العدد: 1458 | السبت 02 سبتمبر 2006م الموافق 08 شعبان 1427هـ

في خطوة جديدة لكشف جانب من الحياة خلال الحقبة النازية

كتاب ألماني يسخر من هتلر

جلبت الحقبة النازية الويلات على الشعب الألماني. ومازال الألمان حتى اليوم يدفعون الثمن غالياً. فقد انتهت هذه الحقبة بنتائج مدمرة للألمان فقضت على ملايين الأشخاص وشردت الملايين ودمرت البنية التحتية، كما من النتائج البارزة كان تقسيم ألمانيا إلى دولتين واحدة محسوبة على الغرب وأخرى على المعسكر الاشتراكي واستمر الانقسام 40 سنة انتهى في نهاية العام 1989 بسقوط جدار برلين وحصول الألمان على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا، الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية للمضي في الوحدة. بعد أكثر من 60 سنة على نهاية الحرب العالمية الثانية صدر كتاب في ألمانيا يتناول لأول مرة مجموعة من الطرائف عن هتلر وكبار القادة النازيين وهكذا يحطم الألمان أحد المحرمات الجديدة في تعاملهم مع تاريخهم. قبل أشهر عاد المرء في برلين إلى الوراء حين استعدت ثلة من الحرس الهتلري أمام درجات مبنى الرايخ الذي هو اليوم مقر البرلمان الألماني ووقف ممثل كوميدي أمام منبر يلقي خطبة. كان ذلك في إطار تصوير فيلم ألماني يسخر من الحقبة النازية ومن الزعيم النازي أدولف هتلر.

من يقرأ الكتاب الذي أعده رودولف هيرتزوغ وهو مؤلف ومخرج أفلام وكاتب سيناريو، فإنه لا يعود إلى الوراء فحسب، بل يضحك كثيراً على هتلر ورموز الحقبة النازية، لكن مجرد نقل هذه الطرائف كان يكلف الناس حياتهم في ذلك الوقت. تقول إحدى الطرائف التي يطالعها المرء في كتاب «عاش هتلر، هذا الخنزير مات»: كان هتلر يزور مستشفى المجانين. تعلم المرضى مسبقاً كيف يحيون هتلر حين يمر عليهم، لكن حين مر هتلر للسلام عليهم رفعوا أياديهم بالتحية التقليدية «هايل هتلر»، إلا رجل في آخر الصف. نظر إليه مدير المراسم المرافق لهتلر بغضب وسخط به وقال: لماذا لم ترفع يدك لتحية القائد؟ أجاب الرجل: لست مجنوناً يا سيدي فأنا أعمل هنا ممرض.

جاء في الكتاب أن هذه الطرفة انتشرت في ألمانيا خلال السنوات الأولى لحكم هتلر، لكن في قبل نهاية الحرب كان ذكر طرائف تسخر من هتلر يكلف البعض دفع حياتهم ثمنا. أحد العمال في برلين ذكر اسم ماريانه أليزي التي حكم عليها بالموت رميا بالرصاص في العام 1944 لمجرد أنها نقلت هذه الطرفة: وقف هتلر مع أقرب مستشاريه العسكريين، جورينغ على سطح برج راديو برلين. قال هتلر: أريد أن أفعل شيئاً لأجعل سكان برلين يفرحون. على الفور جاء اقتراح جورينغ بأن يقفز هتلر من المكان.

يقول مؤلف الكتاب هيرتزوغ إن الهدف ليس إثارة الضحك بقدر ما المقصود منه الكشف عن جانب من جوانب الحياة خلال الحقبة النازية ومن خلال جمع الطرائف والنكات يرى أنه توصل إلى جانب من الحياة في ظل النازية ويقدم صورة أخرى غير التي ظهرت عن هتلر والشعب الألماني حتى اليوم عبر الأفلام الوثائقية والكتب. قال هيرتزوغ: تعبر الطرائف عن الأوضاع، وهي تضحك البعض وتغضب البعض الآخر. وتكشف أن فئات من الشعب الألماني لم يكونوا يؤيدون هتلر. غير أن الجدية التي عرف بها الألمان ومازالت من خصائص هذا الشعب حتى اليوم، كانت مناسبة جدا للنظام النازي الذي عرف بأنه لا يعرف المرح وهكذا نشأ جيل ما بعد الحرب في ألمانيا جدياً لا يعرف المرح على النقيض من البريطانيين.

يرى المؤلف أن سرد الطرائف يشير إلى أن الكثير من الألمان كان يتملكهم الغضب لأن الذين كانوا يوصفون بالقطط النازية السمينة كانوا يحصلون على وظائف عالية في الحكومة وفي الشركات لكنهم لم يحتجوا بل سردوا الطرائف والنكات فقط وهو الجانب الجبان للمعارضة.

تقول إحدى الطرائف: قام مسئول نازي كبير بزيارة أحد المصانع وسأل مدير المصنع ما إذا كان بين العمال من ينتمون إلى الحزب الاشتراكي أحد أشد خصوم النازية. أجاب مدير المصنع: نعم إنهم يشكلون 80 في المئة. وسأل المسئول النازي ما إذا كان بين العمال أيضا من ينتمي إلى حزب العمال الكاثوليكي، وأجاب مدير المصنع: نعم وهم يشكلون 20 في المئة. ولما سأل المسئول النازي بغضب: أليس بين العمال من ينتمون إلى الحزب النازي فأجابه مدير المصنع: بلى سيدي، فجميعنا الآن نازيون.

