العدد: 952 | الخميس 14 أبريل 2005م الموافق 05 ربيع الاول 1426هـ
"الرسمية" وافقت والمعارضة استهجنت
موريتانيا تغير عطلتها الأسبوعية من الجمعة إلى الأحد
أعلن وزير الإعلام الموريتاني حمود ولد عبدي أن مجلس الوزراء الموريتاني قرر الأسبوع قبل الماضي تغيير العطلة الأسبوعية في البلاد من يوم الجمعة إلى الأحد. وذلك اعتبارا من العاشر من أبريل/نيسان الجاري، وأوضح الوزير ان ساعات العمل يوم الجمعة ستكون من الثامنة صباحا إلى الثانية عشرة زوالا، وذلك لتمكين الموظفين من أداء صلاة الجمعة.
وخلف تغيير نواكشوط ليوم عطلتها الأسبوعية ردود فعل مستهجنة، وخصوصا من قبل العلماء وزعماء المعارضة. اذ أصدر أحد كبار العلماء الشيخ محمد الحسن ولد الددو، فتوة أكد فيها أنه لا يمكن استبدال الجمعة بحال من الأحوال. في حين أبلغ رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الشيخ أحمد ولد النيني الوزير الأول الموريتاني على موافقة المجلس على تحويل العطلة. "لأن العمل هو الأصل في يوم الجمعة، وأن تحويله إلى عطلة مخالفة لهدى الإسلام وروحه العامة، وأنه يوم للعبادة والجد وليس للراحة واللهو".
الرباط - المصطفى العسري
خلف تغيير نواكشوط ليوم عطلتها الأسبوعية واستبدال يوم الجمعة بيوم الأحد ردود فعل مستهجنة داخل المجتمع الموريتاني المعروف بمحافظته وتدينه الشديدين، وجاءت هذه الانتقادات خصوصا من قبل العلماء وزعماء المعارضة وحتى من بعض الإعلاميين، فيما انبرت في الطرف الآخر الحكومة ومعها بعض العلماء المحسوبين عليها والذين يترأسون هيئات رسمية لتقديم المبررات.
وزير الإعلام الموريتاني الناطق حمود ولد عبدي أعلن أن مجلس الوزراء الموريتاني قرر الأسبوع قبل الماضي تغيير مواقيت العمل الإداري في الدولة، وتغيير العطلة الأسبوعية في البلاد من يوم الجمعة إلى الأحد. وأوضح الوزير ولد عبدي خلال مؤتمر صحافي عقده بنواكشوط عقب مجلس للوزراء أنه اعتبارا من العاشر من أبريل/ نسيان الجاري، ستكون مواقيت العمل في الإدارات العمومية من الساعة الثامنة صباحا إلى الخامسة مساء مع منح وضعية خاصة للموظفين يوم الجمعة، إذ ستكون ساعات العمل من الثامنة صباحا إلى الثانية عشرة زوالا وذلك لتمكين الموظفين من أداء صلاة الجمعة.
وأضاف وزير الإعلام أنه بداية من 10 أبريل سيتم كذلك تغيير العطلة الأسبوعية من الجمعة إلى الأحد زائد يوم السبت الذي ظل يوم عطلة كما كان في السابق. وبرر المسئول الموريتاني هذا القرار بكون حكومة بلاده أرادت مواكبة غالبية بلدان العالم التي تقر يوم الأحد عطلة أسبوعية، مشيرا إلى أن موريتانيا تخسر نحو 18 مليار أوقية "ما يقارب نحو 70 مليون دولار سنويا" جراء اعتماد الجمعة يوم عطلة. كما أكد أن بلاده ستخسر أكثر لو استمرت في ذلك خصوصا مع قرب استغلال النفط والغاز وعدد من المعادن النفيسة.
وزير الإعلام وفي رده موجة انتقاد هذا القرار، هاجم من أسماهم بـ "الظلاميين المعادين للغرب"، قائلا بـ "أن القضية غير مطروحة في الشرع الذي يرفعونه كقميص عثمان، بينما التقى الوزير الأول بقادة المعارضة المعترف بها، أما الذين يعملون في الظلام أو تحت لافتات غير معترف بها فالحوار معهم غير وارد ومرفوض".
