العدد: 3913 | الجمعة 24 مايو 2013م الموافق 14 رجب 1434هـ
قرار مكافحة الرفسنجانية
الكاتب: محمد عبدالله محمد - Mohd.Abdulla@alwasatnews.com
رَفَضَ مجلس صيانة الدستور طَلَبَ ترشُّح آية الله هاشمي رفسنجاني للانتخابات الرئاسية الحادية عشر. أقصَى تفسير لذلك «الرفض» قدَّمه المجلس جاء على لسان المتحدث باسمه وأحد أعضائه عباس كدخدائي. الرجل قال: «لا يُؤيد مجلس صيانة الدستور الشخص الذي تَدرَّجَ بالمناصب والخبرة، بينما لا يَقوَى جسمانياً على أداءِ عملهِ كرئيس للجمهورية».
بعض المُخرِّجين لهكذا قرارات، قالوا أن الرفض جاء لتشريع رفض طلب اسنفديار رحيم مشائي من الترشُّح، والدليل، أن حجة الإسلام الشيخ حسن روحاني (وهو ظل هاشمي رفسنجاني) أجِيْزَ ترشّحه. قد يكون هذا الأمر صحيحاً، لكن السؤال الأهم هو لماذا لم يحصل العكس. بمعنى لماذا لم يُرفض طلب روحاني في سبيل أن يُرفض مشائي (إن كان الموضوع يحتاج إلى مجرد كبش فداء)؟ لكن ذلك لم يحصل، ما يعني أن الموضوع أكبر من هذه التخريجة البريئة بكثير.
القرار كان صادماً للمسطرة الحزبية الإيرانية، إلاَّ أنه لم يأخذ أبعاداً أكبر لثلاثة أسباب، الأول: أن التيارات السياسية في إيران، احتفظت بمرشَّحِين مُجازِيْن لها، فحَظِيَ الإصلاحيون بـ محمد رضا عارف، وبمرشَّحَيْن قريبيْن منهما (أو مقبولَيْن لديهم) وهما الشيخ حسن روحاني والجنرال محسن رضائي، وحَظِيَ المحافظون بالجنرال محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي وعلي أكبر ولايتي. وبالتالي، باتت القِسمة لديهم مقبولة، والخيارات متعددة أيضاً.
الأمر الثاني أن رفسنجاني، لم يعترض ولم يحتج، وصرَّح بأنه لن يطعن في قرار رفض طلبه (بعكس أحمدي نجاد الذي رأى في قرار إزاحة مشائي ظلماً، متوعداً بمتابعة الأمر مع المرشد حتى اللحظة الأخيرة). وعندما يربأ صاحب الشأن عن اتخاذ موقف ما، فإن قيام الآخرين بتبني ما كان قد نأى بنفسه عنه يصبح لأغراض سياسية مكشوفة، ومزايدات لتصفية حسابات داخلية فقط.
الأمر الثالث، أن القرار جاء في سياق مختلف تماماً عن الصراعات الحزبية في الداخل الإيراني. وهو يأتي ضمن صراع أفكار ومواقع داخل تركيبة الحكم والسلطة نفسها. فرفض ترشُّح رفسنجاني، يعني أن النظام يرفض أربعين بالمئة من جسمه في أدنى الحالات. وهو رفض يسير باتجاه مزدوج، يقوم على الرفض، وفي الوقت نفسه على الإزاحة المتدرجة للرفسنجانيَّة من بُنية السلطة الإيرانية. هذا الأمر باتَ واضحاً، يستره تماسك الرجل عن إطلاق صرخة ألم في العَلَن.
في العام 2005، هُزِمَ هاشمي رفسنجاني في انتخابات الرئاسة الثامنة أمام محمود أحمدي نجاد، بفارق سبعة ملايين صوت. ورغم أن الفرز الاجتماعي وحِراك الطبقة الوسطى، وفَوَرَان الأحزمة الريفية، كان له دور بارز في هزيمة الرجل، إلاَّ أن ذلك كان فرصةً أيضاً لتشريع إقصائه من السلطة على يد المؤسسات النافذة في السلطة وفضائها كالدينية والاقتصادية والعسكرية/ الأمنية.
