدش بسيط فأبي مستعد ان يعالجني في أكبر مستشفيات أوروبا وأميركا - هذا على حد تعبيرها - فلما وجد المدرس أن لا مجال لإقناعها بأي شيء أذن لها بالخروج، يقول المدرس: والله ما هو الا اسبوع بالضبط وانا خارج من المسجد عند صلاة الفجر وكعادتي اشتري صحيفة الصباح وانا راكب السيارة واحدى قدمي في الداخل والأخرى في الخارج فإذا بي أقرأ خبرا لم أكد ان اصدقه بأن سيارة انقلبت في شارع عوالي وقد مات صاحبها في الحال بعد ان اصطدم رأسه بالزجاج الأمامي فقرأت الاسم واذا هو اسم تلك الفتاة نفسها التي حاولت اقناعها بارضاء الله ورسوله وبالحجاب فأبت ذلك، يالها من مصيبة، فلم تعلم بأن ملك الموت كان ينتظرها عند شارع عوالي، وفي تلك الساعة تماما كان هو آخر زائر لها، وهي على هذه الحال التي لا ترضي الله ورسوله "ص". فيا خسارة الامة على هؤلاء الفتيات المسلمات، فمثلها وللأسف كثير.

وأما قصة الشاب الذي انقلبت به سيارته وانفجرت في حادث مروع عندما كان مع اصحابه في حفلة بإحدى المزارع مع الفتيات وبعد ان نسي اصحابه ان يأتوا بالمشروبات والخمور ليكملوا بها السهرة فتبرع هو بالذهاب لجلبه فحدث له ما حدث وتأخر عن أصحابه ما دعا احد الشباب للذهاب ليرى ما الذي أخر صاحبهم وفي الطريق رأى حادثا فنزل فإذا هو صاحبهم الذي تأخر عنهم وقد احترق نصف جسده السفلي كليا فحمله ومن معه من الناس الى سيارته ليأخذه الى المستشفى وفي الطريق واذا به يسمع صديقه يصرخ ويقول: "ماذا اقول له ماذا اقول له؟ وصديقه يسأله من... من؟ وكرر ذلك ثانية وصديقه يسأله من... من؟ فقال له: "الله"، ثم فاضت روحه ومات وهو على هذه الحال. يالها من سوء خاتمة، لقد كان في طريقه لجلب الخمور لأصحابه فزاره الزائر الأخير وهو كان يسير على هذا الدرب، فلا حول ولا قوة إلا بالله.

قال تعالى: "فاقصص القصص لعلهم يتفكرون" "القصص: 176" ها هي القصص وليفكر كل واحد من أي صنف هو! وها هي السنوات تمضي، فماذا صنع كل واحد منا لنفسه من قول وعمل ليتفاخر به امام الله ورسوله "ص" عند مقابلة الرحمن عز وجل، يجب على كل فرد ان يسأل نفسه هل هو ممن يحبهم الله أو من الذين يبغضهم ؟ من أيهم انت يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة، من أهل الجنة أم من أهل النار؟ لقد ضيعتنا الشهوات والنفوس ونحن نتبعها، فقال تعالى: "أولئك الذين انعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم واسرائيل وممن هدينا واجتبينا اذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا. فخلف من بعدهم خلف اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا. الا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا" "مريم:،58 ،59 60".

فغي هو واد في جهنم، فلماذا لا نتوب الى الله تعالى قبل ان نكون من أهل هذا الوادي؟ وإلى متى ونحن هكذا نعصي الله ورسوله "ص"؟

أنت يا أيها الأب العزيز يا من انجب الأولاد والبنات اني اخاطبك، وأنت أيتها الام الفاضلة، يا من تربين الأجيال اني اخاطبك... وانت أيها الأخ الحبيب إني أخاطبك... وأنت يا أختي في الله إني اخاطبك.... يا من ضيعتم أنفسكم وذهبتم بعيدا عن مرضاة الله إني اخاطبكم جميعا... هل نرضي الله وهذه حالنا، نرى المعاصي بأم أعيننا من دون ان نعمل شيئا؟ هل نرضي الله وشبابنا تائهون في زوبعة الشهوات وبناتنا في الشوارع والمقاهي والمجمعات؟

قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا انفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون" "التحريم:6". اذا، فالكل مسئول امام الله يوم القيامة، فمن رضي عن حاله وهو يعصي الله فليكن متأكدا أن الزائر الأخير سيأتيه وهو على هذه الحال عاصيا الله ورسوله وهو من الغافلين، ومن تاب الى الله فقد فاز بالجنة وهو الفوز العظيم، فبمجرد ان يأتي الزائر الأخير لأحدنا سيعرف ساعتها أين يكون مصيره، أما الجنة وأما النار والعياذ بالله. اسأل الله ان يهدينا ويهدي شبابنا وبناتنا.

قال رسول الله "ص" "للجنة أقرب لأحدكم من شراك نعله والنار كذلك". رواه أهل السنن.

خليل العطاوي


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/445404.html