العدد: 1220 | السبت 07 يناير 2006م الموافق 07 ذي الحجة 1426هـ
فيلم «الانهيار» يصور لحظات الموت قبل سقوط الرايخ
إيفا ترقص وهتلر ينتحر... والأم تقتل أطفالها
في السيف يعرض فيلم رائع. «الانهيار» فيلم ألماني يتحدث عن اللحظات الأخيرة من سقوط امبراطورية الرايخ الثالث في نهاية الحرب العالمية الثانية.
يمكن تصنيف الشريط السينمائي الطويل (قرابة ثلاث ساعات) فنيّاً في دائرة رمادية، تجمع بين الدراما والتوثيق وبين التاريخ والرواية. وبسبب هذا الربط الحذر بين زوايا مختلفة لا يشعر المشاهد بالملل.
القصة ليست مختلقة وكذلك التتابع الوصفي لمشاهد النزاع الأخير في حياة ديكتاتور نجح ذات مرة في كسب مشاعر الناس واستغل تلك العواطف التي عصفت بها شعارات غير واقعية فاندفع الشارع يصفق لقائد وعدهم بالانتصار على العالم وإذا بالعالم ينقلب عليه.
الفيلم لا يتحدث عن صعود النازية إلى الحكم وإنما يروي قصة سقوطها. فالنهاية كافية لفهم البداية وهي المدخل الصحيح لتصوير لقطات تكشف عن ضعف القوة وهزيمة الجبروت وانكسار الإرادة وتفكك السلطة وانحسار تلك الأوهام في دائرة ضيقة ترتعد خوفاً وتهتز من وقع هجوم الأعداء.
هذا الفيلم الرمادي اختار اللون الرصاصي الذي يجمع بين الأبيض والأسود، واختار الملجأ الذي اختبأ فيه الفورهر (الزعيم القائد الخالد الأوحد)، ليتابع دقيقة دقيقة اخبار هزيمته.
فكرة الفيلم رمادية، واللون الذي اختاره المخرج رمادي. ومسرح الفيلم مجرد غرف سرية تقبع فيها حاشية الفورهر تحت الارض خوفاً من الرصاص والقنابل والصواريخ التي انهمرت على برلين تمهيداً لاجتياح عاصمة الرايخ الثالثا وإعلان نهاية حرب قادها مجنون ضد العالم مخلفاً قرابة مليون ضحية.
اللون الرمادي يطغى على الفيلم، والمخرج اختاره للدلالة الرمزية على لحظات تجمع بين الفرح بهزيمة «الزعيم الخالد» والحزن الذي يضرب مدينة أسرها الجنون فكانت ضحية حرب مجنونة. انها مفارقة الحياة والموت، ففي الوقت الذي تبشر اللحظات الاخيرة بنهاية مرحلة... هناك لحظات أخرى صاعدة تؤذن ببداية مرحلة جديدة. ولهذا جاء اللون الرمادي ليعطي الفيلم قوة جمعت بين توثيق النهايات والاطلالة على البدايات.
الفيلم بهذا المعنى الفني نجح في اختيار المسرح وبرع الممثلون في اداء أدوارهم وسط مشاهد لا تنسى تذكر الإنسان بالكثير من العبر والدروس التي لابد من تكرارها حتى لا تعود الأوهام تسيطر مجدداً على رؤى لا أساس لها من الصحة. فالكذب في النهاية لن يستمر مهما حاول الكذاب تغليفه بالأحلام الوردية. والكذب في الأخير يستدرج الكاذب الذي خدع الناس إلى حفرة يسقط فيها وملجأ يتحصن به ظنّا منه أن تلك الأوهام لابد لها ان تنجده في لحظة ضعف. الفورهر لا يصدق ان الناس لم تعد معه وانه اصبح وحيداً في ملجأ وهي تدفع ثمن اكاذيبه نيابة عنه.
من هذه الزاوية يقرأ مخرج «الانهيار» تداعيات مدينة حلمت يوماً بقيادة العالم تنزلق إلى حفرة الموت، إذ بها يتحدث «الانهيار» عن تلك اللحظات التي كتب عنها المؤرخون كثيراً. وكل ما كتب تم تسجيله من جهة المنتصر. وكل الافلام التي صورت اتجهت الكاميرا صوب قوات التحالف، ولم تنظر إلى الجهة الأخرى من المشهد.
مخرج «الانهيار» عمد إلى تغيير اتجاهات الصورة، فهو نظر إلى المشاهد الأخيرة من جهة المهزوم لا من جانب المنتصر. وهذا الأمر أعطى قوة للفيلم لأنه نقل المشاهد إلى نقطة غامضة (رمادية) كان يبحث عنها دائماً في الكتب والاشرطة السينمائية.
