العدد: 1250 | الإثنين 06 فبراير 2006م الموافق 07 محرم 1427هـ

الرواديد: نجهل «المقامات» ونستقوي بـ «التجويد»

لحن الموكب... هل يأسره التراث أم يؤسس لفن جديد

لم يعد لحن موكب العزاء كما كان قبل عشرين عاماً من العفوية والبديهة، فمع تجدد الزمن اقتحمت التغيرات الحضارية بتقنياتها كل شيء حتى وصلت إلى موكب العزاء الحسيني... هكذا يرى كثيرون.

البعض لا يعتبر ما يحصل للموكب تغيراً طارئاً، بل يصنف لحن الموكب باعتباره الآن فناً إسلامياً راقياً قائماً بذاته، وله خصائصه الفنية. والبحرين على صغرها الجغرافي أضحت واحدة من دول العالم التي يتميّز موكبها بمقومات منفردة وسمات خاصة. ولكن وجهات النظر تختلف في مدى استساغة الشارع العام في البحرين لهذا التطور، ودخول التركيبات الحديثة على لحن موكب العزاء البحراني في الوقت الذي امتدت فيه شهرة هذا النمط إلى جميع دول الخليج، وبعض الدول العربية كسورية ولبنان، حتى صار متداولاً بين رواديدها.

والسؤال: هل يدرك رواديد البحرين والرأي العام أبعاد هذا التطور، أم أن كل ما يحدث هو مجرد حركة مرتجلة آخذة بالاتساع؟ وما أبعاد هذا الفن وتفصيلاته؟ ومن أين بدأ وأين يقف؟

«الوسط» حاورت الرواديد صالح الدرازي، وتوفيق آل رضي وحسن الصالح، وأستاذ الماجستير في اللغة العربية بوبكر بوشناق في هذا اللقاء.

الدرازي: أبهَرْنا المهتمين بفن «المقامات»

الرادود الحسيني صالح الدرازي أحد الذين كان لهم دور بارز في تغيير بوصلة العزاء البحريني، وعند سؤاله عما يشاع بأن فن العزاء البحريني فن مرتجل أجاب: «ما يقال هو واقع، فنحن لم ندرس الإيقاعات الحركية بأساليب أكاديمية، لكننا نعتمد على الالهام والتوفيقات الالهية. ونحن محتاجون فعلاً لمثل هذه الدراسات من أجل تنشيط قوة اللحن التي تؤدي الى قوة الموكب، وبالتالي قوتنا في هذا العالم، ونحن نسعى مع الأيام لنتطور». واستدرك: «ولكن على رغم اننا لا نسير على المقامات الأصلية للحن فإننا خطونا خطوات أبهرت المهتمين بهذا الفن، اذ يتصل بنا بعض المختصين من خارج البحرين يبدون إعجابهم بالنمط البحراني ويستغربون اننا لا نعرف شيئاً عن المقامات الأساسية».

مؤسسة لاحتضان الرواديد

وعن السبيل لتأصيل حركة فن الموكب بالبحرين قال الدرازي: «ما نتمناه هو ان تحتضننا مؤسسة لها حجمها (كجمعية التوعية الاسلامية مثلاً) للم شمل الرواديد والبدء بجلب مختصين لترسيخ هذا الفن، كما نحتاج الى تعبئة الناس فكرياً وأخلاقياً وتذكيرهم بأمور دينهم ودنياهم وأن نخلّقهم بأخلاق أهل البيت (ع)، وهذا لا يتأتى إلاّ تحت مظلة مؤسسة لها وزنها في الشارع، فالرواديد مشتتون ومنشغلون بأنفسهم».

وعلّق على ظاهرة انتشار نمط العزاء البحراني في عدة دول بأن «هذا النمط هو الأنسب في نظري إلى الشعوب لأنه محبب إلى الكثيرين، وقد تفاعل معه الناس لأنه متنوّع في جميع إيقاعاته الزمنية، فهو بطيء وسريع وهادئ وحماسي ورومانسي وكلاسيكي، بحسب التعبيرات العصرية».

الاستفادة من التجويد

وعما إذا كان رواديد البحرين يعتمدون على أساليب معينة في التلحين قال صالح الدرازي: «الايقاعات اللحنية سلم نتحرك عليه بحسب الوزن ونطق البيت الشعري، وأهم شيء لدينا حركة المعزي ونتصورها إن كانت تتناسب مع إيقاع اللحن. واستحدث الرواديد الكثير من الإيقاعات الجديدة التي إما أن تكون مقصودة وإما تأتي بالبديهة».

