العدد: 1333 | الأحد 30 أبريل 2006م الموافق 01 ربيع الثاني 1427هـ

العمليات الانتحارية غدت تقليداً في كابول

انشغال الأميركان في العراق أعاد «طالبان»

بعد وقت قصير على وقوع هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 على أميركا، أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش الحرب على أفغانستان لسببين: أولا لأن هذا البلد الذي شهد لحينه صراعات مسلحة مزمنة، كان يضمن المأوى لمنظمة «القاعدة». ثانياً لأن واشنطن اتخذت قراراً بتغيير نظام «طالبان» لتخلفه حكومة موالية لأميركا تساعدها مستقبلا في إنشاء قواعد عسكرية في منطقة الهندكوش وحصول شركات نفط أميركية على فرصة لتحقيق مشروع مد أنبوب ينقل النفط من جمهوريات كانت سابقا تابعة للاتحاد السوفياتي عبر أفغانستان وهو ما يوصف بالمشروع الباهظ التكاليف، لكن الأهم أنه الأكثر عرضة للدمار بسبب عدم استقرار الوضع الأمني في أفغانستان حتى اليوم.

وتؤكد التقارير العسكرية والإعلامية الواردة حديثاً من أفغانستان هذه الحقيقة وتشير إلى زيادة ملحوظة لعدد الهجمات التي يشنها مقاتلو «طالبان». في منتصف أبريل/نيسان الجاري أوردت وكالات الأنباء من كابول أن ما لا يقل عن خمسين من مقاتلي الطالبان هاجموا مركزاً للشرطة في منطقة ميانا شين التي كانت حتى العام 2001 آخر معقل لـ «طالبان». استمرت المعركة التي استهدفت مركز الشرطة ساعات طويلة في عتمة الليل سقط خلالها خمسة من المهاجمين وشرطي واحد. في اليوم نفسه قصفت طائرات حربية أميركية منطقة الأشقر جاه في محافظة حلماند ما قيل إنه مخيم لـ «طالبان»، إذ قتل ثلاثة من أتباع النظام. وهناك الأنباء التي تتحدث باستمرار عن هجمات تستهدف قوات حفظ السلام الدولية.

مثل هذه الأنباء زاد عددها في المدة الأخيرة. فمنذ أشهر صعد «طالبان» نشاطاته العسكرية ضد الجنود الأجانب وضد قوى الأمن الأفغانية الجديدة. وكانت المناطق الجبلية في ميانا شين، مسرحا لمعركة طاحنة دارت بين القوات الأميركية والأفغانية من جهة وبين «طالبان» من جهة أخرى، أسفرت عن مقتل 170 من المتمردين. وكانت هذه أكبر مواجهة تمت بين الطرفين بعد سقوط النظام.

وأبلغت مديرة فرع المؤسسة الألمانية للتعاون التقني «جي تي زد» في كابول جيزيلا هيفا، صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» أن عدد هجمات الطالبان زاد بصورة ملفتة للنظر في المدة الأخيرة. وأضافت هيفا ملاحظة مهمة حين ذكرت أن العمليات التي ينفذها الطالبان أصبحت تنم عن أن التخطيط لها يتم من قبل مقاتلين محترفين، أسوة بما فعلته منظمات إغاثة دولية أخرى تمتنع المؤسسة الألمانية للتعاون التقني عن إرسال عاملين تابعين لها إلى مناطق بعيدة عن كابول توصف بأنها مناطق خطرة. حتى في كابول التي تخضع لحماية أمنية مركزة من قبل قوات حفظ السلام الدولية «إيساف» ومحافظة قندز التي يوجد فيها قوة عسكرية ألمانية، لا توصف بأنها مناطق آمنة. لكن منذ اختطاف عاملة إيطالية تعمل في منظمة الإغاثة «مْف» في الصيف الماضي لم يتعرض أجنبي آخر للخطف. لكن سرت شائعات تقول إن الطالبان عرضوا مبالغ من المال لمن يقتل جنوداً تابعين للقوات الدولية أو عاملين في منظمات الإغاثة.

