العدد: 2464 | الجمعة 05 يونيو 2009م الموافق 11 جمادى الآخرة 1430هـ

«المراجعات»... كيف تؤثر على «الجهاديين» في العالم؟

أثار نشر «وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم» للدكتور سيد إمام الشريف جدلا واسعا بشأن مدى تأثيرها على الحال الجهادية في العالم، وبصفة خاصة تنظيم «القاعدة»، الذي يعتبر الأكثر أهمية بداخلها.

والحقيقة أن تلمس تلك التأثيرات المتوقعة يستلزم أولا تحديد طبيعة الحدث، الذي نسعى للتعرف على تأثيراته، فهو ليس مجرد الوثيقة المهمة، التي ألفها الرجل، الذي كان أميرا لجماعة الجهاد المصرية، والمنظّر الرئيسي لفكر العنف بها، بل هو أيضا موافقة وانضمام الآلاف من قيادات وأعضاء هذه الجماعة - عدا أفراد قلائل - ليس للوثيقة وحدها بل لمجمل عملية المراجعة لما كانوا عليه من قبل، فكرا وممارسة.

بهذا المعنى فإن طرح المراجعات الفكرية والشرعية من هذا العدد من قادة ورموز الجهاد المصري والمشارك بعضهم لفترات مختلفة في حال القاعدة قبل تحولها لتنظيم وفيه بعد تشكله، وفي مقدمتهم الدكتور الشريف، الذي يعد - ومن دون أي مبالغة - المنظّر الوحيد للجماعة المصرية، والأبرز للحال الجهادية الدولية منذ سنوات تشكلها الأولى في أفغانستان - يمثل الطرح بلا أدنى شك ضربة موجعة يصعب الزعم بعدم وجود تداعيات ونتائج لها بداخل تلك الحال وفي مقدمتها «القاعدة».

فهذه المراجعات ووثيقة الترشيد تمثل التحدي الأكبر والأول من نوعه، الذي تواجهه الحال الجهادية العالمية، وعلى رأسها تنظيم «القاعدة» من داخلها، فلم يسبق أن خرج من صفوفها أحد من قادتها أو رموزها المعتبرين مجاهرا بخلاف شرعي جذري مع رؤيتها وحركتها بالصورة التي تبدو عليها اليوم تلك المراجعات وهذه الوثيقة.

نعم حدث أن اختلف بعض من هؤلاء مع بعض من الجماعات الجهادية بما فيها «القاعدة» أو مع بعض قادتها، ولكنهم لم يفعلوا سوى أن تركوها، ولم يغادروا المعسكر الجهادي ولا أفكاره ورؤاه الأساسية.

وليس صحيحا زعم البعض هنا بأن تأثيرات كتابي فضل الأولين «العمدة في إعداد العدة» و»الجامع في طلب العلم الشريف» قد تراجعت بداخل الجهاديين الدوليين وأعضاء «القاعدة» فهي لاتزال في مقدمة قوائم كتب الجهاد التي تنصح بها الجماعات الجهادية المختلفة أعضاءها بقراءتها.

كما أن هناك من التسجيلات الصوتية على الإنترنت ما يؤكد أن الأخيرة لاتزال حتى شهور خلت تدرس الكتاب الأول لهؤلاء الأعضاء باعتباره بحسب شارحه في إحداها - «كتابا كبير الفائدة في مجال الجهاد».

وما يؤكد خطأ ذلك الزعم أيضا هو أن أحدا من قيادات «القاعدة» وفي مقدمتهم بن لادن والظواهري، لم يشغل مكانة الدكتور فضل بداخلها في مجال التنظير الشرعي لأفكارها وحركتها، وأنه من غير المعروف عن أيهما أنه يحوز تلك الملكة، والجل الأعظم من إنتاجهما المكتوب لا يرقي إلى مرتبة الفكر أو التنظير، بل يدور أكثر حول الجوانب العملية والسياسية والتحريضية.

كذلك فإن بعضا من يعتبرون اليوم منظري الحالة الجهادية الدولية كانوا - كما تذكر مواقع الإنترنت الجهادية في سيرهم الذاتية - من التلاميذ المباشرين للدكتور الشريف في أفغانستان، مثل أبو مصعب السوري، الذي يعد واحدا من أبرزهم.

إذن، الحد الأدنى الذي يقبله المنطق فيما يخص تأثيرات المراجعات والوثيقة هو أنه ستثير ارتباكا غير مسبوق في صفوف تلك الحالة الجهادية الدولية، وفي مقدمتها تنظيم «القاعدة» وهو ارتباك يمكن أن يتطور إلى آماد أبعد ليخلق حال من الاختلاف الحقيقي.

والتعرف بصورة أدق على تطور الحال الحالية من الارتباك يتطلب التمييز بين المستويات المختلفة للحالة الجهادية الدولية.

ففي قلب هذه الحالة يبدو تنظيم القاعدة الأصلي «القديم» بقيادة بن لادن والظواهري هو مركزها، بما يضخه لها من أفكار عامة ونماذج حركية وتنظيمية من دون وجود صلات مباشرة بينها وبينه.

