العدد: 1504 | الأربعاء 18 أكتوبر 2006م الموافق 25 رمضان 1427هـ
مديرالتحرير بصحيفة « لوموند دبلوماتيك» آلان غريش في مركز الشيخ إبراهيم، وبالتنسيق مع السفارة الفرنسية:
لا أفهم الدعوة إلى الديمقراطية بشرط ألا تكون فيها «حماس»
برزت في الأوساط الثقافية، والعامة في أوروبا وخصوصا فرنسا، حال من الحساسية بشأن وجود المسلمين في الغرب، ومنها ما يحدث في فرنسا، وهو ما نراه لدى القضاء الفرنسي من رأي الفيلسوف روجيه غارودي بشأن محرقة اليهود «الهولوكوست»، وكذلك ما نشأ أخيرا بشأن قضية منع الحجاب في المدارس والجامعات الفرنسية، وهو قرار أتاح النظر في تطبيقه رئيس الجمهورية الفرنسية جاك شيراك.
العلمانية الفرنسية تعتقد أن انتشار الحجاب يشكل ظاهرة تشوه هوية الجمهورية الفرنسية، ومبادئها العلمانية، وذلك بسبب عدم اندماج المسلمين المهاجرين في المجتمع الفرنسي، فهؤلاء المهاجرون لم تزل لهم صلة بتاريخهم وثقافتهم الدينية، ولذلك ذهب رئيس لجنة العلمنة الفرنسية إلى القول ان المسلمين لا يريدون لفرنسا أن تبقى كما هي.
فحاولت العلمنة الفرنسية علمنة الإسلام، لجعله يتماشى مع المقتضى العصري في تصور العلمانيين الفرنسيين، وهذا ما ورد على لسان وزير الداخلية الفرنسي السابق جان بيير شيفينمان، حين قال: «الحرية والمسئولية والمساواة كانت (إبداعات مسيحية) (تعلمنت) فيما بعد... وعلى الدرب نفسه سيسير المسلمون بشكل جماعي. وكما نشرت هذه القيم بشكل واسع في خمسينات القرن العشرين من لدن القساوسة والرهبان والحركات المسيحية، لن يكون بالإمكان إشاعة هذه القيم إلا من لدن الذين يتحدثون باسم الإسلام»، وهذه الآراء وردت في صحيفة «ليموند» الفرنسية، وقد تكون بذلك الأصولية العلمانية مقابل الأصولية الإسلامية، وهو بذلك أيضاً امتداد لمفهوم «صراع الحضارات».
أمام هذا التصادم أو الصراع والذي من أمثلته قانون حضر الحجاب، هل يعد رفض مثل هذا القانون تدخلاً في الشأن الفرنسي الداخلي؟ في حين أن فرنسا رفضت الكثير من القوانين التي تتبع في الدول الإسلامية، إما بصفتها تتعارض مع حرية الرأي، أو تنتهك حقوق الإنسان، وهل يعد هذا الرفض «تظاهرة سلمية ثقافية تدخل في مفهوم حوار الحضارات»، كما يذهب لذلك السيد فضل الله؟ هل يجب على المسلمين الفرنسيين الانسلاخ من هويتهم الإسلامية وإن على المستوى الفكري، لتعتبرهم العلمانية الفرنسة مندمجين؟ هل منع هذه الظواهر منع لرموز دينية وهو ما يراه النظام الفرنسي، أم مصادرة للحرية في دولة قامت على هذه الأسس؟ هل سنشهد مقاصل جديدة لتحقيق العلمنة؟ وهل الحماسة التي أبداها الرئيس شيراك والتي رفعت شعبيته إلى 49 في المئة، من خلال منع الحجاب يعد لعبة سياسية مؤقتة؟ هل هو تأكيد على نوعية العلمنة الفرنسية في مقابل العلمنة البريطانية والاميركية؟ وهو ما نشهده فعلياً من تنافس على أكثر من صعيد.
