العدد: 3222 | الأحد 03 يوليو 2011م الموافق 01 شعبان 1432هـ

التعريب واللبْس بين أسماء الطيور: القارية وطباخة القار (1)

سنتناول في هذا الفصل عدداً من أسماء الطيور والتي تعتبر من أكثر أسماء الطيور تشابكاً وتعقيداً سواء عند العرب الأولين أو عند عامة دول الخليج العربي، هذه الأسماء هي: القَارِية (بالتخفيف) والقَارِيّة (بالتشديد) والقرلى والقارور والقريوي وتعرف هذه الطيور أيضاً بأسماء أخرى مثل طباخة القار والخضيري والصقرقع والشرق ورق والوروار والشقراق. وهناك لبْس كبير بين هذه الأسماء في كتب اللغة وبين العامة وهو لبس ناتج من عمليتين أساسيتين: تعريب الأسماء اليونانية الذي نتج عنه أسماء متشابهة وتشابه بعض هذه الطيور مع بعضها البعض في اللون؛ ما نتج عنه تعميم لأسماء معينة وانتقال دلالة أسماء أخرى. محصلة ذلك أن هناك تعقيداً في التطور الدلالي للأسماء وتعقيداً في نسب أي اسم يخص أي طائر، هذا التعقيد أدى بأمين معلوف أن يستثني أسماء معينة ويثبت أسماء أخرى هي المتفق عليها وذلك في معجمه «معجم الحيوان»؛ إلا أن التعقيد عاد ليظهر عندما بدأ البعض بإحياء أسماء لم يتفق أحد على تحقيقها.

إعادة تحقيق الأسماء

بسبب الخلط الكبير بين تلك الأسماء العامية منها والعربية نجد أنفسنا مضطرين لإعادة التحقيق في تلك الأسماء موضحين أسباب وآلية التطور الدلالي الذي حدث لها، بعدها سنوضح أي تلك الأسماء لا لبس فيها وهي الأسماء التي يجب أن تسود في الكتب العلمية ويجب تعميمها وأي تلك الأسماء يجب تركها. ولكي يتحقق هذا الهدف علينا أن نوضح أصول تلك الأسماء وكيف عربت وكيف حدث اللبس فيما بينها بعد ذلك سنتناول آليات التطور الدلالي التي خضعت لها تلك الأسماء وما هي الأسباب التي أدت لذلك التطور الدلالي.

تعريب الأسماء

المرجَّح أن أربعة أسماء من تلك الأسماء سابقة الذكر معربة من أسماء يونانية وتلك الأسماء هي:

1 - القارية: تعريب Cheiris وهو نوع من طيور القرلى التي سبق الحديث عنها، ولكن اسم القارية تطلقه العرب على القرلى والوروار (الصقرقع) والشقراق (الخضيري) والزقزاق (القريوي).

2 – القرلى: تعريب Ceryle وهي نوع من طيور القرلى (سچيچينة أو الخضيري)

3 – القارور: تعريب Ceryle وهو اسم يطلق على الوروار والقرلى.

4 – القريوي: تعريب Charadrius وهو نوع من الزقزاق.

التشابه في الألوان

يوجد ثلاثة طيور وهي الوروار والشقراق والقرلى أو الرفراف بها نوع من التشابه حيث يغلب عليها اللون الأخضر أو اللون المائل للأخضر، وهذه الطيور الثلاثة تعرف عند العامة في دول الخليج وكذلك في كتب اللغة باسم الخضيري أو الخضار أو الخضيراء، وما يزيد الأمر تعقيداً أنها تسمى أيضاً قارية وقارور وقرلى أي بثلاثة أسماء متقاربة في اللفظ والاشتقاق. وبسبب ذلك عانت هذه الطيور الثلاثة من عدم دقة تحقيق أسمائها وذلك بسبب حدوث نقل دلالي للأسماء غير المتشابهة، على سبيل المثال يطلق البعض (ومنهم العامة في البحرين) اسم الشقرارق على الوروار، وفي كتب اللغة يطلق اسم قارور وجمعها قوارير على الوروار والشقراق بينما العامة في الكويت تطلق اسم القارور على الوروار والقرلى. وبسبب كل هذا اللبس في تحقيق الأسماء يتوجب على أي باحث في الطيور أن يذكر الأسماء العربية لهذه الطيور والتي لا يوجد لبس فيها وهي: الوروار والشقراق والقرلى أو الرفراف، وقد ناقشنا طائر القرلى في فصل سابق أما الوروار والشقراق فسنتناولهما بالتفصيل في الفصل المقبل.

