العدد: 3288 | الأربعاء 07 سبتمبر 2011م الموافق 08 شوال 1432هـ
واقع العنف الرمزي ضد المرأة
في الفصل السابق اقتبسنا مقاطع من عدد من الكتاب الذين بالغوا في تصوير العنف الرمزي ضد المرأة لدرجة أنهم صاغوا نتيجة مفادها أن غالبية الأمثال التي قيلت في المرأة، إن لم تكن جميعها، هي من نسج الرجال والذين أجبروا المرأة، بصورة أو بأخرى، على تقبل تلك الأمثال وإعادة استعمالها وتمريرها للأجيال القادمة. من وجهة نظري أن هذه النظرة مبالغ فيها، لكننا في الوقت نفسه نعترف أن الرجل مارس عنفاً رمزياً ضد المرأة وذلك يبدو جلياً في جعل المرأة تتقبل ما أفرزته ثقافة حب إنجاب الذكور في المجتمع؛ إذ نجد أن التراث الشعبي وثق بصورة واضحة كره عدد من النساء لإنجاب الإناث؛ بل وأخذت النساء تنتقص من المرأة التي تنجب الأنثى معززة لترسيخ تلك الثقافة. إلا أنني أجد العذر لمن بالغ في تصوير ذلك العنف الرمزي وذلك بسبب البيئة أو الثقافة التي عاش فيها الكاتب أو التي درسها أو التي لاحظها فهناك تباين في العنف الرمزي، أو ما ترسب من ذلك العنف وبقي في اللاشعور، من مجتمع لآخر.
العنف الرمزي في أغاني المهد
قليلة هي الدراسات التي درست صورة المرأة من خلال الأمثال أو التراث الشعبي في المجتمع الخليجي، وفي ما يخص البحرين فأكبر قدر من التراث الشعبي الشفاهي النسائي تم جمعه ونشره من قبل الشيخ محمد علي الناصري في كتبه عن تراث شعب البحرين؛ إلا أن الناصري لم يهتم بتحليل تلك الأمثال أو حتى تصنيفها؛ بل إنه جمع قدراً كبيراً مما أسماه "أمثال النساء" و"أقوال النساء الجارية مجرى الأمثال" والعديد من أهازيج المهد "أهازيج تنويم الطفل وتدليله وملاعبته"، وبذلك توجد صور مجتزئة للمرأة في ذلك التراث المجموع؛ إلا أنه بالإمكان الرجوع لما يوازي تلك الأمثال والأهازيج التي تم تحليلها وبإمكاننا أن نستنتج الصورة نفسها، على سبيل المثال يمكننا الرجوع إلى كتاب "اسمهان العلس" المعنون "الموروث الثقافي للمرأة العدنية" (العلم 2010م) والتي حللت أهازيج المهد في عدن والتي يتضح منها أن تلك الأهازيج تحتوي على عدد من الإيحاءات التي تدل على كره المرأة لإنجاب الأنثى والتباهي بإنجاب الذكور: "والمتمعن في أغاني الهندلة (النهد) السابق ذكرها يلمس تصويرها لبعد اجتماعي ملحوظ في كل المجتمعات الشرقية؛ إذ يبدو فيها تفاخر الأم بذريتها من البنين، وهو تفاخر ناتج عن سيادة الثقافة الذكورية، المتضمنة تحديد دور المرأة أو تهميش وضعها في الحياة، وإن كانت قد عرجت هذه المرأة في بعض أغانيها على ذكر البنت؛ إلاّ أنه ذكر طفيف لا يقارن. وقد حملت هذه الأغاني مضموناً تربوياً جرى نشره وتعزيزه بين الأوساط الاجتماعية. وفي تحليلنا لهذه الأغاني نجد أن المرأة في بعضها كانت قد ترجمت دون وعي شعورها بدونيتها الناتجة في حقيقة الأمر عن أساليب التربية المبكرة ومصادر التنشئة الاجتماعية التي انتهجتها الأسرة والمجتمع تجاهها عموماً، وعبرت من خلالها، دون إدراك، عن موقف سلبي من هذا الكائن الأنثوي. وجاءت هذه الأغاني حصيلة لهذه التربية، وإن كانت الصورة الدونية للمرأة العدنية، كما رصدناها في أغانيها، تكاد لا تذكر، مقارنة بما احتوته الأغاني الشعبية لمجتمعات عربية أخرى، والمصورة للمرأة في أوضاع وصور مؤلمة تعزز من تحقير المرأة وتصغيرها. وفي رصدنا لهذه الأغاني شدَّنا ظهور صوت ثان للمرأة، معبِّراً عن قيم جديدة مؤيدة للبنت، ومتفاخرة بنسلها، وإن كان هذا الصوت خافتاً، مقارنة بهيمنة الصوت الأول المتفاخر بنسله من الذكور. ولذلك، يتجلى من دراستنا لهذه الأغاني أن هناك حضوراً نسائياً يبدي عدم قبوله للصوت الأول، ويسعى إلى نقدها، لكن بمفهومه الخاص، ممهداً بذلك لصياغة جديدة للوعي الاجتماعي الذي يجب أن يتقبل الذكر والأنثى على حد سواء".
