العدد: 1029 | الخميس 30 يونيو 2005م الموافق 23 جمادى الأولى 1426هـ

مسلمو ألمانيا يتهمون الإعلام الألماني بالتحيز والتحريض ضد الإسلام

يتعرض الإعلام الألماني منذ وقت لانتقادات واسعة من قبل المسلمين الذين يتهمونه بالتحيز وتشويه صورة الإسلام. وتحتل عادة الأخبار التي تتحدث عن اعتقال إسلامي متطرف أو مداهمة مسجد مكانة مهمة إلى جانب تخصيص مساحات كبيرة للذين يوجهون انتقادات قوية إلى الإسلام والمسلمين. واشتدت الحملة المناهضة التي تصل وفقا لتأكيدات بعض المسلمين الذين يقيمون في ألمانيا حد العداء بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 ولم تهدأ حتى اليوم.

بعد هجوم "القاعدة" على الولايات المتحدة بدأ طرح الموضوعات المتعلقة بالإسلام والمسلمين يأخذ منحى آخر. إذ أصبح الربط بين الإرهاب والعنف من جهة والإسلام من جهة أخرى بارزا عند معالجة هذه الموضوعات والحوادث. ويتعرض الصحافيون عادة بصورة هشة للإسلام ويجري الاستهزاء بالخالق في الصحف الشعبية خصوصا، فالله عند المسلمين متطرف بينما الإله God رب العالم. ويجري الاستناد دائما إلى الأحكام المسبقة المعهودة. وجاء في أطروحة دكتوراه تمت مناقشتها في جامعة إيرلانغن أنجزتها الألمانية سابينه شيفر: "سواء في الراديو أو في قنوات التلفزيون أو في الكتب أو حتى المعاجم والصحف اليومية، فإننا نجد صورا محددة ومتكررة عن الإسلام، هذه الصور التي نشأت بعد انتصار الثورة الإسلامية على الشاه في إيران في العام 1979 والتي مازالت راسخة في أذهان المواطنين الألمان". وتعتبر ألمانيا بمسلميها البالغ عددهم 3 ملايين نسمة غالبيتهم من الأتراك بين طليعة دول الاتحاد الأوروبي التي تعيش فيها نسبة معتبرة من المسلمين الذين يثير موقف الإعلام الألماني من دينهم الغضب والنفور.

وتقود صحيفة "بيلد" الشعبية الواسعة الانتشار التي يبلغ عدد النسخ التي توزعها يوميا في طول وعرض البلاد 5 ملايين نسخة هذه الحملة التي جاءت حوادث 11 سبتمبر 2001 لتعطيها اندفاعة وهيأت أرضية جديدة لحملة انتقاد الإسلام والمسلمين. لكن هذا لا يعني أن وسائل الإعلام الجادة تتبنى موقفا مغايرا. وأثار موضوع نشرته حديثا مجلة "فوكوس" غضب ونفور المسلمين عن المهاجرين المسلمين تحت عنوان: "الضيوف المرعبون". وتحدثت مجلة "دير شبيغل" عن موضوع محبب عند وسائل الإعلام الألمانية تحت عنوان: "بنات الله من دون حقوق". كما تحدثت صحيفة "زود دويتشه" الليبرالية عن مشروع أزياء للنساء تعمل به مصممة ألمانية في مصر تحت عنوان: "بنات الله يكتشفن جمالهن". يجمع الخبراء والناقدون على أن مثل هذه الأوصاف التي تظهر في صورة عناوين عريضة تسيء إلى الإسلام وعلى رغم أنها لا تمت للدين بصلة غير أنها تعبر عن فهم خاطئ للإسلام وللتقاليد الإسلامية.

