العدد: 3309 | الأربعاء 28 سبتمبر 2011م الموافق 29 شوال 1432هـ

الأسطورة والخرافة: بين الترجمة والتطوُّر الدلالي

يعتبر هذا الفصل بداية لسلسلة جديدة نسلط فيها الضوء على الأساطير والخرافات عند العامة في البحرين والخليج العربي، وسنركز بصورة أساسية على نشأتها وطرق وأسباب توظيفها، وأول نقطة يجب توضيحها هي كيفية تمييز أو تحديد الأساطير من بين المعتقدات والحكايات والطقوس الشعبية الأخرى، وفي سبيل ذلك يجب تحديد العلامة المميزة للأساطير عموماً، ولكي نكون أكثر دقة في دراستنا يجب أن نحدّد المصطلح العلمي الأجنبي للأسطورة، فعندما نحاول ترجمة أسطورة للغة الإنجليزية سنجد لها أكثر من كلمة مقابلة لها، وكذلك الحال لكلمة خرافة، وعليه يتوجب علينا أن نوضح المصطلحات باللغة الإنجليزية وكيفية التفريق بينها وبعدها نرجّح أي المصطلحات أفضل لمعنى الأسطورة ومعنى الخرافة، فهناك ثلاثة مصطلحات إنجليزية تتداخل فيما بينها ويصعب أحياناً التفريق بينها وهي: Myth, Legend and Folktale، ويدل المصطلح الأول (Myth) على قصة أو معتقد أو طقس تعتقد جماعة بأنه حقيقة وتراه جماعة أخرى أنه مجرد أكذوبة، أما Legend فهي قصة مبالغ فيها إلا أن شخصيات القصة أو بعض أحداثها حقيقية، أما Folktale فهي قصة لا يوجد بها شيء من الحقيقة ولا يعتقد أحد بصحتها. وقد حدث خلاف على ترجمة المصطلحات الإنجليزية لما يقابلها بالعربية وذلك بسبب التطور الدلالي لتلك المصطلحات الأجنبية بحيث تغير مفهومها وعليه تغيرت ترجمتها لمصطلح عربي آخر.

وردت كلمة أساطير (جمع أسطورة) تسع مرات في القرآن الكريم في تسع سور مختلفة وفي جميع المواضع وردت بصورة «أساطير الأولين»، ويلاحظ أنها وردت في سور مكية وفي سياق جدل واحتجاج بين النبي (ص) وكفار قريش لأنهم اعتبروا تلك الأخبار الواردة في القرآن الكريم مجرد أوهام وأباطيل وأكاذيب. لاحظ استخدام مصطلح أساطير جاء ليعبّر عن أخبار تعتقد جماعة بحقيقتها بل وتؤمن بها إلا أن الجماعة الأخرى (المشركين) يعتبرونها أكاذيب، «وهكذا يقترن بالأسطورة معنيان اثنان يتناقضان ظاهراً لأنهما يعبّران عن وجهتي نظر اثنتين من زاويتين مختلفتين: فالأساطير في نظر أصحابها عين الحقيقة، أما في نظر سواهم فلا تؤخذ مأخذ الجد؛ بل هي عين الوهم والباطل والمحال» (عجينة 1994، ج1: ص 63). وعليه فإن أفضل ما يقابلها باللغة الإنجليزية هي Myth.

الخُرافةُ لغة كما جاء في «لسان العرب» «الحديثُ الـمُسْتَمْلَحُ من الكذِبِ»؛ أي أن الخرافة عبارة عن قصص لا توجد فيها حقيقة ولا يؤمن بصحتها أحد حتى من يقوم بروايتها؛ أي أنها مقابلة للمصطلح الإنجليزي Folktail، حتى أن العامة في البحرين تسمي القصة الشعبية خِرّافة (بالتشديد) والجمع خَراريف وكذلك في دولة الإمارات العربية تسمّى القصة الشعبية خروفة والجمع خراريف. وهناك علاقة نشوئية بين الخرافة والأسطورة، فقد تتحوّل الأسطورة إلى خرافة في حال كف الفريق الذي يؤمن بأسطورة ما عن الإيمان بها فتتحول إلى خرافة؛ إذ لا يوجد أحد يؤمن بها. هذا التحول قد يتبعه تحول في استخدام المصطلحات الدلالية، مثلاً جميع الأساطير اليونانية التي كان هناك من يعتقد بصحتها يوماً ما أصبحت الآن خرافات لأن لا أحد يؤمن بصحتها، وهناك من يرى أن مصطلح أساطير يونانية يجب أن يغير فيقال «الخرافات الروائية اليونانية».

يترجم المصطلح الإنجليزي superstition في عدد من المعاجم بمصطلح «خرافة» وهذا خطأ، فهذا المصطلح الأخير يعرف على أنه اعتقاد في وجود سببية فوق طبيعية أو لا فيزيائية بحيث يؤدي حدث معين إلى حدوث حدث آخر مع عدم وجود علاقة فيزيائية، بمعنى أنه لا يوجد سبب عقلي أو منطقي مبني على العلم والمعرفة لتحديد سبب حدوث الفعل كالاعتقاد بأن الملح يمنع الحسد، فهو اعتقاد لأن هناك من يؤمن بصحته ولكن، في الوقت نفسه، تعتبره جماعة أخرى أنه لا عقلاني، وعادة ما يترجم المصطلح superstition إلى «معتقد لا عقلاني» أو «معتقد خرافي».