وكما هو الحال في البحرين وباقي الدول العربية أيضاً في عدن هناك أهازيج التفاخر بإنجاب الإناث؛ إلا أنها اقل من التفاخر بالذكور، ويقتصر ذكر الأنثى في هذه الأهازيج على ذكر واجباتها الاجتماعية، تقول العلس في كتابها: "وعلى رغم البعد الواضح في هذه الأغاني المعبِّرة عن فرحة الأم بنسلها من البنات؛ إلا أنها تظل نوعاً من التفاخر بالدور الأنثوي للمرأة في إطار واجباتها الأسرية، مجسداً الصورة النمطية للنساء، ولا تعكس لنا هذه الأغاني تطلع الأم وفرحتها بذريتها من البنات كعضوات في المجتمع لهن دور اجتماعي واضح، ولم تتطلع المرأة (الأم) من خلاله إلى دور اجتماعي واضح لبناتها. وقد جسدت المرأة بواسطة هذه الأغنية مضامين التنشئة الاجتماعية التي تفرق بين الذكر والأنثى، تلك التنشئة التي تعشعش في أذهان مجتمعنا، مكرسة لدونية المرأة، متطلعة إلى صورة المرأة المنشغلة بالحياة الأسرية فقط".
الصورة التي ذكرتها العلس تتكرر في أهازيج المهد في البحرين وكذلك أهازيج المهد لدول خليجية وعربية أخرى أطلعنا عليها مثل الكويت وقطر والإمارات ومصر والمغرب وغيرها (سبق الحديث عنها في فصل سابق)، وهذه صورة واضحة للعنف الرمزي الذي مورس ضد الأنثى وبقيت أثاره إلى يومنا هذا. وعلى رغم ذلك، لا أتفق مع من يقول، إن هذه الأهازيج من نسج الرجل أو أن جميع أمثال النساء من وضع الرجل.
المرأة ناسجة أمثال ومستهلكة لها
بعكس ما يرى عدد من الكتاب فإنه من الواضح أن العديد من الأمثال النسائية هي من نسج المرأة، بالطبع لا يمكننا إنكار أن الرجل ساهم في نسج تلك الأمثال ولا يمكننا إنكار أن الثقافة الرجولية التي كانت سائدة في المجتمع أثرت في المرأة وأسلوبها في نسج أمثلتها، وهناك عدد من الأسباب التي تؤكد أن المرأة ناسجة أمثال نوجزها هنا:
كثرة أمثال النساء
في كل بلد هناك عدد كبير من الأمثال النسائية قد تصل إلى ألف مثَل أو أكثر و"أنه من غير الممكن أن تستهلك (المرأة) أمثالاً بكثرة دون أن تكون منتجة لها، ودون أن تؤثر صيغ الأمثال في أسلوب حديثها بما يجعلها تنسج بدورها أمثالاً شعبية تتداولها، ولو في نطاق المجتمع النسائي كمرحلة أولى لنشوء تلك الأمثال" (بل العافية 2008، ص37).