وأضاف، لقد اطلعت على فتوى لأحد هؤلاء الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها على مواقعهم الإلكترونية التي تصدر من الغرب يبرر فيها معارضتهم للقرار بأنه موافقة للغرب في عطلهم، وهذا كلام لا يصدر إلا من غير العاقلين أصلا أو المصابين بمس من الجان.
فهو - يعني صاحب الفتوى - يتكلم عن ضرورة العبادة والاستغفار يوم الجمعة وانه يوم عبادة وهذا أمر مفروغ منه ولسنا بحاجة إلى من يقول لنا مثل هذا الكلام. فالأمر محسوم لدى المالكية ونحن مالكيون ولا مشكلات بيننا والغرب فالكل عباد الله "ولله المشرق والمغرب" ومن يحاول معارضة الأمور لأنها موافقة للغرب فهو إنسان غير سوى.
وحين سؤاله "لماذا سكتت الدولة عن هذه البدعة طيلة 20 سنة؟ وما الفرق بين النفط الموريتاني والخليجي الذي يعطلون يوم الخميس والجمعة؟"، ثارت ثائرة الوزير واعتبر الأمر مناقشة ومحاججة وليس سؤالا يستحق الرد عليه.
أحد الإعلاميين وفي مداخلة له قال: "إن الأمة التي لا تحترم شعبها هي أمة لا تحترم ذاتها ولا تستحق الوجود، انه تبخيس للذات واحتقار للقدر وازدراء للنفس، قالوا لغتكم بائدة فتنكرنا للغة وتهجمنا عليها، قالوا عطلتكم غريبة فحولنا عطلتنا، فماذا ستفعلون غدا؟ وماذا سيطلبون؟ لماذا لا تطرحون الأمور للاستفتاء؟". فما كان من وزير الإعلام الموريتاني إلا الرد قائلا: "هذه مداخلة وهو أمر غير مقبول" للحكومة الحق في إقرار ما تريد راجع كلام الشيخ حمدا ولد التاه الذي قال الحق كما يعلمه، ما الذي تستند عليه...؟".
وقبل إعلان تغيير يوم العطلة الأسبوعية كان الوزير الأول الموريتاني أصغير ولد مبارك استدعى قادة المعارضة السياسية للتشاور بشأن تحويل العطلة إلى يوم الأحد بدل الجمعة، إذ التقاهم وسط خلاف في وجهات النظر بينها بشأن الموضوع.
رئيس التحالف الشعبي مسعود ولد بلخير وصف استدعاء الوزير لهم بأنه تافه رافضا تحويلها لأسباب عقائدية على حد تعبيره. بينما اعتبر محمد ولد مولود رئيس اتحاد قوى التقدم أن القرار قد يكون واردا من الناحية الاقتصادية، ولكنه مرفوض من الناحية السياسية لمخالفته لبعض الثوابت المعلومة على حد تعبيره. أما رئيس الجبهة الشعبية الشيخ أشبيه ولد ماء العينين فقد أعلن موافقته على الموضوع واصفا المبررات التي قدمتها الحكومة بالمنطقية والمقنعة، فيما لم يصدر أي رد عن زعيم تكتل القوى الديمقراطية أحمد ولد داداه بشأن الموضوع على رغم اللقاء الذي جمعه بالوزير الأول، إذ انسحب بعد خصام مع الأخير من دون إعطاء أية إيضاحات حتى الآن.
وكان الكثير من علماء الدين وأقطاب المعارضة وبعض الإعلاميين هاجموا القرار الحكومي الموريتاني، واعتبروه تهجما على مقومات الأمة، وفي مقدمتهم أحد كبار علماء الدين في موريتانيا وأحد قادة التيار الإسلامي في البلد الشيخ محمد الحسن ولد الددو، الذي ذكر في فتوى صادرة عنه أنه لا يمكن استبدال الجمعة بحال من الأحوال.
وبحسب مصادر مقربة من ولد الددو فإن فتواه جاءت ردا على فتوى من رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في موريتانيا أحمد ولد النيني.