يقول رئيس تحرير صحيفة "زمان" التركية محمود جيبي: "لا أدري إذا نشر مثل هذه الأحكام السببية عن الإسلام مقصودة أم غير ذلك". كشف محمود جيبي عن شكاوى كثيرة من القراء الأتراك من ازدياد الشقاق وسوء الفهم بينهم وبين الألمان بعد حوادث 11 سبتمبر. ويحمل رئيس تحرير صحيفة "زمان" وسائل الإعلام الألمانية مسئولية كبيرة في نشوء هذا الانقسام ويقول ان صورة المسلمين زادت سوءا عن الآونة الأخيرة وخصوصا بعد مقتل مخرج الأفلام الهولندي تيو فان جوخ على يد مسلم أغاظه قيام فون جوخ بإعداد فيلم تظهر فيه سيدة عارية رسم على جسدها آيات قرآنية. وتدخلت سلطات البندقية في إيطاليا قبل أسبوع ومنعت فنانا ألمانيا من عرض تمثال للكعبة المشرفة وسط إحدى ساحات البندقية في إطار معرض للفنون خوفا من إثارة خلاف مع المسلمين والتعرض لعمل انتقامي. وأدى سلوك وسائل الإعلام الألمانية إلى نشوء حرب إعلامية غير معلنة تقودها على الطرف الآخر صحف تركية من أبرز سماتها قرار وزير الداخلية الألماني أوتو شيلي بحظر نشر وتداول صحيفة "فاكيت" التركية المحسوبة على الوسط الإسلامي. اتهم شيلي الصحيفة المذكورة بمعاداة السامية والقيام بحملة ضده. ونشرت صحيفة "فاكيت" صورة مونتاج ظهر فيها شيلي مع الصليب المعقوف شعار النازيين. ويرى الإعلامي الألماني يورغ بيكر أنه لو تم النظر لما تنشره وسائل الإعلام الألمانية عن المسلمين خصوصا والأجانب عموما فإن هذا سيكشف بصورة لا تقبل الشك وجود نوع من العداء الإعلامي للأجانب في ألمانيا ولا يختلف هذا في الصحف اليومية أو التلفزيون وحتى الراديو والصحف والمجلات الأسبوعية.

وأشعل مقال مجلة "فوكوس" مناقشات جديدة بشأن موقف الإعلام الألماني من الإسلام والمسلمين. ذلك أن وصف من كانوا يعرفون في السابق بـ "العمال الضيوف" بـ "الضيوف المرعبين" أثار حفيظة المهاجرين الذين يعيشون منذ سنوات طويلة في ألمانيا ويعتبرونها بلدهم الذي لا غنى لهم عنه. ويوضح استخدام وصف الضيوف المرعبين أنهم يشكلون تهديدا للمجتمع الألماني. ويلاحظ عادة مدى سهولة الحصول على فرصة نشر مقال في صحيفة ألمانية مجرد أن يتضمن انتقادا للإسلام والمسلمين. وسرعان ما يتحول إنسان مرتد إلى داعية لحقوق الإنسان وليس أدل على ذلك من الشهرة التي حصل عليها الكاتب البريطاني من اصل هندي سلمان رشدي حين نشر كتابه الاستفزازي "آيات شيطانية". وتعرضت الخبيرة في الإسلام الألمانية الراحلة أني ماري شيمل لهجوم بشع من قبل الإعلام الألماني لأنها قالت انها تفهم مشاعر المسلمين الذين يؤلمهم نشر مثل الكلام الذي ورد في الكتاب المذكور لأنه يسيء لدينهم. وجاء هجوم 11 سبتمبر ليعطي المعسكر الإعلامي المعادي للإسلام فرصة لطرح الأفكار والآراء التي ترمي لتدمير سمعة الإسلام والصورة السائدة عن الإسلام اليوم في ألمانيا أنه دين رجعي. يقول الإعلامي الألماني يورغ لاو العامل في صحيفة "دي تسايت" الأسبوعية: "وجدت الوصف الذي استخدمته مجلة "فوكوس" في غير محله وهو أقرب ليكون فضيحة إعلامية". غير أن مسلمي ألمانيا أصبحوا يشكون من معاملة الإعلام المحلي لهم إلى حد الشعور بالتمييز. وأثارت جريمة "شرف" في برلين أخيرا راحت ضحيتها شابة كردية هاجرت من تركيا انتقادات جديدة غير أن الإعلام المحلي استغلها لمواصلة تهشيم صورة الإسلام. على رغم أن هذه جريمة فردية غير أن ما تولده التغطية الإعلامية المكثفة يترك عند الرأي العام الألماني الانطباع بأن العنف من سمات المسلمين. ويلاحظ خبراء الإعلام كيف اشتدت موجة انتقاد الإسلام والمسلمين في السنوات الأخيرة وكيف أن أجهزة الإعلام الألمانية لا تشير بموضوعية إلى قضايا تخص الإسلام. ويعترف خبير الشئون الإسلامية في مؤسسة فريدريش إيبرت المقربة من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم يواخيم كاندل بأن استخدام عناوين استفزازية تثير مشاعر المسلمين من عادة الثقافة الإعلامية الألمانية، لكنه أضاف أن لجوء الإعلام الألماني إلى الاستفزاز ليس مقتصرا على الإسلام والمسلمين. وقال كاندل ما لا يجاهر به كثيرون في العلن: "هناك مشكلة في تعامل المجتمع الألماني مع المسلمين". وأضاف "أنا واثق بأن الألمان يفرقون بين المتطرفين والمعتدلين" وهذه هي النقطة التي لا يوافقه عليها خبراء الإعلام الألماني الذين يقولون: "صحيح أن ألمانيا لم تعاد المسلمين بسبب 11 سبتمبر لكن الإعلام الألماني اناب عنها في هذه المهمة"


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/476749.html