وجود أمثال ذات خصوصية
تميز أمثال بخصوصيتها؛ إذ تصور أموراً دقيقة يتم تداولها بصورة أساسية بين النساء حيث تكون النساء هن العالمات بتفاصيلها الدقيقة وخصوصاً تلك الأمثلة التي تصور مواقف من ليلة الحناء أو الجلوة أو غيرها من مواقف ليالي الزواج، كالمثل الشعبي الذي ذكره الناصري "عمية تخضب مجنونة"، وهو مثل يدل على الفوضى فكيف تتمكن امرأة عمياء من تخضيب امرأة مجنونة كثيرة الحركة وهذا المثل شبيه بالمثل الذي استشهدت به بل العافية "الماشطة عمشا والعروس فيها الرعشة".
هذه الأمثال نتجت بسبب الصراعات ضمن النوعية بين النساء الناتجة عن غرائز المرأة من مثل الحسد والأنانية والغيرة كونها إنساناً كالرجل لها حسناتها ولها سيئاتها أيضاً، فكما ينتقد الرجال رجالاً آخرين تنتقد المرأة امرأة أخرى مستعيرة بذلك مشاهداتها الخاصة لأوضاع نسائية معينة ذات خصوصية نسائية "فحين تتحدث المرأة عن العروس التي لا تتوقف عن الحركة وعن المزينة العمشاء، فإنها تعتقد أنها تمارس عنفاً على الأخريات وليس مباشرة على ذاتها. وفي ظل التراتبية المجتمعية التي لاحظناها في العلاقات التي تؤطر النساء داخل المجتمع، وأيضاً الصراعات التي تحرك الكثير من السلوكيات والأفعال تصبح المرأة بدورها ممارسة لعنف ضد الأخرى وذلك بحسب المرتبة التي توجد فيها في ظرفية معينة ويصبح منطق استئثار الأقوى بالإنتاج مقبولاً إلى درجة ما، وليس بشكل كلي" (بل العافية 2008، ص 37 - 38).
عنف المرأة ضد المرأة
المطلع على التراث الشعبي النسائي يلاحظ وجود صور للمرأة الظالمة التي قد تمثلها زوجة الأب (مرت الأبو) أو زوجة الابن أو الحماة، وهناك عدد من القصص والأمثال التي تروي مدى قساوة المرأة التي ربما تستغل الرجل لتستقوي بظلمه ضد امرأة أخرى، وتلتمس بل العافية العذر لتلك النساء: "المرأة إنسان خاضع للسلطة ومقهور، بحسب التعبير النفسي؛ ما يدفعنا إلى القول، إن الإنسان المقهور لا يتفانى فقط في اجترار الصورة المسيئة له، وإنما يساهم بقدر وفير في رسم صور جديدة تدعم سابقاتها، إن لم يكن بهدف القسوة على نفسه، فعلى الأقل بهدف القسوة على من هم في مستواه الاجتماعي أو أقل منه وهن هنا النسوة" (بل العافية 2008، ص38).
يتضح لنا من كل ما سبق، أن المرأة ساهمت بصورة مباشرة في نسج جزء كبير من تلك الأمثال والتي صاغتها المرأة معبرة بها عن واقع تعيشه واقع تؤثر فيه ثقافة ذكورية وبذلك يكون "الفكر الذي يوجه النساء في ما ساهمن به من أمثال شعبية، سواء منها تلك التي قد تكون حاملة لأحكام قيمة سلبية أو إيجابية أو غيرها، قد لا يكون بالضرورة نابعاً من قناعاتهن ورؤيتهن الخاصة، بقدر ما قد يشكل انصهاراً لعدد من المفاهيم والأفكار والتصورات التي اكتسبنها مع الوقت في ظل هيمنة ذكورية على جل مظاهر الإبداع الفكري" (بل العافية 2008، ص39).
ومهما كانت الأسباب التي أدّت إلى هذا السلوك عند المرأة؛ يبقى تصنيف هذا السلوك على أنه ظلم، والمرأة التي تمارس مثل هذا السلوك لا يمكن وصفها إلا بالظالمة
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/593615.html