من جهته، اعتبر القيادي الإسلامي ونائب رئيس حزب الملتقى الديمقراطي محمد جميل ولد منصور في تصريحات له تحويل العطلة من الجمعة إلى يوم الأحد خطوة في الاتجاه غير الصحيح واستهزاء برمز ذي معنى ديني حضاري على حد تعبيره. وقال ولد منصور ان العالم الإسلامي الأكثر نفطا وارتباطا بالخارج لايزال محافظا على هويته الحضارية في إشارة إلى دول الخليج العربي وإيران، معتبرا الجمعة من خصوصية الشعوب الإسلامية ولها مميزات تميزها عن غيرها من الأيام وفي ذلك تفاصيل وأحكام معروفة. وأضاف "أعتقد أن أسباب خسارات اقتصادية كثيرة متوافرة، والمسارعة إلى معالجتها واردة ومستعجلة واللائحة قبل الجمعة طويلة من دون شك".
من جانبه، استنكر المنبر الموريتاني للإصلاح والديمقراطية في بيان له من العاصمة الفرنسية باريس ما وصفه بخطوة إلغاء عطلة يوم الجمعة والتي تأتي "ضمن مسار التخلي عن ثوابت وقيم المجتمع الموريتاني الأصيلة"، معتبرا إياها "أمرا في غاية الخطورة وجريمة من الوزن الثقيل".
ومما جاء في البيان أيضا أن "النظام أقدم منذ ثلاث سنوات على قرار جعل عطلة الأسبوع يومين بإضافة يوم السبت إلى يوم الجمعة في خطوة جاءت ضمن استحقاقات علاقاته المشينة مع حكومة شارون الإرهابية، ونبه عدد من القادة الإصلاحيين حينها إلى أن الخطوة ليست سوى خطوة في اتجاه التخلي عن عطلة الجمعة التي تعتبر عيد المسلمين الأسبوعي منذ عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب "رض"، وهو توقع ثبتت صحته اليوم".
كما ندد البيان بالفتوى الصادرة عن المجلس الإسلامي الأعلى واعتبرها "خالية من أية قيمة أو صدقية كونها جاءت بناء على هوى الحاكم".
عكس مهاجمي القرار من العلماء المستقلين، وباقي التيارات الحزبية المعارضة، فإن علماء الهيئات الرسمية كان لهم قرار معاكس، موال للحكومة في نواكشوط.
فقد هاجم رئيس رابطة العلماء الموريتانيين الشيخ حمدا ولد التاه خلال تدخل له في برنامج "آراء" الذي تبثه القناة الفضائية الموريتانية من أسماهم المولعين بتسييس الأمور، المشوشين على رؤية الشعب، الخارجين على السلطة في إشارة ربما إلى التيار الإسلامي.
وقال الشيخ حمدا في الحلقة التي جمعته مع رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الشيخ أحمد ولد النيني قال إن "هنالك مجموعة ستسعى إلى التشويش على رؤية المجتمع وستسيس الأمور كما سيست هلال رمضان وغير رمضان". وأضاف "نحن نمثل رؤية الشرع للموضع ولا نقدس الأيام ولو كان الأمر مخالفا للسنة لسكتنا ولما دافعنا عن موقف ولي الأمر"، وأضاف قائلا: "إنه من الغباوة أن نطلب من الآخرين أن يتنازلوا عن عطلهم كي يصنعون لنا عملنا ما لم نتنازل نحن ليصنع لنا الآخرون ما نريد". وقال: "انهم لم يتخذوا الأحد والسبت تشبها باليهود ولا النصارى، ولكن اتخذوها لأنها أعياد دولية ملك للجميع".
وكان رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الشيخ أحمد ولد النيني أبلغ الوزير الأول الموريتاني على موافقة المجلس على تحويل العطلة من يوم الجمعة إلى يوم الأحد. وفي تبريره لهذه الموافقة قال الشيخ ولد النيني إن العمل هو الأصل في يوم الجمعة وأن تحويلها إلى عطلة مخالفة لهدى الإسلام وروحه العامة، وأنها يوم للعبادة والجد وليس للراحة واللهو.
وبهذا القرار تكون نواكشوط انضمت إلى كل من الرباط وتونس في عطلتها الأسبوعية، إذ كانت العاصمتان اعتمدتا العطلة الأوروبية مع استقلالهما لارتباطهما اقتصاديا بالمنظومة الأوروبية، ولوجودهما على مقربة من البر الأوروبي 13 كلم بالنسبة إلى المغرب، ونحو أقل من 70 كلم بالنسبة إلى تونس ولتظل بذلك الجزائر وطرابلس وحيدتين إذ اعتمدتا يوم الجمعة عطلة أسبوعية بالنظر إلى النهج الثوري الذي ميز النظامين، والذي كانت أهم مميزاته الاختلاف عن الغرب الإمبريالي الاستعماري، ولكن من المرجح أن تنظم الجزائر لهذا التحول، إذ تخوض الحكومة الجزائرية ومنذ مدة مشاورات من أجل تحويل العطلة الأسبوعية إلى يوم الأحد عوض يوم الجمعة مع توفير تسهيلات للمؤمنين لأداء صلاة الجمعة على غرار ما هو معمول به في كل من المغرب وتونس وأخيرا موريتانيا.
