العدد: 3846 | الإثنين 18 مارس 2013م الموافق 06 جمادى الأولى 1434هـ

وداعاً للأقنعة

الكاتب: محمد حميد السلمان - comments@alwasatnews.com

رجل يحصل بالمصادفة على قناع، يأخذه إلى البيت وبعد محاورات مع نفسه ليضعه أو لا يضعه على وجهه، لأنه كان خائفاً من المجهول. يضعه في نهاية الأمر وهنا يبدأ عمل هذا القناع. هل تذكرون قصة هذا الفيلم الكوميدي الذي أنتج عام 1994 بعنوان (The Mask)، وقد ترشّح حينها لأوسكار المؤثرات البصرية وهو من بطولة جيم كاري. ذاك الفيلم الذي يحكي قصة رجل فاشل في حياته وفقير وغير واثق من نفسه، لذلك لم يقم علاقة مع أي إنسان، ثم يصادف قناعاً يغيّر له حياته فيجعله شخصاً غريباً بلون أخضر له قدرات جسدية وعقلية خارقة.

وقناعنا المقصود هنا هو ما عرفته الشعوب منذ القدم كشكل يميز الإنسان عن الحيوان، كما كانت له علاقة بالأساطير الدينية عند الأقوام البدائية. في حين استخدمه اليونان والرومان في المسرح القديم كما يستخدمه مسرح «النو» الياباني. فقد كان القناع يحمل الصوت ويوصله عن بُعد للمشاهدين ومع ذلك لم يكن ليفقد المشاهدين إلا القليل من تعبيرات وجه الممثل حيث لم يكن الجمهور في أغلبيته على مسافة تسمح له أن يميز بوضوح تأثير الانفعالات على وجوه الممثلين لكي يستمتع بها كما هو اليوم.

وبما أن القناع أداة في يد الفرد، فهو إذاً كيان ذو وجود خاص باستطاعة من يمتلكه أن يتخذ منه أشكالاً عدة تخفي مشاعره وانفعالات وجهه الحقيقية.

فهناك قناعٌ ياباني بوجهه الشاحب ووجنتيه البارزتين يوحي بضيق الشخصية العميق، يمثل الرجل الميت الذي يعاني من عذابات الجحيم بسبب انتهاكاته الماضية في الدنيا. وفي ألاسكا تمثل الأقنعة أرواحاً خطرة أو حيوانات متحولة تستخدم كمعين للعراف الذي يدير لعبة الأقنعة بكاملها. كما في البرازيل هناك قبائل تصنع أقنعة هائلة الحجم من الألياف تستطيع إخفاء كامل الجسم وتوحي بقدرة هذه القبائل على ضبط العالم وتحويله كيفما تريد.

إلا أن أقنعة اليوم تتميز بقدرة هائلة أعظم من تلك التي تمارسها الشعوب البدائية أو التي ميزت المسارح الأوروبية، وخصوصاً الأقنعة البحرينية التي تصنعها وتتداولها فئة خاصة من الناس، بالمناسبة، ليس لهم علاقة بجماعة الكتلة السوداء الشبابية (البلاك بلوك) في مصر. فلدى الفئة الخاصة أقنعة الشباب الخبثاء، وأقنعة المنافقين المرموقين الذين يظهرون على القناع خلاف ما يبطنون خلفه فيلبسونه لسنوات طويلة وهم حولك ولا تكتشف أن ما على وجوههم ما هو إلا قناع وليس حقيقة.

كما أن هناك من هؤلاء الناس من لا يستطيع الفكاك من فتنة القناع الساحرة بأشكاله المتعددة، فيبقى يمارسها لسنوات وأنت تعتقد بصدق تعامله معك وصدق أحاسيسه ومشاعره، فتصدم في لحظات كشف الغمة بأن صديقك المواطن ما هو إلا قناع يعيش معك لسنوات بل ويأكل ويشرب من وعائك نفسه. فهو كان يلبس قناعاً عجيباً وذا صناعة فائقة المهارة حقاً لدرجة أنك لم تستطع أن تميز بينها وبين وجه الإنسان الأصيل.

إلى هؤلاء الذين استمرأوا عادة لبس الأقنعة أمامنا نقول لهم، انتهى العرض وأغلق الستار فلا حاجة للبس مزيد من أقنعة الإيهام والاستغفال، ولا حاجة لأن تحاور أخاك في الوطن وأنت تلبس مما لاتزال تعتقد بأنه قناع سيخفي توجهاتك الفكرية أو مشاعرك القلبية. فمن أساسيات إنجاح الحوار مع الأشقاء أن يؤمن هؤلاء بأن الأقنعة لم تعد تفيد في أي نفاق أو مراوغة أو لعب على الحبلين، فلا حبال اليوم إلا حبال الصدق والأمانة والإخلاص، ولا قناع اليوم ينفع إلا وجه الحقيقة الدامغة التي تقول انهم خسروا حفل الأقنعة ويجب الاعتراف بكذب الأقنعة وسذاجتها طوال تلك السنوات، لأن الاعتراف بذلك فضيلة وليس نقيصة، وستحسب في ميزان أُعد لحسناتهم التي لابد من فتح صفحتها بلون أبيض لتكتب فيها من جديد ويعتذر عن قصة تلك الأقنعة التي شوهت الوجوه وعن لبسها طويلاً. ورسم ابتسامة البحريني الأصيل على وجوه كل الناس تقدمة للفجر الجميل الآتي لا محالة. فودّعوا الأقنعة كما ودّع قناعه ذاك الرجل الفاشل في حياته بأن رماه في قاع البحر في نهاية الفيلم، فهل هؤلاء فاعلون؟


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/753543.html