ويبدو المستوى الثاني ممثلا في التنظيمات والجماعات الجهادية السلفية الجديدة الكبيرة والمتوسطة، الدائرة في فلك «القاعدة»، والتي باتت تمثل اليوم التهديد الحقيقي لكثير من المجتمعات والدول، والتي تمثل القاعدة الأصلية بالنسبة لها مصدر الإلهام والتقليد واستعارة المسميات والمصطلحات وتقديم الولاء والبيعة ولو عن مسافات بعيدة.

وهناك المستوى الثالث الذي يمثله الأفراد وبعض الخلايا والمجموعات الصغيرة الذين ينضمون للحال الجهادية تأثرا بالأوضاع السياسية العامة في العالم الإسلامي وفي بلدانها، وهم لا يملكون من الخبرة ما يمكنهم من أن يكونوا مصدرا حقيقيا للتهديد، ويسعى معظمهم إلى الذهاب لمناطق «الجهاد» الحقيقي للقتال فيها، مثل العراق وأفغانستان، إذ ينضمون للجماعات الموجودة هناك.

وعلى مستوى الأفكار والنماذج الجهادية، يبدو واضحا اليوم أن هناك تعددا لمصادرها ومرجعياتها، من مؤلفين تراثيين وآخرين معاصرين متوفين إلى معاصرين أحياء، تمثل كتاباتهم ورؤاهم الإطار الفكري للحال السلفية الجهادية الحالية على مستوى العالم.

ويبدو واضحا أيضا في ظل ذلك أن تنظيم «القاعدة» الأصلي يعتمد أكثر في رؤيته النظرية على المؤلفين التراثيين والمعاصرين المتوفين، وعدد قليل من المعاصرين الأحياء، في حين يزداد اعتماد التنظيمات والجماعات الجديدة على كتابات تلك الفئة الأخيرة أكثر من الفئتين الأوليين.

من هنا فإن الأكثر ترجيحا أن يكون التأثير المباشر لوثيقة ترشيد العمل الجهادي أكبر على القاعدة الأصلية منه على المجموعات والتنظيمات والجماعات الجهادية الجديدة، نظرا إلى معرفة الأولى أكثر بمؤلفات سيد إمام الشريف وتأثرها الواضح بها من الثانية التي يزداد تأثرها بأفكار منظرين آخرين من الجهاديين المعاصرين الأحياء.

ومع ذلك فمن المتوقع أن يمتد أثر المراجعات المصرية والوثيقة الجديدة إلى كل من القاعدة القديمة والمجموعات والتنظيمات والجماعات الجديدة في الأمد القصير، نتيجة للوزن الثقيل عالميا للقيادات والرموز الجهادية السابقة التي تقودها، بما يؤدي لحال ارتباك واسعة في صفوفها جميعا.

أما الأفراد والمجموعات الصغيرة الأقل خطرا وحركية، فسيظل تأثرهم أقل بتلك المراجعات إلا من انضم منهم للقاعدة الأصلية أو الجماعات الجديدة فسيلحق بهم ما لحق بأعضائها من تأثيرات.

وهنا يبرز دفع مهم يسوقه بعض القائلين إن المراجعات والوثيقة لن يحدثا أثرا يذكر في الحال الجهادية الدولية و»القاعدة»، وهو أن انتشار الأفكار والنماذج السلفية الجهادية على مستوى العالم خلال السنوات الست الأخيرة إنما كان نتيجة مباشرة لأوضاع واقعية يعيشها العالم، وخاصة البلدان المسلمة بسبب السياسات الأميركية والغربية العدوانية، وهي أوضاع غير مرشحة للاختفاء، ومن ثم فلن يتراجع انتشار تلك الأفكار والنماذج لمجرد وجود مراجعات أو نشر وثيقة لترشيد الجهاد.

والحقيقة أن الرد على تلك الحجة يتكون من شقين، الأول هو أن تلك المراجعات من الجماعتين الجهاديتين الأكبر والأقدم على مستوى العالم، أي الجماعة الإسلامية ثم جماعة الجهاد، تعد في حد ذاتها واقعا عمليا جديدا بكل مكوناته، وليس مجرد حال فكرية منعزلة عن الممارسة، وبالتالي فسيكون لها بدورها وتأثيرها على الحالة الجهادية الدولية، فكرا وعملا، بما قد يدفع بها إلى المسار نفسه.

ويتمثل الشق الثاني في طبيعة الحركات الإسلامية الدينية والجهادية خصوصا، إذ يلعب العامل الفكري الشرعي دورا مركزيا في توجهها نحو ممارسات العنف العملية تحت شعار «الجهاد»، وهي لا تقوم بأي من هذه الممارسات إلا بتوافر أساس شرعي مقنع لها، حتى لو لم يكن صحيحا.

ومن ثم فإن توجه عملية المراجعات عموما ووثيقة الترشيد خصوصا إلى هذا الأساس الفكري والشرعي بالنقد والتصحيح والترشيد ستكون له من دون شك آثاره على هذه البنية النظرية، ومن يعتقدون صحتها بداخل الحالة الجهادية الدولية.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/8209.html