توضح الإحصاءات والأرقام الأخيرة وجود عدم استقرار في أفغانستان حتى اليوم. في العام 2005 الذي شهد أسوا أعمال العنف التي وقعت في أفغانستان منذ سقوط نظام «طالبان»، سقط ما يزيد على 1600 قتيل نتيجة مواجهات مسلحة. مئة منهم من الجنود الأميركيين والبقية من الأفغان خمسمئة منهم من عناصر قوى الأمن الأفغانية. يعود ارتفاع عدد القتلى للزيادة المطردة لهجمات الطالبان. في السابق كان «طالبان» يقومون بهجمات مباغتة ويسارعون إلى الفرار عملا باستراتيجية (أضرب واهرب). قبل كل شيء يستهدف «طالبان» الجنود الأميركيين المسلحين جيدا غير أن هجماتهم ضد الأميركيين تكلفهم على الدوام خسائر كبيرة في الأرواح. أما اليوم فإنه يجري استخدام القنابل الآدمية أي الاستشهاديين أو زرع عبوات ناسفة على أطراف الطرق وهاتان الطريقتان متبعتان في العراق ما دفع بعض خبراء الأمن للتكهن إما بتبادل المعلومات بين «طالبان» ومتمردين في العراق أو كما نشر أخيراً في وسائل الإعلام الألمانية احتمال وجود تبادل لخبراء التفجير بين الطالبان وجماعات متمردة في العراق. لكن مصادر في وزارة الدفاع الألمانية قالت إنها ليست لديها معلومات محددة عن صحة هذا الطرح أو احتمال وجود علاقة بين المتمردين في أفغانستان والعراق والاحتمال الأكبر أن المقاتلين الأفغان قاموا بتعلم النموذج الناجح في العراق في مواجهة القوات الأميركية.

وفقاً لمعلومات صحيفة «فرانكفورتر ألجماينه» هناك احتمال استفادة الطالبان من علاقتهم الوثيقة القديمة في البلد الجار باكستان. وكانت المخابرات الباكستانية (ةسة) سابقا تدعم «طالبان». على رغم أن باكستان بلد عضو في ما يسمى الحرب المناهضة للإرهاب وتقف في صف أميركا علاوة على أن الجيش الباكستاني تكبد خسائر بشرية عالية في الأشهر الماضية حين قام بحملات عسكرية تستهدف اعتقال قادة «القاعدة» المزعوم وجودهم في وزيرستان المتاخمة للحدود مع أفغانستان. لكن يعتقد أيضا أنه على رغم ذلك فإن «طالبان» لهم أصدقاء إما في جهاز المخابرات أو في الجيش يوفرون لهم مساعدات لوجستية.

واتهم جنرال أفغاني أخيراً المخابرات الباكستانية بتقديم مساهمة مالية تصل قيمتها إلى عشرة آلاف دولار لعائلات الاستشهاديين. وفي فبراير/ شباط الماضي شاعت أنباء في كابول أفادت أن سلطات الأمن الأفغانية اعتقلت ثلاثة شبان باكستانيين قام «طالبان» بتسريبهم إلى أفغانستان لهدف القيام بعمليات استشهادية وهم جزء من مجموعة مسئولة على الأقل عن مقتل سبعين شخصا بينهم دبلوماسي كندي. وأفادت المصادر الأفغانية أن أحد الشبان اعتقل داخل سيارة مفخخة قبل أن يفجرها. ويقول الأفغان إن العمليات الاستشهادية ليست تقليدا عند الأفغان. لكن هذا بدأ يتغير إذ وفقا لبيانات أعمال العنف التي تمت خلال العام 2005 وقعت 17 عملية انتحارية في أفغانستان وسيكون عددها أكبر بكثير خلال العام الجاري إذ تم تسجيل 28 عملية استشهادية في أفغانستان منذ مطلع العام 2006. وفقا لبيانات الحكومة الألمانية فإن الوضع الأمني متأزم في أنحاء من البلاد لكن ليس في كاملها.

ويعتقد مراقبون هنا أن زيادة عدد الهجمات ضد القوات الدولية له سبب آخر غير «طالبان». إذ كلما تم توسيع مناطق نفوذ القوات الدولية كلما أصبحت أكثر عرضة لهجمات جماعات أفغانية ليست بالضرورة مؤيدة لـ «طالبان»، لكنها تبغض وجود جنود أجانب في أفغانستان


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/585338.html