وفيما يأتي نص الفتوى التي أطلقها الشيخ محمد الحسن ولد الددو أحد كبار علماء المالكية التي عارض من خلالها تغيير عطلة يوم الجمعة إلى الأحد:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
الحمد لله وحده... أما بعد فهذه نصيحة عامة لكل من يطلع عليها من المسلمين لتذكيرهم بما شرفهم الله به من هدايتهم ليوم الجمعة الذي اختلفت فيه الأمم السابقة ولتحذيرهم من سلوك طريق المغضوب عليهم والضالين.
لقد شرف الله هذه الأمة الإسلامية بهدايتها لهذا اليوم العظيم الذي هو أفضل الأيام فكان عيد الصلاة كما أن عيد الفطر عيد الصيام، وعيد الأضحى عيد الحج، ويوم دوران الحول عند الزكاة وكل شرع فيه النسك المختص، وقد أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله "ص": "نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم إن هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدا والنصاري بعد غد". وفي لفظ لمسلم "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا فكان لليهود يوم السبت وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي بينهم قبل الخلائق".
وبهذا يعلم أن لأهل كل ملة يوما يعظمونه يعملون فيه بعض الأعمال الدينية ويتركون فيه بعض الأعمال الدنيوية ويميزونه في العمل عن بقية الأيام، وهذا اليوم عند المسلمين محدد شرعا وهو يوم الجمعة، فلا يمكن أن يستبدلوه بغيره فقد ميزه الإسلام عن أيام العمل حتى في اللباس. فقد أخرج أبوداوود وابن ماجة عن عبدالله بن سلام "رض" أنه سمع رسول الله "ص" يقول على المنبر "ما على أحدكم لو اشترى ثوبين ليوم الجمعة سوى ثوبي مهنته". وروى ابن ماجة عن عائشة "رض" أن رسول الله "ص" خطب الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثياب النمار فقال: "ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته".
وبين النبي صلى الله عليه وسلم فضل يوم الجمعة على سائر الأيام فيما أخرجه مسلم وأبوداوود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة "رض" أن رسول الله "ص" قال "خير يوم طلعت عليه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج منها وفيه تيب عليه وفيه مات ولا تقوم الساعة إلا في يوم الجمعة وما من دابة إلا هي مطرقة مصيخة من طلوع فجره إلى طلوع شمسه تنتظر الساعة إلا الإنس والجن".
وأخرج أحمد وابن ماجة بإسناد حسن عن أبي لبابة رضي الله عنه أن رسول الله "ص" قال: "سيد الأيام يوم الجمعة وأعظمها عند الله تعالى وأعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى وفيه خمس خلال: خلق الله عز وجل فيه آدم عليه السلام وأهبط الله تعالى فيه آدم إلى الأرض، وفيه توفى الله تعالى آدم، وفيه ساعة لا يسأل العبد فيها شيئا إلا آتاه الله تعالى إياه ما لم يسأل حراما وفيه تقوم الساعة، ما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا رياح ولا جبال ولا بحر إلا هن يشفقن من يوم الجمعة".
وأخرج أبوداوود بإسناد صحيح عن أوس بن أوس "رض" قال: قال رسول الله "ص": "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي". وأخرجه أيضا النسائي وابن ماجة وأحمد بأتم منه.
وجاء الشرع الحنيف صريحا في الأمر بمخالفة أهل الكتاب والمشركين فقد قال الله تعالى: "اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" "الفاتحة: 6و7" وأمر النبي "ص" في عدد كثير من الأحاديث بمخالفة المشركين وبمخالفة اليهود والنصارى وحذر من اتباع سننهم. وأجمع أهل العلم على تحريم تعظيم أعيادهم الدينية وتخليدها والاحتفاء بها. والعلم عند الله تعالى.
الشيخ محمد الحسن ولد الددو
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/458671.html