العدد: 3049 | الإثنين 10 يناير 2011م الموافق 05 صفر 1432هـ
المضي قدماً يتطلب تشريح الماضي
الكاتب: منصور الجمري - editor@alwasatnews.com
بالنسبة إلى الأطباء، فإن التقدم العلمي في مهنة الطب يتطلب تشريح الجثث بعد الوفاة، ليس لأن المتوفى سيستفيد من ذلك، ولكن لأن الأحياء قد يستفيدون من معرفة الخلل، وماذا حدث لمن توفى قبل وفاته... وهذا يساعد في التعرف على تفاصيل تحسم أموراً، وتفسح المجال إلى مستقبل أفضل.
الأمر ذاته ينطبق على الوضع السياسي والاقتصادي؛ إذ لا يمكن الحديث عن المستقبل السياسي أو الاقتصادي في فراغ، أو كأنه لا يوجد ماض سياسي، أو لا يوجد مجتمع له تاريخ. وهناك بلا شك فرق بين «تشريح الجثة»، و «نبش القبور»... فهناك من ينبش قبور الكراهية والبغضاء لإعادة نشر الأمراض من جديد، وهناك من يُشرِّح الجثة من أجل معرفة المشكلة ومن ثم التحرك نحو الأفضل.
ونحن نبدأ العام الجديد، فإن أمامنا الكثير من القضايا، ولدينا طموحات كبيرة، ولكن لا يمكن أن نتقدم من دون تسجيل الدروس المستفادة من ما مررنا به من تطورات، وذلك بهدف التعرف على نجاحاتنا وإخفاقاتنا، ووضع خطط مناسبة لتجنب المزالق التي تكررت علينا فيما مضى، وبالتالي زيادة فرصنا للنجاح المستقبلي.
سنكمل عشر سنوات من تجربة سياسية رائدة بدأت في مطلع 2001، وتطلعاتنا كانت ولاتزال هي التي تدفع ببلادنا إلى التقدم خطوات كبيرة إلى الأمام. ولكننا أيضاً وقعنا في أخطاء أدت إلى تراجعات هنا وهناك، ونحن نجد حالياً أن البيئة الضاغطة لا تفسح المجال لانطلاق التفكير البنّاء، ولعلنا إذا أخرنا الحديث عن قضايانا، فإننا سنستفيق لاحقاً على عبارة «بعد فوات الأوان».
ولأن مثل هذه المهمة تحتاج إلى تضافر الجهود، فإنني أدعو الجمعيات السياسية والمهنية إلى تحليل العام 2010 من كل جانب، فهو يعتبر عاماً فاصلاً بين فترتين مختلفتين تماماً: مرحلة انفتاح سياسي، ومرحلة قبضة أمنية... ومن المؤسف أن يتم تخييرنا في البحرين بين الاثنتين، لأننا نريد الانفتاح السياسي مع الاستقرار الأمني، وهذان الأمران يضمنان التنمية الاقتصادية المستدامة.
ولو نظرنا إلى البلدان التي لا تأخذ بالانفتاح السياسي كعنوان رئيسي لوضعها، فإنها تطرح بدلاً عن ذلك «سيادة القانون على الجميع» و «الشفافية» و «مكافحة الفساد» و «الشراكة المجتمعية» و «المحاصصة» للتعويض عن فقدان بعض المساحة السياسية، وهو ما نشهده، مثلاً، في سنغافورة. ولو كانت سنغافورة من دون هذا الأمر، فإن قبضتها الأمنية لوحدها ستهدم نموها المشهود له. إننا بحاجة إلى استعادة الحيوية للانفتاح السياسي وأن لا نفسح مجالاً للتفكير بالاستعاضة عنه بقبضة أمنية مطلقة اليد؛ لأن في ذلك دخولاً في دورة من الأخطاء التي مررنا بها من قبل ونعرف نتائجها غير الحسنة على البلاد والعباد.
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/520407.html