بعد ضربة انتخابات العام 2005، توالت عمليات القضم للرفسنجانية داخل السلطة. ففي الانتخابات التاسعة، والتي وَقَفَ فيها الرجل مسانداً لمير حسين موسوي، بدا أن الشِّقاق بات أكثر جلاءً بينه وبين أطراف عِدَّة في السلطة، وبالتحديد مع رئيس مجلس صيانة الدستور أحمد جنتي، ومصباح يزدي أحد أبرز مُنَظِّرِي التيار المحافظ في إيران. وبعد الانتخابات جُيِّرَ مئتا ألف متظاهر في طهران، وهم يهتفون في شوارع العاصمة: الموت لهاشمي (رفسنجاني).
كان ذلك تصريحاً علنياً من السلطة السياسية النافذة على أنها فعلياً قد اتخذت قراراً ما بحق رفسنجاني، فيما يتعلق بموقعه في السلطة. بعدها، بدأ القَضم يطال بيته، حيث اعتقِلَت ابنته فائزة، ثم ابنه مهدي، واستجوِب ابنه الآخر ياسر. بعد ذلك ابتعد الرجل (أو أُبعِد) من رئاسة مجلس الخبراء، وهو أعلى هيئة رقابية على المرشد في إيران، ثم أُبعِدَ عن إمامة صلاة الجمعة في طهران، وحلَّ محله حجة الإسلام كاظم صديقي.
كل هذه الضربات المتوالية لم تدفع الرجل إلى إعلان الحرب على النظام الذي ينتمي إليه، بل التزم الصمت في كل هذه المحطات. وكان قادراً على فعل ذلك، كونه الأرشيف الفعلي للثورة، والمواكِب لأكثر مراحلها حَرَجاً، سواء في مرحلة الصراع الدموي في بداية تشكُّل الحكومات الثورية، أو خلال الحرب مع العراق، ثم مرحلة البناء والتعمير من نهاية التسعينيات وحتى العام 2005، خصوصاً أن إيران شَهِدَت تمرُّد عدد من قادة الثورة كمنتظري وخرم آبادي وآذري قمِّي.
الحقيقة، أن مشكلة رفسنجاني هو أنه بمقاس مختلف عن أي شخص في السلطة الإيرانية دون المرشد. هو لم يلتحق بالنظام توَّاً، بل هو أحد مؤسسيه وأحد مُشَكِّلِي إرهاصاته. كما أن موقعه التنفيذي لم ينقطع ولا للحظة واحدة عن السلطة، بل هو منتظِم ومستمر بشكل تصاعدي. كل هذه الأمور، جعلت من الرجل بمقاس أكبر من الأحزاب، وأكبر من المناصب حتى، الأمر الذي جعله شريكاً في السلطة وذا خطاب نَظَارَة فيها وليس كأحد أضلاعها فقط.
هذا الأمر جعل منه في موقع المزاحمة، بالرغم من أن الظروف هي التي خَلَقَت حَيِّزه في السلطة. ورغم أن هذه المزاحمة غير مُرحَّب بها عند قطاع مهم من أصحاب النفوذ، إلاَّ أن الإشكال الأهم هو ما شكَّلته تلك الظروف للرجل منذ أزيد من ثلاثة عقود من علاقات عمودية وأفقية داخل السلطة ومؤسساتها، الأمر الذي جعله بهذه المكانة، وهنا تكمن الخطورة الحقيقية لأي صِدَام محتمل ما بين الرجل والنظام الذي ينتمي إليه، كونه صِدَاماً متشعباً وفي عظام الرقبة.
قبل أيام وجَّهت الإبنة الكبرى للإمام الخميني زهراء مصطفوي رسالةً إلى المرشد الأعلى قالت فيها بأن إقصاء مجلس صيانة الدستور لرفسنجاني «لا يعني سوى إحداث هُوَّة بين رفيقَيْن للإمام، وتجاهل الرغبة الجامحة للمواطنين إزاء النظام والانتخابات». مضيفةً بأن «الابتعاد التدريجي بينكما (آية الله خامنئي ورفسنجاني) سيشكّل أضخم صفعةٍ تُوجَّه للثورة والنظام، لأن الإمام كان يؤكّد دائماً على ضرورة أن تكونا معاً».
هذا الجو المعقّد في المواقف والآراء هو الذي يسود في إيران هذه الأيام. وباعتقادي، أن الانتخابات قد تمرُّ بدون أن يكون لقرار إزاحة رفسنجاني مفاعيل مباشرة، لكن المستقبل القريب سيشهد انعكاسات واضحة نتيجة لذلك القرار، خصوصاً إذا خسِرَ حسن روحاني أو محسن رضائي أو محمد رضا عارف الانتخابات.
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/775220.html