من هنا تأتي أهمية المحاضرة التي ألقاها الدكتور ألان غريش « Alain Gresh»، تحت عنوان «العلمنة الفرنسية في مواجهة الإسلام»، بمركز الشيخ إبراهيم، بالتنسيق مع السفارة الفرنسية، وأدار هذه الندوة حسن مدن، الآن صحافي متخصص في شئون الشرق الأدنى، ولد في القاهرة العام 1948، ثم انتقل في شبابه إلى باريس، حاصل على درجة الماجستير في الرياضيات من جامعة باريس في العام 1971، كما حصل على دبلوم في اللغة العربية من المعهد الوطني لقصر اللغات والحضارة الشرقية في عام 1977، وحصل بعدها على درجة الدكتوراه على دراسته عن منظمة التحرير الفلسطينية وذلك العام 1983.
عضو في مجلس إدارة معهد العالم العربي، ونقيب الصحافيين الفرنسيين المتخصصين في المغرب العربي وفي الشرق الأوسط، له الكثير من الكتابات، وعمل سابقاً مديرا لتحرير صحيفة « لوموند دبلوماتيك» الفرنسية، والذي شغل فيها منصب محرر لأكثر من عشرين عاما.
له مؤلفات عدة نشرت منها: «مائة مفتاح للشرق الأدنى»، بالتعاون مع Dominique Vidal عن دار نشر «Atelier» من العام 1989 حتى 2006، أو كتاب الإسلام، الجمهورية والعالم «العام 2004 عن دار نشر «Fayard» .
دخل «غريش» حديثا بإشكالية بشأن العنوان، معتبرا أن العنوان وهو «العلمنة الفرنسية في مواجهة الإسلام» ليس هو العنوان الذي يذهب إليه بالفرنسية، ثم استرسل في مفهوم العلمانية، معتبرا أن خللا ما دخل على هذا المصطلح، فالبعض اعتبره سلاحا وآلة ضده، والبعض الآخر اعتبره كفرا، وكلاهما خاطئ، وبسبب الحادي عشر من سبتمبر/ايلول فإن الحساسية الموجودة خلقت فكرة فحواها أن الإسلام في حال حرب مع الغرب، وهذا التصور موجود في المجتمعات الأوروبية، وهو كذلك موجود في المجتمعات العربية، ما ضاعف من حالة رفض العلمانية، علماً أن العلمانية هي مجموعة من القوانين تحكم علاقة الدولة بالكنائس والدين.
وقبل الشروع في قضية مشكلات المسلمين في فرنسا والعلمانية، يجب أن نبحث تاريخياً في مصطلح العلمانية الفرنسي، وبذلك يجب الرجوع إلى القرن الثامن والتاسع عشر، حين أعلن انفصال الدولة عن الكنيسة، علماً بأن الكاثوليكية تشكل 95 من المجتمع الفرنسي، و عملت ضد الديمقراطية، ما أوجد حرباً فعلية بين الدولة والكنيسة، ومن نتائج هذا الصراع أن تسلمت الدولة المدارس التعليمية، ووضعت لها منهج مشترك، كما لم يسمح لرجال الدين بالتدريس في هذه المدارس، فأصبح في المجتمع الفرنسي مدارس دينية ومدارس الدولة.
كما أشار «غريش» أنه لا يوجد فرق كبير بين مدارس الدولة والمدارس الدينية، مبررا ذلك لفقد الدينية منها التحرك الإيديولوجي مع مطلع القرن التاسع عشر، ففي سنة 1905م أبان الثورة الفرنسية تم إقرار فصل الكنيسة عن الدولة، وأهم ما جاء في هذا القرار مادتان أساسيتان، الأولى أن الجمهورية الفرنسية تؤمن بحرية الضمير وحرية الدين، والمادة الثانية أن الجمهورية لا تعترف بالكنائس، ولا تقوم بتمويلها أيضاً، فمن هنا نفهم أن هناك أكثر من علمنة، فالعلمنة البلجيكية تصرف رواتب لرجال الدين، سواء المسيح أو اليهود أو المسلمين، وهذا القانون الفرنسي، في منع تمويل الكنائس كفل العدالة وعدم الانحياز لكنيسة على حساب أخرى، وعدم تمويل أو دفع رواتب رجال الدين، يعطي رجال الكنائس الحرية في تنظيم أنفسهم من دون تدخل الدولة.
