العدد: 3843 | الجمعة 15 مارس 2013م الموافق 03 جمادى الأولى 1434هـ
حاجتنا إلى السلم الأهلي
الكاتب: محمد حميد السلمان - comments@alwasatnews.com
أليست حكاية مؤثرة جداً، تلك التي يُروى فيها أنّ النبي (ص) قد أخُبر بُعيد معركة أحد بوجود عشرة جرحى من المسلمين، فأمر النبي (ص) أحدهم أن يسقيهم قليلاً من الماء، فجاء الشخص المكلف بذلك لأولهم ليسقيه وقد كان أقرب ما يكون إلى حالة الاحتضار، فقال للساقي: إنّ أحد الجرحى أحوج مني إلى الماء، فلما ذهب إلى الجريح الثاني أشار إلى جريح ثالث.
وهكذا كان كل جريح يأمر حامل الماء أن يسقي الذي يليه، ولما وصل إلى آخرهم وجده قد استُشهد، واندهش حامل الماء لِما رأي حينما عاد لمن قبله فرآه قد استُشهد هو الآخر، وهكذا كان كلما مرّ على السابق لزميله يراه قد فاضت روحه، فعاد وأخبر النبي (ص) فتأثر بذلك الرسول الكريم أيما تأثر، فنزل فيهم قول الله تعالى: «وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ» (الحشر: 9).
فأين نحن اليوم في بحريننا من هذا الإيثار بدل الاستئثار باللقمة والماء والجاه والمناصب؟ ورسولنا الكريم قال أول ما قال: «إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق»، وعمل منذ البداية على تغيير المجتمع من الداخل ليستطيع مواجهة الخارج، فحوّله من كيان متقاتل ضد بعضه البعض يدين بالغدر والأنانية والجهل، وحب الاستئثار لنفسه بكل ثروات البيئة التي يعيش فيها؛ إلى كيان متكامل متجانس يهدف إلى السّلام وحب الآخرين, وإيثار الآخرين على نفسه كما في الرواية.
ألا نقول ونكرر ليل نهار من على منابر مساجدنا وفضائياتنا: «ولكم في رسول الله أسوة حسنة»؟ ألا نقرأ في كتب التاريخ أن الوضع الذي جاءه الرسول (ص) في الجزيرة العربية كان عنوانه دثار العرب سيفهم، والخوف شعارهم، والغدر أوّل أخلاقهم، والغارة الليلية شجاعتهم، والأمية تُظلم نهارهم، وكانوا يقولون: نعم الصهر القبر، حيث كانوا يكرهون لبناتهم وبعض بنيهم البقاء؟ فكيف واجه الرسول (ص) هذا الوضع؟ أليس بتعليم الناس أولاً السّلام وحب الآخرين بعنوان جديد هو الإيثار وشطب الاستئثار من قاموس العرب لأنه يورث الأمراض الجسام على المجتمع.
وكما لكم في الرسول أسوة حسنة، كذلك لكم في بقية الأنبياء وهم يحملون رسالات السماء للبشرية. لقد حرّم الأنبياء (ع) على الناس ممارسة الظلم، وأمروهم بعدم التطفيف بالمكيال، وعدم الاعتداء على الغير. أليست هذه التعاليم وغيرها قد علّمت البشرية وأنزلتهم من على الأشجار، وأخرجتهم من الكهوف إلى الأراضي المنبسطة ليزرعوا ويصطادوا ويصنعوا، ومن ثمّ نمت البشرية، فكان الدين هو السبب للتطور الحضاري وليس العكس.
فأين نحن اليوم، سواء كنا على طاولة حوار، أو في الشارع، أو في تجمعات سياسية أو اجتماعية من هذه المفاهيم الرسالية الراقية في التعامل مع الآخر، وهو أخي العربي المسلم الذي يشاركني الوطن بسمائه وبحره وترابه؟ لماذا لا نحاور أنفسنا أولاً قبل أن نحاور الآخر ونحلل ما قدمت وما أخرت في دنياها؟ ماذا جنيت مما مضى لتجني مما هو قادم؟ ألا نحتاج أيها البحرينيون لجلسة صراحة داخلية بشفافية فائقة الجودة، خارج هيئة ضمان الجودة، لنغوص في تلك الأنفس الشح التي لم تتربَ على الإيثار وحب الآخرين والتسامح معهم.
جلسة البحث عن الجودة الداخلية وتطبيق معاييرها على الأنفس التي أفسدت نفسها بنفسها طوال السنين الماضية بمزيد من الحقد الدفين، ففاض هذا الفساد على جنبات أعضائها من عيون ولسان وشفتين وكفين. فما رُسخ طوال سنين خارج محاسبة النفس وجودتها، وبعيداً عن الأسوة بالرسول الكريم وبقية الأنبياء والرسل؛ زرع في شرايين القلب وأعصاب المخ بقعاً سوداء أفرزت ما حدث منذ فبراير/ شباط 2011 حتى اليوم. ومع ذلك، هل سنعود للأسوة النبوية من جديد ولسبب نزول رسالات السماء بمعاني السلام والسلم الأهلي، ولنمسح ما علق في فكرنا من عشق العيون المصمدة وأجسادها تدور حول الساقية، لنحيا حياة حرة كريمة يكون الإيثار عنواناً لها.
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/747004.html