القصة العجيبة أو القصة البطولية هو مصطلح استخدم لترجمة المصطلح الإنجليزي Legend ويعرّف محمد عجينة في كتابه «موسوعة أساطير العرب» القصة العجيبة أو القصة البطولية على أنها قصة تتسم «ببعض ما تتسم به الخرافة من إغراق في الخيال ببعدها عن الواقع؛ إلا أن لها أصلاً في الحقيقة الموضوعية ضخم وبولغ فيه وعمل فيه الخيال البشري الخلاق عمله غير انه خالٍ من طابع الجد والقداسة الذي تتسم به الأسطورة، فإن هي فقدته تطورت على مر الزمان بحسب بعضهم واستحالت وكف أصحابها عن الإيمان بها والاعتقاد في صحتها فإذا هي مجرد قصص دنيوية وغير مقدسة محددة تحديداً زمنياً ومكانياً» (عجينة 1994، ج1: ص 65).

إلا أنه في الغالب يتم ترجمة Legend بمصطلح أسطورة وخاصة أن كلا المصطلحين Myth و Legend يدلان على قصة فيها شيء من الحقيقة وأحياناً تكون Legend قصة لكن ما عاد أحد يؤمن بحقيقة أي جزء منها وبذلك تصبح مجرد خرافة، وهذا يعني أن هذه المصطلحات الثلاثة قد تصل إلى درجة عدم التفريق بينها، وهذه حقيقة يؤكدها عجينه في كتابه: «ومهما تكن الفروق بين هذه الأشكال (أي الخرافة والأسطورة والقصة البطولية) فإن الفواصل بينها ليست واضحة تماماً ولأنها تتفاعل فيما بينها وتتداخل من بعض الأوجه؛ فضلاً عن اختلاف المصطلحات وتحديد «الأجناس الأدبية المختلفة» من لغة إلى أخرى ومن ثقافة إلى أخرى» (عجينة 1994، ج1: ص 66).

عند الحديث عن قصة ما، هذه القصة قد تكون أسطورة عند جماعة معينة لأن هناك من يؤمن بحقيقتها، ولكن مع التطور الثقافي قد تتحول إلى خرافة لا يؤمن بحقيقتها أحد، يلاحظ هنا أنه حدث تغيير في تصنيف القصة ولكن لم يحدث تغيير للمصطلح، إلا أن هناك من يرى أن المصطلح أيضاً يجب أن يتغير لأن كل الأساطير تحولت إلى خرافات، وبقي فقط عدد من القصص البطولية وهي التي يجب أن تسمى أساطير، هذه الرؤيا ذكرها كل من محمد الجوهري وحسن الشامي في ترجمتهما لكتاب «قاموس مصطلحات الإثنولوجيا والفولكلور» حيث ترجما مصطلح Myth بالخرافات الروائية في كل المعجم وفي هامش صفحة 42 عللا هذه الترجمة كالآتي:

«تشير كلمة myth في الإنجليزية إلى ما لا يمكن تصديقه أو إلى ما هو خيالي وغير واقعي إلى أبعد الحدود. وتضفي الكلمة على ما تصفه أو تشير إليه معاني الافتراء وعدم الجدارة بالتصديق؛ إلا أن هذا المفهوم. لم يكن هو المعنى المقصود عند الإغريق الذين صكوا المصطلح. ففي بداية الأمر كانت الكلمة اليونانية mythos تعني «الشيء المنطوق» أو الشيء «المعبر عنه شفوياً»؛ أي الحديث أو الرواية ... ولقد أخذ هذا المجال الفسيح يضيق بالتدريج إلى أن تحدد معنى الكلمة بدلالتها على رواية متعلقة بالآلهة أو أشباه الآلهة. ولما كانت الأقاصيص عن أولئك الخالدين الأبديين تزخر بالخوارق والمعجزات - التي كان يؤمن بها أصحابها - مما تعجز العقلية الحديثة عن قبوله أو تفسيره فلقد اكتسبت الكلمة معناها الشائع الآن. فكلمة myth تعني في وقتنا هذا «خرافة» قصصية أو روائية... وربما استعملت الكلمة لتشير إلى ما هو خرافي فقط من المعتقدات دون أن يكون لها الشكل القصصي كالقول مثلاً بأن الاعتقاد بالسيادة والتفوق الطبيعي لجنس من الأجناس خرافة. وغالباً ما يستعمل مصطلح خرافة myth للإشارة إلى معتقدات الجماعات الأخرى التي لا يشاركها مستعمل الكلمة معتقداتها. «فالخرافات» الإغريقية أو المصرية القديمة - مثلا- كانت تمثل أديان هاتين الجماعتين. ولم ير بعض المفكرين والكتاب إلا الجانب القصصي منها ... ومن ناحية أخرى فإن كلمة Legend (في الألمانية Sage) تصف وقائع تاريخية متفردة أو غير عادية يعتقد بصحتها وجوازها وإن لم يكن إثباتها تاريخياً؛ وهو ما يطلق عليه عبد المعين خان المصطلح العام «قصة» (انظر: الأساطير العربية قبل الإسلام، ص13) ... ويقابل مصطلح Legend في الإنجليزية كلمة «أسطورة» في العربية ... وهي مستعملة في القرآن للدلالة على وقائع «الأولين»، مثل أخبار سد مأرب ويوسف وإخوته وما إلى ذلك مما هو ممكن تاريخياً ويتميز بأقل قدر ممكن من الخوارق والمستحيلات. فالأسطورة في العربية أيضاً تشير إلى شيء ممكن تاريخياً وإن كان مستبعداً. في حين أن الخرافة - أو الخرافة الروائية - تشير إلى شيء مستحيل وإن اعتقد البعض بصحته وجواز حدوثه. ويمثل هذا التمييز وجهة نظر العلوم الإنثربولوجية والاجتماعية» (هولتكرانس 1999، هامش ص 42)


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/597995.html