لكن بعد الحرب العالمية الثانية، ومع هجرة العمال من المغرب وافريقيا، والذي أصدر على أساسه بعد ذلك قرار بوقف الهجرة سنة 75، أوجد مشكلات أخرى في المجمع الفرنسي، فأكثر هؤلاء العمال مسلمون، وأكثرهم أيضا ينحدر من الطبقة الفقيرة في مجتمعه، ولكن بعد قرار 75 بوقف الهجرة، أصبح التعامل مع هؤلاء بصفتهم واقعا، أي أن الدين الإسلامي موجود على أرض الواقع في فرنسا، فقبل 75 لم يتضمن الحديث العام الكلام عن المهاجرين بوصفهم مسلمين أو غير ذلك، وكان ينظر إليهم على أنهم عمّال مهاجرون فقط، وعاضد ذلك قيام الثورة الإيرانية، ووجود جيل جديد فرنسي مسلم، يتكلم الفرنسية وثقافته فرنسية، لكنه مسلم وله ارتباط بجذوره وثقافته، مما دفع ببعض المشاكل إلى الظهور، وهذه المشكلات يمكن أن نضعها في ثلاث نقاط، الأولى مشكلة اجتماعية، والثانية اقتصادية، أما الثالثة فهي عنصرية، لكن غريش استطرد هنا قائلاً، ان موقف الدولة الفرنسية وجل المجتمع ليس لديه نظرة عنصرية، ويمكن أن نستدل على ذلك عن طريق موقف فرنسا خلال حرب الخليج، أو الحرب على لبنان.
فيجب على الغرب والشرق أن يدرك أن الصراع ليس دينيا، ولا يمكن النظر إلى الغرب بوصفه وحدة، أو الشرق بوصفه كذلك، فهناك أكثر من غرب، كما أنَّ هناك أكثر من شرق، فإذا أردنا الدخول إلى حوار فأعتقد أن الأطراف ستكون تيارات متعددة من الطرفين، ومن هنا يأتي رفض صراع الحضارات، كما أشير هنا الى أن العلمانية نتيجة صراع داخلي، قد تستخدم بعض الأحيان بصورة سيئة.
واختتم غريش حديثه عن التعددية، موضحاً أن التعددية في مجتمعاتنا أمر صحي، فلو كان المجتمع على صورة واحدة فإن ذلك مدعاة للخوف، فنحن نحاول دعم التعددية على كونها سمة جيدة، فحين أرفض مقالا يسيء للنبي محمد في فرنسا، لكونه يخلق مناخا معاديا، أدعو لحرية التعبير أيضاً، على أن يكون صاحب الرأي واعيا لحجم المسئولية.
تخللت المحاضرة بعض الأسئلة عن محاضرة الدكتور، ومنها سؤال : هل أصبح الإسلام الشبح البديل عن الشيوعية في غياب الحرب الباردة بين الغرب والشيوعية؟ وإلا كيف يحسب خمسة عشر فردا في قضية 11 سبتمبر على كامل المسلمين؟ لكن غريتش تناول الأسئلة بخطوط عامة، وقال في نهاية حديثة معلقاً على كون العلمانية وسياسة الدولة الفرنسية تخضع للنقد أيضاً، ومن ذلك موقفها من حماس، فهي تدعو إلى الديمقراطية بشرط ألا تكون فيها حماس! وهذا موقف مرفوض كما ذكر غريش
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/681758.html