«الانهيار» أعطى أجوبة عن تلك الأسئلة. كيف رأى الطرف المهزوم نهاية المعركة، وكيف قرأ صورها الحقيقية وكيف تعامل معها من جانبه؟
المشاهد مرعبة. هتلر الذي كان يهدد العالم ويتوعد البشرية ويكرر باستمرار ان جنس الالمان متفوق بالطبيعة وان عرقهم ينتمي إلى سلالة آرية راقية بينما الشعوب الأخرى مجرد أعراق منحطة وغير نقية... هذا الهتلر تحول إلى شخص مكسور محطم ومعتوه يأبى ان يعترف بالهزيمة.
وهتلر الذي كان يفاخر بجنسه الألماني (الجرماني) الآري انقلب على شعبه وأخذ يكيل الشتائم ويتمنى له الموت لأنه لا يستحق الحياة... وذلك لسبب بسيط: شعبه حرمه من لذة الانتصار. الفورهر لا يعترف بالهزيمة لانه هو لم يهزم . الشعب خذله وهزمه. أراد ان يقوده إلى حلم لا شبيه له واثبتت التجربة انه لا يستحق هذا الحلم.
ولهذا تمنى له الموت والاضمحلال ونهاية غير سعيدة. فهذا الشعب الذي جره هتلر إلى حفرة الموت رفض ان يتحمل مسئولية الخسارة بينما أصر «الزعيم» حتى لحظات النهاية على تدفيع الناس ثمن الهزيمة.
رفض هتلر حتى قبل انتحاره نصائح جنرالاته بالاستسلام. والسبب في ذلك يعود إلى انه لا يريد الحياة لشعبه بعد رحيله. فالشعب يجب ان يرحل قبله أو معه. وهو لا يتصور المانيا من دونه. هذا هو هتلر الذي كان يرى خلال فترة الزهو ان شعبه هو الوحيد الذي يستحق الحياة في الكون تحول فجأة إلى شخص يرتعد خوفاً من هزيمة مشروع قاده إلى حفرة الموت.
غوبلز وهو مسئول الدعاية والإعلام (مروج النفاق والدجل) في دولة هتلر توصل مع زعيمه إلى الاستنتاج نفسه. لا معنى لالمانيا من دون نازية. ولا قيمة للحياة بعد رحيل الفورهر وبسبب هذه القناعة الايديولوجية (المفرطة في الكذب على النفس) اتفق مع زوجته على قتل الأسرة لان الحياة لا تصلح لجيل من الاطفال لايعرف هتلر ولا حزبه.
مشهد قتل الأم لأطفالها الستة ببرودة اعصاب هو قمة المأساة في لحظات «الانهيار».
الأم تقتل أطفالها، هذه هي نهاية النازية. المشهد مفزع ولا يمكن تخيله في المنام ولكنه صحيح من حيث توثيقه التاريخي. المشهد صحيح ولأنه كذلك تم تصويره كما حصل ووفق روايات شهود عايشوا تلك اللحظات المخيفة. فالسيناريو استقى معلوماته من تلك الحاشية (حرس، عمال تنظيفات، طهاة، سكرتيرة، موظف هاتف، منسق اتصالات) وهي مجموعة من الموظفين نجت من الموت وشهدت انهيار الفورهر والسياق الذي تحطمت وتكسرت شخصيته امام حفنة من الناس شاء القدر ان تعيش معه في ذاك الملجأ الرمادي!
الأم تقتل أطفالها. هذا هو الجواب التاريخي على نهاية النازية. ومثل هذه النهاية يمكن تصورها في كل مكان وزمان تسيطر عليه النزعة الشمولية والكلية بقيادة زعيم مطلق الصلاحيات ويملك الحق في اتخاذ قرارات عشوائية ومزاجية... وكل من يخالفه مجرد خائن مرتد لا يستحق الحياة ولا معنى له، وعقابه طلقة واحدة في الرأس أو الصدر للتخلص من رذالته ونجاسته.
