العدد: 3709 | الخميس 01 نوفمبر 2012م الموافق 16 ذي الحجة 1433هـ
إدمان خطير على حبوب الترامادول المسكنة في غزة
يتناولونها على أنها ترياق لضغوط المهنة. لكن انتشار مسكّن الترامادول في قطاع غزة يتعلق بسهولة توافره أكثر من فعاليته كمادة تسبب عدم الإحساس بالواقع المرير.
فغزة، التي تعاني من الحصار الإسرائيلي منذ مطلع العام 2006، لا تعرف إلا القليل من وسائل الاسترخاء، وحتى بعض أكثر الناس تعليماً وتحملاً للمصاعب في القطاع وجدوا في «الترامادول» راحة من واقع الصدمات النفسية والفقر واستمرار الضغط النفسي.
و»الترامادول» هو دواء مسكّن يوصف في كثير من الأحيان للآلام. لكن هذا الدواء غير الضار يتوافر أيضاً بشكل آخر... يمكن أن يكون مميتاً... وهو النوع غير الشرعي الذي يباع في السوق السوداء.
يقول أبو يوسف (34 عاماً) وهو ممرض بخبرة أكثر من عشر سنوات، «في كل أسبوع، تأتينا ثلاث أو أربع حالات لجرعات زائدة من الترامادول، ومعظمهم من الشباب. وعادة ما تفوح من المريض رائحة العرق، وفي حالة هذيان، ويتقيأ باستمرار، وبآلام في البطن، بل ويمكن أن يهلوس... ففي هذا الدواء مورفين، لذلك له آثار جانبية كثيرة.»
وعلى رغم أنه لم يدمنه قط، إلا أنه هو نفسه تناول الترامادول كوصفة طبية بعد خروجه من سنوات في السجون الإسرائيلية. ويقول «كنت أتناول ترامادول لآلام البطن بعد إطلاق سراحي. لكنني توقفت، والآن أتناول أدوية تخفيف الألم».
لكن الغالبية العظمى من المستخدمين في هذه الأيام لا يتناولون هذا الدواء على أساس وصفة طبيب، فبعض الناس يشعرون بأن الترامادول يجعلهم أقوياء ويمنحهم القوة... وحتى بعض الممرضين يتناولونه بين الحين والآخر، لأنهم يعملون لفترات طويلة... أما عمال الأنفاق، فهم أكثر عرضة لأخذه بانتظام... لكن بالنسبة إليهم يأخذونه لأنه يحافظ على قدرتهم على التحمل، وليس سعياً إلى الإحساس بالخدر، بحسب أبو يوسف.
أما المتخصص في الإدمان حسام الخطيب، يعمل على مساعدة المدمنين على الإقلاع، فيقول إنه يرى مجموعة متنوعة من الخلفيات وأسباب تناول الدواء.
ويشرح أن معظمهم يريدون نسيان مشاكلهم، و»الترامادول» يساعدهم على تحقيق ذلك بشكل مؤقت. ويضيف أن «هناك ارتفاعاً في معدلات البطالة بين الشباب والكبار في غزة... وفي السنوات الست الماضية، تزايدت أعداد الناس الذين يستخدمون «الترامادول»، بما في ذلك خريجي الجامعات الذين مرت عليهم سنة أو سنوات بعد تخرجهم دون الحصول على العمل.»
وعلى رغم قوله أنه سجلت زيادة كبيرة في استخدام هذا الدواء بعد صدمة الحرب الإسرائيلية على غزة 2008-2009، فإنه يشير إلى الإغلاق التام لقطاع غزة كسبب رئيسي لارتفاع مستويات استخدام هذا الدواء، «فالحصار هو الذي تسبب في كل المشاكل: البطالة المرتفعة، واليأس، والإجهاد، والقلق، والاكتئاب. حتى بعض الشباب من عمر 15 عاماً وأكبر قليلاً يتناولونه لأن حياتهم صعبة للغاية».
وتباع حبوب «الترامادول» بأسعار رخيصة في شوارع غزة، لذلك كان من الأسهل لشباب غزة الإدمان عليها مقارنة بغيرها من المخدرات الأكثر كلفة، وغير المتاحة بسهولة.