كما كانت الأوسمة والنياشين على صدور ضباط هتلر مدعاة للسخرية وتناولتها إحدى الطرائف عن جورينغ وتقول: حصل جورينغ على أوسمة ونياشين كثيرة حتى وجد صعوبة في إظهارها كلها على صدره إلى أن خطرت على باله فكرة. فقد ظهر في إحدى المناسبات وهو يضع مجموعة كبيرة من الأوسمة والنياشين على صدره تنتهي بسهم إلى الوراء. ولما سألته إحدى السيدات عن سبب هذا السهم أجابها جورينغ: معنى ذلك يا سيدتي أن بقية الأوسمة والنياشين أحملها على ظهري!

يتعرض الكتاب أيضا لطرائف عن اليهود الألمان: يتم الاستعداد لإعدام يهوديين رمياً بالرصاص. فجأة يصدر أمر بالشنق بدلاً من الرمي بالرصاص فيقول يهودي للآخر: أرأيت، لقد نفذت ذخيرتهم. يقول مؤلف الكتاب إنه حصل على هذه الطرفة التي انتشرت بين اليهود وكأن مبتدع الطرفة كان يقول: إنني أضحك، إذاً أنا على قيد الحياة.

قام مؤلف الكتاب بمراجعة الكثير من الكتب والوثائق التي تتعلق بالحياة في الحقبة النازية وأجرى حوارات مع عشرين شخصاً من الذين عايشوا تلك الحقبة ويأتي في الكتاب إلى نتيجة غير مريحة وهي أن الألمان كانوا يعرفون في مرحلة مبكرة أن النظام النازي دموي وأن هدف النظام كان نشر الإيديولوجية النازية وجعل الألمان أسرى لهذا النظام، لكن الكتاب يعطي أيضا فكرة بأن الحملات الإعلامية التي قام بها وزير الدعاية جوزف غوبلز لم تقنع جميع الألمان بل منهم من قاوم هذه الدعاية لكن هذا لم يكن كافيا لقيام معارضة مؤثرة في الداخل. توضح الطرفة التالية أن الألمان عرفوا مبكراً في العام 1933 بعد وقت قصير على تسلم النازيين السلطة أن النظام النازي سيعاقب خصوم هتلر: التقى رجلان فقال أحدهما للآخر: أنا سعيد لأراك حراً طليقاً كيف كانت الحياة داخل معسكر (داخاو)؟ أجاب الآخر: ممتازة، الإفطار في السرير، يمكنك الاختيار بين القهوة أو الشوكولاته الساخنة. بالنسبة إلى الغداء كنا نحصل على الحساء واللحم والحلوى، كما كنا نلعب بعد الظهر قبل الحصول على القهوة والكعك. ثم بعد قيلولة قصيرة كنا نشاهد الأفلام في المساء. كتاب هيرتزوغ (عاش هتلر... هذا الخنزير مات) آخر عمل أدبي لمحاولة تعامل الألمان مع تاريخ بلدهم ويجري هذا في وقت يموت فيه جيل تلك الحقبة ويعمل الجيل الجديد في التعامل بصورة مختلفة عن الذي سبقه حيال العهد الهتلري. فمؤلف الكتاب يبلغ 33 سنة من العمر ونتيجة ما يفعله الجيل الجديد كسر ما كان يعرف بالمحرمات. في العام 2004 عرض في ألمانيا فيلم (الأفول) من إخراج ألماني وأبرز آخر عشرين يوماً من نهاية هتلر قبل أن يأمر أحد الجنود بإطلاق النار عليه، بعد أن أطلق هتلر رصاصة الرحمة على عشيقته إيفا براون، وأن يجري حرقهما بكمية كبيرة من الوقود حتى لا يبقى منهما أثر حين يصل جنود الجيش الأحمر إلى مخبأ هتلر في برلين. وأظهر الفيلم أيضاً الوجه الإنساني لهتلر وكان هذا غريباً على الألمان. في مطلع العام الجاري عادت برلين إلى الوراء وتم إحياء العهد النازي خلال تصوير أول فيلم ألماني ساخر عن هتلر. وقال هيرتزوغ: مع مضي الوقت لا تتغير الأجيال فحسب بل يكشف كم كان نظام هتلر ساذجاً وعلينا أن نعرف شيئاً أن هذا النظام كان دموياً.

بعد هزيمة ألمانيا النازية في صيف العام 1945 تم نزع سلاح الألمان وتسريح جيشه لكن الألمان ظلوا يتعاملون بجدية مع النظام الهتلري. بعض الألمان وجدوا في طريقة التحية الهتلرية برفع اليد طريقة سخيفة. مدير سيرك في مدينة بادربورن أبلغ عضواً في الحزب الاشتراكي الألماني أنه درب مجموعة من القردة على رفع أيديهم عند سماع اسم هتلر كلما شاهدوه يرتدي زيّاً عسكرياً لكن مدير السيرك تلقى بعد ذلك إنذاراً بوقف هذا العرض تحت طائلة تهديده بدفع غرامة عالية وذبح قردته. طرفة أخرى عن فتاة في العهد النازي قالت لصديقتها: والدي في قوات العاصفة وشقيقي الكبير في الجستابو وشقيقي الصغير في شباب هتلر ووالدتي في منظمة النساء النازيات وأنا في مجموعة فتيات النازية، فقاطعتها صديقتها بالسؤال: وهل تلتقون؟ أجابت الأولى: نعم، مرة في العام حين ينعقد مؤتمر الحزب النازي في مدينة نورنبيرغ


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/648558.html