القارية هي القارور

طائر القارية مختلف في وصفه في كتب اللغة فالبعض يصفه على أنه القرلى وآخر على أنه الوروار أو الخضيري ومنه من يصفه على أنه القريوي، والسبب في ذلك واضح وهو تشابه الاسم مع باقي الأسماء والمرجَّح أن القارية هو اسم آخر للاسم الشائع عند عامة الخليج وهو «قارور» وجمعها قوارير وذلك بحسب رواية وردت في معجم لسان العرب: «وروي عن الكسائي: القارِيَةُ طير خُضْر، وهي التي تُدْعَى القَوارِيرَ».

وهذا يعني أن القارية تطلق على الوروار والقرلى وهذا يتوافق مع غالبية الروايات التي ذكرت في كتب اللغة عن القارية؛ إذ جاء في «المخصص» لابن سيده أن القارية من آفات النحل وهذا يتفق أن القارية هي الوروار، وجاء في «المخصص» أيضاً أن القارية تعيش في جحرة الجرذان وهذا يتفق مع وصف القرلى التي تحفر لنفسها جحوراً كجحور الجرذان تعيش فيها.

اللبس بين القَارِية والقَارِيّة

كان هناك طائران عند العرب الأولين الأول يعرف باسم القَارِية (بالتخفيف) وهو معرب من اليونانية والآخر القَارِيّة (بالتشديد) نسبة للقار بسبب لونها الأسود، وبسبب التشابه بين الاسمين اعتقد البعض أن القَارِيّة بالتشديد تحريف للاسم قارية (بالتخفيف) وهذا ما نلتمسه من قول الدميري في كتابه «حياة الحيوان الكبرى» حيث جاء فيه: «والعامة تقول: قَارِيّة بالتشديد». أما البعض الآخر فاعتقد أن القارية بالتخفيف هي التحريف على ما جاء في «لسان العرب»: «القارِيَةُ طائر من السُّودانِيَّاتِ أَكْثَرُ ما تأْكل العِنَبُ والزيتونُ، وجمعها قَوارِي، سميت قارِيَةً لسَوادها؛ قال أَبو منصور: هذا غَلط، لو كان كما قال سميت قارِيةً لسوادها تشبيهاً بالقارِ لقيل قارِيَّة، بتشديد الياء، كما قالوا عارِيَّةٌ من أَعار يُعير، وهي عند العرب قاريَةٌ، بتخفيف الياء».

أما ابن سيده في «المخصص» فيصف لنا القَارِيّة (بالتشديد) ويفرقه عن القارية الأخرى: «القواري واحدتها قارية وهي الخضيراء التي تدخل جحرة الجرذان ويسمون القارية السوداء الضجرة وهي عرماء والعرم بياض ببطنها والجميع الضجر». فأي طائر هذا المسمى عند العرب القَارِيّة (بالتشديد)؟

القَارِيّة وطباخة القار

بحسب وصف الطائر المسمى القَارِيّة والذي ورد في معجم «لسان العرب» وفي «المخصص» لابن سيدة يتضح أنه طائر يغلب عليه اللون الأسود الشبيه بالقار، أما الجهة البطنية فهي بيضاء ويعرف هذا الطائر عندهم باسم الضجرة والجمع الضجر. الصفات المذكورة هنا تتوافق مع نوع من الطيور تعرفه العامة في الخليج العربي باسم «طباخة أو طباخ الگار أي القار».

طباخة أو طباخ القار Oystercatcher

طباخة القار وفي الكويت يسمى طباخ القار وهو طائر بحري لونه بني مائل إلى السواد رقبته فيها طوق أبيض وبطنه ابيض وأطراف ريشه فيها أقواس بيضاء سيقانه رمادية مائلة إلى البني أيضاً، ويتغذى هذا الطائر بشكل أساسي على المحار أو القواقع ومنه جاء أسمه الإنجليزي وترجمته «آكل المحار». وقد عرف هذا الطائر باسم طباخة القار بسبب لونه القريب الشبه من القار أي الزفت أو سائل القار كأنه تشبيه لهذا الطائر بأحد العمال الذين يقومون بطبخ مادة القار على النار لتسيل قبل استخدامها، ويتوافق وصف هذا الطائر مع وصف الطائر التي كانت تعرفه العرب باسم القَارِيّة والذي أشتق اسمه من القار أيضاً


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/570771.html