ويشرح الخطيب أن المخدرات والماريغوانا كانت موجودة في غزة منذ فترة طويلة قبل العام 2006، وفرض الحصار الذي تقوده اسرائيل على قطاع غزة. «إلا أن الناس كانوا لا يستخدمون الترامادول والمخدرات كآلية هروب، وليس مثل الآن. فهذه نتيجة حقيقة للحصار».
وقال الخطيب إن الأسباب هي أعمق من مجرد البطالة والإحباط... فالوضع في غزة أصبح يسبب تغييراً في المجتمع الفلسطيني، مما يؤدي إلى المزيد من المشاكل داخل الأسرة... وعلى سبيل المثال، الابن العاطل عن العمل الذي يعمل شقيقه الأصغر، يشعر بالخجل لعدم قدرته على المساهمة في موازنة الأسرة أو على توفير حياة كريمة لزوجته وأطفاله.
ويشير إلى أن الشباب في سن الزواج الذين لا يستطيعون تحمل كلفة حفل زفاف والحياة الزوجية... وهم أيضاً معرضون بشكل متزايد لخطر إدمان «الترامادول» أو غيره، وذلك لما يمنحه من راحة مؤقتة مما يشعرون به من العار والبؤس.
وأضاف أنه في حين يقول بعض المستخدمين إنها مجرد مسألة عارضة، إلا أن ما يقرب من 20 في المئة من المستخدمين يصبحون (مزمنين) أي «مدمنين».
ويقول كل من الخطيب وأبو يوسف إن الغالبية العظمى من الأدوية تدخل من مصر عن طريق الأنفاق، وهي شرايين الحياة لغزة التي جلبت الأغذية والثروة الحيوانية والاحتياجات الخاصة بالزراعة وصيد الأسماك، وكل شيء حظرته إسرائيل تقريباً في ظل إغلاق حدود غزة لسنوات طويلة.
وأضاف أبو يوسف أنه نظرا إلى انتشار الفقر في مصر، ينتج العديد من المصريين «الترامادول» في المنزل للبيع. وبعضهم يمزج المورفين مع سم الفئران.. فالسم مثير لأنه يحفز الدماغ لإنتاج مادة السيروتونين، وكذلك «الترامادول»... السم في حد ذاته لا يسبب الإدمان، ولكن يمكنه أن يقتل إذا كانت الجرعات عالية أو الاستخدام متكرراً.«
وبدوره يقول الخطيب، كما هو الحال مع معظم أنواع الإدمان، فالمفارقة في استخدام «الترامادول» ليست هي كونه لا يحل المشاكل الجذرية التي يتناوله الناس من أجلها، لكنه يفاقم تلك المشاكل.
ويضيف، التأثيرات المهمة لهذا الدواء هي الاكتئاب، والقلق، والأرق، وفقدان الأمل، والندم على تناوله. أما بالنسبة للمدمنين المزمنين، فقد يكون هناك فقدان في التنسيق، بالإضافة للمشاكل الجنسية وحتى العقم«.
ويؤكد، على أهمية تقديم المشورة لمستخدمي «الترامادول» بعد إقلاعهم عن تناوله... «نحن نحاول أن نجعلهم يشعرون بالأهمية والأمل، وتشجيعهم على الاختلاط، بدلا من أن يظلوا مبتعدين عن أصدقائهم ومجتمعهم».
ونظراً لكون البطالة واحدة من الضغوط الأولية الرئيسية، تحاول عيادة الخطيب مساعدة المدمنين السابقين على العثور على عمل، «وتشجيعهم على التحلي بالصبر في البحث عن عمل، وليس للتخلي عن أو الاستسلام لليأس».
وكما يقول: «لا تختلف الأسباب الجذرية للمشاكل، ولكن كما هو الحال مع العديد من المشاكل الحالية في غزة، فالحل واضح بشكل مؤلم: إذا فتحت الحدود ورفع الحصار، ستتوافر العمالة مرة أخرى، ولن يشعر الناس باليأس، ولن يشعروا بالحاجة إلى تناول عقاقير مثل الترامادول».
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/712836.html