وأوضح: «نحن لا نتحدث هنا عن أسماء مقامات، ولكن نتحدث عن جو قصيدة معينة مثلاً أو عن جو قرآني كأسلوب القارئ عبدالباسط عبدالصمد أو غيره، أو من أجواء الدعاء أو الأذان بشتى أساليبه».

وعن مدى الاستفادة من فن التجويد في الموكب قال: «هناك بعض الرواديد كأحمد قربان وحسين أحمد وغيرهم دخلوا عالم التجويد واستفادوا منه في الموكب على مستوى إجادة التنقلات بين اللحن وسلامة نطق الحروف، أما نحن فمقصّرون بسبب انشغالاتنا ولكن لاشك ان القرآن أنسب شيء لتطوير القدرات والإحساس».

وعما يتهم به رواديد البحرين من التصنع الزائد والابتعاد عن التراث والعفوية أجاب الدرازي: «ذلك فيه شيء من الصحة، ولكن الدنيا تتطور والناس تبحث عن الجديد، كما اننا عندما نعمل عملاً راقياً ترتفع معنويات الناس، فالصوت واللحن يضفيان على مشاعر الانسان المهموم نوعاً من الـتأثير الايجابي».

تعدد المدارس سبب نجاح العزاء البحريني

وعن تعدد المدارس اللحنية في البحرين كالمدرسة «البلادية» و«السنابسية» و«الدرازية» وغيرها، أجاب الدرازي أن هذه الأنماط المتعددة هي سبب نجاح العزاء البحريني، فالتنافس الشريف الموجود أثرى الموكب كثيراً. وأنا مرتاح لهذا التوازن، فلولاه لكان العزاء مملاً».

آل رضي: المقام يحدّده البحر الشعري

أما الرادود الحسيني توفيق آل رضي فرأى أن اللحن يحدّده البحر الشعري، معترفاً بجهل غالبية الرواديد بالبحور الشعرية، ومؤكداً ضرورة العودة إلى دراسة القرآن (تجويداً وصوتاً) كطريق إلى الإبداع. وعن علاقة الألحان بالبحور الشعرية ذكر أن «البحور الشعرية التي قنّنها الخليل الفراهيدي لها تفريعات كثيرة وهي متداخلة»، مشيراً إلى أن «غالبيتها اندثر، إذ لم تبق إلاّ بحور محددة هي المتداولة».

ولفت إلى العلاقة الوثيقة التي تربط اللحن المناسب بتفعيلات البحر، وأن كثيراً من الرواديد يعملون على مزج الأبحر لتنويع الألحان بحسب الموقف، وبشأن الشعر النبطي ذكر أنه نتاج متأخر وله وجوه كثيرة، وهو الأشيع على المنابر. وشدد آل رضي على قضية مهمة برأيه وهي أن «دراسة التجويد (لمعرفة صفات الحروف ومخارجها) والمقامات القرآنية ضرورة لا غنى للرادود وحتى الخطيب عنها. فدارس القرآن أقدر على الإبداع في القراءة الحسينية والموكب، ولاسيما أننا عرب ولساننا عربي».

وعن مدى معرفته بالبحور أو المقامات قال آل رضي: «علينا أن نعترف أننا نجهل البحور والمقامات، وما نتداوله من مصطلحات في شأن الألحان ليست علمية دقيقة»، مشيراً إلى مروره بمراحل تدرّج فيها عبر انتقالاته بين مواكب المآتم، وهو الأمر الذي صقل موهبته وبناها مع الممارسة، كما وجد مدرسة مختلفة في كل مأتم.

ترتيب «بيت الرواديد»

وذكر آل رضي ضرورة معرفة الرادود بالكلمات قبل إنشادها، ناقداً دخول بعض مجهولي الهوية فنيّاً إلى بيت الخطابة والإنشاد وهو «البيت الذي يحتاج إلى ترتيب داخلي أصلاً»، مشيراً إلى «أننا نبتدع إيقاعاً على حساب المضمون وهو ثورة الحسين... إننا نجري وراء سراب لحد الاستعراض، ولا توجد لدينا مآتم في البحرين، بل هي دور تنتمي إلى عائلات ويذكر فيها الحسين لا أكثر».

