العدد: 2985 | الأحد 07 نوفمبر 2010م الموافق 01 ذي الحجة 1431هـ

إشراك المسلمين في المجتمع البريطاني

قلّة هي المواضيع التي حصلت في السنوات الأخيرة على تغطية في أعمدة الصحف والقصص الإعلامية المتعددة الوسائل والتدفقات التمويلية المخصصة لها أكثر من موضوع تكامل المسلمين في المجتمع البريطاني. فقد تم تكريس مقالات بأكملها لمفهوم أن لبس النقاب يعيق تبادل المجاملات في الطريق. كما أجريت العديد من البحوث حول احتمالات تحوّل جمعيات الطلبة المسلمين إلى الأصولية في الجامعات، وتمتلئ مواقع الأخبار الإلكترونية بتفاصيل حول صدامات بين مجموعات مثل «رابطة الدفاع الإنجليزية» و»مسلمون ضد الحملات الصليبية».

ورغم أنه يجب أن يكون من الواضح لمعظم الناس أن وجهات النظر المقدمة على كل من جانبي هذا الطيف فجّة وغير منمّقة، وتتفاقم آثارها من خلال قسوة توجهها وانعدام المنطق فيها، إلا أنه يجب توفير المزيد من التغطية للمواقف الدقيقة في وسطها.

قامت البرامج التلفزيونية مثل «اسمي محمد» الذي قدمته قناة البي بي سي الأولى والذي تحدّى الصور النمطية للمسلمين البريطانيين عندما جرى بثه في مارس/ آذار، قامت بمهمة جديرة بالثناء في نشر آراء المسلمين البريطانيين الذين يشعرون بالراحة من النواحي المتعددة لهويتهم. وقد أظهرت تلك المقابلات التزاماً أخلاقياً وروحياً قوياً بدينهم. ولكن في الوقت نفسه كان هؤلاء مواطنين بريطانيين فخورين أظهروا مستويات عالية من الانخراط في التيار الرئيسي للعملية الديمقراطية.

إلا أنه حسب الاستطلاعات، يشعر المسلمون البريطانيون من الجيلين الثاني والثالث بعزلة متزايدة.

وقد وجد الصحافي ومقدم البرامج جون سنو في استطلاع أجرته شركة بحوث سوقية هي Gfk NOP، بتكليف من برنامج القناة الرابعة الخاص «أخبار سريعة: ما الذي يريده المسلمون؟»، وجد أن المسلمين المهاجرين من الجيل الأول في بريطانيا كانوا يتوقون للانخراط، مدفوعين بالرغبة في الحصول على فرص عمل وتحقيق الازدهار.

إلا أن موقف المسلمين البريطانيين من الجيلين الثاني والثالث يبدو أكثر تعقيداً. فرغم معارضتهم الشديدة للإرهاب، إلا أن عدداً كبيراً أظهر شعوراً بالانفصال في إجاباتهم على أسئلة الاستطلاع. فعلى سبيل المثال، عبّر ثلث الألف مسلم الذين جرى استطلاعهم عن تفضيلهم العيش بموجب القانون الإسلامي (الشريعة). ومؤخراً، وجد مؤشر التعايش لمؤسسة غالوب العام 2009 أنه في الوقت الذي ينظر فيه 64 في المئة من الجمهور البريطاني إلى المشاركة والتطوّع في المنظمات التي تخدم الجمهور على أنها مؤشرات أساسية على الانخراط، إلا أن وجهات النظر هذه لم يتشارك بها سوى 54 و24 في المئة من المسلمين البريطانيين حول كل من هذه القضايا بالترتيب.

وتعزو كمية هائلة من الأدبيات مشاعر العزلة هذه لسياسة المملكة المتحدة الخارجية، وقد سجلت عشرات الشكاوى العالمية التي ينظر فيها إلى الحكومة البريطانية على أنها متآمرة وضالعة في سوء معاملة المسلمين. ورغم أنه من الحاسم إبراز معاناة المواطنين الأبرياء في أي نزاع، بغض النظر عن عقيدتهم، إلا أن هذا السرد مبسّط بشكل زائد. فهو يفشل في تفسير سبب اختيار بعض البريطانيين المسلمين توجيه إحباطاتهم من خلال أساليب بنّاءة ديمقراطية، مثل توقيع العرائض وتنظيم المظاهرات والتبرع بالأموال لأعمال خيرية ذات علاقة، والقيام بأعمال إنسانية في مناطق النزاع، بينما يوجّه آخرون إحباطاتهم بأسلوب حاسم لا عقلاني.

ويمكن إظهار هذا التوجه الأكثر تعارضاً من خلال قرار الجماعة الممنوعة Islam4UK الاحتجاج في مهرجان عودة كتيبة أنجليا الملكية عبر مدينة لوتن في مارس 2009. وجّه أتباع الجماعة إهانات تجاه الجنود وحملوا لافتات تحمل رسائل عدائية وتقول: «اذهبوا إلى الجحيم يا جنود انجليا» و»جزّارو البصرة». وقد أدى ذلك إلى مناظر غاضبة انفجرت بين أنصار الجماعة والجمهور الذي حضر المهرجان.

ومن بين أسباب عزلة المسلمين البريطانيين حقيقة أن العديد من القادة الدينيين ليسوا على توافق مع احتياجات المسلمين من الجيلين الثاني والثالث. ففي العديد من مناطق المملكة المتحدة، يسيطر كبار السن في الجالية على المساجد ويعظون بتفسيرات للإسلام تركّز على العقيدة التي ترتكز على الشعائر، ولكنهم لا يفعلون ما يكفي لتجهيز أعضاء الجالية بالمهارات الضرورية ليصبحوا مواطنين ناشطين.

ومن الأسباب الأخرى انتشار طروحات تدور حول إضفاء الشيطانية على «الآخر» بدلاً من التركيز على إنسانيتنا وقيمنا المشتركة. هناك العديد من المشاريع والمنظمات التي تهدف إلى تجهيز المسلمين للحياة المدنية والسياسية، وتوسيع مجالات الوصول إلى هذه الساحات. وتضم هذه المشاريع قيادات الشباب ومهارات الجدل والمواد التعليمية.

إلا أنه حتى يتسنى للمسلمين البريطانيين أن يكونوا ناجحين بحق كمواطنين مشاركين، يجب أن تحصل ثلاثة أمور:

أولاً، يجب أن يتم الاعتراف بهم في كل مجالات هويتهم، مقارنة بإجبارهم على الوقوع في شرك «المسلم الرمز».

ثانيا، يجب التوقف عن النظر إلى المسلمين على أنهم مجموعة متجانسة، ويجب تشجيع التعبير عن الآراء والممارسات المتنوعة عبر الدين حول قضايا مثل لبس الحجاب ومصافحة أفراد الجنس الآخر والتصويت في ديمقراطية.

ثالثاً، يتوجب على المسلمين تجنّب زرع سياسات بلدانهم الأصلية في الحكم البريطاني والمجتمع المدني.

عند وضع هذه التغييرات في مكانها، تصبح الرؤية التي يروَّج لها أحياناً عن مجتمع تعددي متناغم على بعد خطوات قليلة من الواقع.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/501966.html