الأم تقتل أطفالها. مشهد تاريخي يختصر الكثير من تلك الصور الحاضرة في عصرنا. فالمشهد مضى في المانيا ولكنه لايزال يتحكم بمسار تلك الايديولوجيات التي لا ترى في العالم سوى حلقة صغيرة تقوم عليها الحياة. والحياة كلها في رؤية هذا الصنف تختصر بتلك الحلقة الحزبية التي تعتمد الكذب لتقطيع الوقت والتضحية بالناس ومصالحهم من أجل فكرة تفوه بها هذا الفورهر أو ذاك «الزعيم الخالد». واذا خالفت الدنيا تلك الفكرة فعلى الدنيا السلام وعلى العائلة (الأطفال) ان تموت وعلى الشعب ان يموت قبل ان يذهب القائد الأوحد إلى غرفته ويطلق على نفسه وزوجته العشيقة (ايفابراون) النار ختاماً لحرب أرادها لشعبه واذا بها تدفع بشعبه إلى حفرة الموت.
نسينا ايفا. انها العشيقة السرية لزعيم أوحد يرى في شخصه خصوصية تضعه في مكان أعلى من الزواج. ايفا هذه في فيلم «الانهيار» امرأة رائعة تضج بالحياة وتحلم بالسعادة وتندفع إلى مواجهة النهاية برقصة الموت. انها فعلاً امرأة تورطت مع مجنون. وانها تلك الجميلة التي ساقها حظها العاثر للارتباط برجل يحب نفسه ومعجب بعظمته إلى حد لا يرى في الدنيا سواه. انها امرأة تعيسة لا تعرف من رجولة هتلر سوى خطاباته بينما هو في الحقيقة مجرد هرّ يعتد بقوته امام شعبه.
ايفا هي الوجه الآخر لتلك المأساة. فهي عشيقة وليست زوجة. وهي ملحق لرجل لا يرى في المرآة سوى نفسه.وهي في النهاية اختارها القدر لتكون الضحية. فهذا الاناني المهووس بذاته قرر الزواج بها قبل لحظات ليأخذها معه إلى حفرة الموت.
صورة ايفا في فيلم «الانهيار» مختلفة عن تلك الروايات التاريخية، ولعل المخرج أراد ان يعدل في زوايا الرؤية حتى يعطي هذا الفيلم الرمادي المزيد من الرماد.
ايفا ضحية. أطفال غوبلز ضحايا. الشعب الألماني ضحية. العالم ضحية أفكار مجنونة تقود العالم إلى حفرة الموت. باختصار هذا هو معنى «الانهيار».
عند ما اطلع الكاتب والمنتج بيرند ايشينغر على مسودات كتاب المؤرخ يواشيم فيس Der Untergang السقوط: من داخل مخبأ هتلر، أيام الريخ الثالث الأخيرةس. علم إنه عثر على المفتاح الذي يبحث عنه ليقدم الفيلم الذي ظل يحلم به لعقود. وجد ايشينغر ضالته في كتاب فيس الذي يركز على الأيام الأخيرة للرايخ، وعلى الأحداث المرعبة التي صنعها هتلر ومساعديه خلال سنوات حكمة التي امتدت لـ عاماً وهي التي انعكست في الـ يوماً الأخيرة في الملجأ.
يقول ايشينغر زهذا الكتاب يخبرنا الكثير عن حكم هتلر وأيامه وعن دور الشعب الألماني في تقوية النظام في سنواته الأولى، وكيف ساعد ذلك على استمراره في الحكم حتى نهايته المؤلمةس
في الفترة ذاتها أطلع ايشينغر على كتاب هام آخر كتب في نفس الفترة الزمنية، وهو مذكرات ترودل يونغ، السكرتيرة الشخصية لهتلر التي نشرت تحت عنوان Until the Final Hour: Hitler Last Secretary. (حتى الساعات الأخيرة: آخر سكرتيرات هتلر). وقد تم تحويل هذا الكتاب الى برنامج وثائقي تحت عنوانlind Spot: Hitler Secretary. .
وليس ايشنيغر هو الوحيد الذي تأثر بالكتابين بل إن مخرج الفيلم أوليفر هيرشبيغل يقول زأوحى لي كتاب فيست بالقدرة على تحديد الإطار الزمني لفيلمي، أما ترودل يونغ فقد الهمتني بمذكراتها وضع الشخصية التي يجب أن تربط كل الأحداث مع بعضها في الفيلم.
ويواصل فيلم السقوط Downfall هو أول فيلم ألماني يناقش قصة هتلر بشكل مباشر منذ فيلم العام 6591 Der 1 RThe Last (المهمة الأخيرة) للمخرج جي دبليو بابستا والذي روى قصة سقوط هتلر من زاوية جندي ألماني عادي، لعب دوره أوسكار ويرنرس
أما فيما يتعلق بالتاريخ الألماني فيقول هيرشبيغل زإن
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/538274.html