الصالح: المقامات مفتاح الألحان

حسن الصالح (مجوّد ورادود) كان له رأي مختلف، إذ رأى أن المقام هو الأساس سواء لمقرئ القرآن أو الخطيب والرادود، وأن مفتاح المقامات هو الموسيقى، عائباً على الخطباء اعتماد السماع فقط، وداعياً الجميع إلى إيجاد قاموس يحدد معالم المقامات. وأشار إلى أن من كان رادوداً ثم أصبح خطيباً يصبح انتقاله عبر الألحان أسهل كالحال مع السيدجابر الشهركاني والشيخ حسن العالي.

وفي بداية حديثه أشار الصالح إلى أن المقامات متشابكة بين القرآن والخطابة والعزاء، وأن المهم هو توظيف ألحان المقامات وما يتفرع عنها بالمناسب، فاعتماد الرواديد في المدرسة القديمة على لحن الصبا بشكل كبير لكونه حزيناً، بينما اعتمدت المدرسة الجديدة خليطاً من الألحان يصعب تمييزه.

ولفت الصالح إلى أن الموسيقى هي مفتاح المقامات التي هي مجرد نوتات، لذلك برأيه فإن المقام هو الأساس. وقال معلقاً: «الوزن (البحر الشعري) ليس له مقام واحد، فوزن واحد يمكن أن ننوع مقامه بحسب الملحن، والوزن أبداً لم يحدد المقام... وهو ما يؤكد الصلة بين الموسيقى والتقدم في الألحان، ما يقود إلى اختيار المقام المناسب، بشرط ألا تتفق مع مجالس أهل الفسوق».

وعند سؤاله عن شرعية استخدام الموسيقى طريقاً إلى فن المقامات لم يتردد الصالح في الاستشهاد بفرقة الإسراء اللبنانية التي يلحن فيها الشيخ أسامة همداني، وهو حوزوي ودارس للموسيقى وعمدة الفرقة. وأوضح بالقول أن «الجو العام يركز دائماً على اللحن، ناسياً أنه مجرد وسيلة، إلى درجة رفض الشعر الجيد بحجة عدم اتساقه مع اللحن. فلنجاح الموكب ثلاثة عناصر: طابع الحزن، ألحان مناسبة ومعتادة، وكلمات واضحة وهي الأساس».

الموسيقى هي المفتاح

وبالعودة إلى وضع الموكب، ذكر الصالح أن «الموكب عموماً يعتمد على الإيقاع السريع المناسب للطم، ولكن المشكلة تكمن في الألحان الأولى، ففي أواخر التسعينات اقتفى العزاء أثر ألحان الموسيقى الكلاسيكية الحزينة، وهو ما ساعد على الهيام في اللامعقول وأسلوب دغدغة المشاعر وبالتالي ضياع الكلمة»، مشيراً إلى أن «اضطراب الأوضاع الأمنية جعلت الألحان الحماسية العسكرية تبلغ أوجها»، إلا أنه استدرك بالقول إن «هناك اتجاهاً بدأ يظهر على السطح يدعو إلى العودة إلى القديم، إذ كانت تجربة بعض الرواديد ومنهم علي حمادي دافعاً للبقية لعدم التخوّف، ورأى أن حسين الأكرف بدأ يمازج بين القديم والجديد.

وعند السؤال عن نسبة الارتداد إلى الأسلوب القديم (البحراني الممزوج بالعراقي) الذي عبر عنه الصالح بـ «العزاء الحقيقي»، أشار إلى أنه بدأ يتنامى، على رغم أن البعض يلوم من يطالب بالقديم، بل يرمي من يعود من الرواديد إلى القديم بـ «الانتهاء».

وخلص الصالح إلى القول: «إن ضعف الكلمات وتشتت الأساليب في الألحان بين القديم والجديد قاد العزاء إلى أن يصبح ركيكاً، ومن الأسباب اعتماد الرواديد على شعراء يتأخرون في إنتاجهم، واهتمام البعض بالأشرطة الفردية على حساب الموكب».


رأي المختصين الاكاديميين

ولأجل الفصل فيمن له الدور الحقيقي: البحر الشعري أو المقام، سألنا أكاديمياً عن وجهة نظره وهو أستاذ الماجستير في اللغة العربية بوبكر بوشناق فقال: «إن البحر يحدد الوزن الداخلي للكلمات، وهذا أول درجات السلّم الموسيقي، فيما المقام هو الإضافات الخارجية بغرض زيادة الإمتاع من خلال التنغيم والتحكم في طبقات الصوت». وأشار إلى أن «المقاطع ال


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/542328.html