العدد -1 - الخميس 27 يونيو 2002م الموافق 16 ربيع الثاني 1423هـ

«كولومبا » بروسبير ميريميه: قصة امرأة شريرة

لو ان بروسبير ميريميه (1803 - 1870) لم يجعل احداث قصته الطويلة «كولومبا» تدور في جزيرة كورسيكا، لكان من الصعب تقبلها بصفتها تنتمي الى الادب الفرنسي، لكن ميريميه كما فعل في روايته «كارمن» التي حولها جورج بيزيه الى واحدة من اشهر الاعمال الاوبرالية في تاريخ هذا الفن، عرف كيف يروي حكاية غريبة الاطوار، ترخي مزاج قرائه وتوقهم الى الحكايات المعقدة، من دون ان يلزم نفسه بعقلانية الفكر الفرنسي الذي ينتمي اليه.

كان «حكواتياً» حقيقيا متأثرا بالاجواء المتوسطية. ولئن عاش في اجواء فرنسية خالصة في العاصمة، وانتمى الى مجتمعها المعقد في زمن غلب فيه التفكير العقلاني وارهاصات عودة الصرامة الفكرية في مقابل استشراء رومانسية اتية من الشرق القريب، ولئن كان تحول منذ العام 1834 الى وظيفة في الدولة جعلت منه مفتشاً عاماً للاماكن والمعالم التاريخية، ما يقتضي منه مسايرة الديكارتية التي كانت طاغية في تلك الايام، ولو كرد فعل على «الجنون الثوري» وعلى غرابة اطوار مرحلة الغزوات البونابارتية، فإنه، حين كتب اجمل اعماله الادبية حرص على ان ينحي العقلانية جانبا، وفي احيان حرص على ان يجعل من العمل نفسه مرآة للصراع بين العقلانية والعفوية. ومن الواضح ان قصته «كولومبا» تنتمي الى هذا النسق الاخير، وان كان هذا الجانب الفكري في حينه آخر ما اثار اهتمام القراء والنقاد على السواء.

اذاً، «كولومبا» في قصة ميريميه المعروفة بالاسم نفسه، لا تقل شرا وزرعا للموت من كارمن . لكأن الكاتب شاء ان يرسم امرأة واحدة في رأسين او في مكانين. فهل كان من قبيل المصادفة، لديه، ان تدور احداث كل من القضيتين في منطقة نائية عن المركز العقلاني في فرنسا. كولومبا في جزيرة كورسيكا، وكارمن في اسبانيا؟

تبدو نهاية القصة مختلقة، غير ان هذا الحكم لا ينطبق على قصة كلها، فهي بشهادة النقاد حسنة البناء، مقنعة في تسلسل احداثها، وتنتمي حقا الى خير ما كتبه ميريميه الذي يعتبر، على رغم كل شيء، كاتبا رومنسيا. وهو ولد في باريس العام،1803 درس المحاماة أولاً ومارسها ثم امتهن الكتابة، وبعد فترة انخرط في العمل الاداري الحكومي ثم اصبح من رجال بلاط الامبراطورة اوجيني، في الوقت الذي لم يتوقف فيه عن الكتابة للمسرح وفي مجال القصة والرواية. وهودخل الاكاديمية في العام 1844 وانتخب سيناتورا، ومات في «كان» في العام .1870 اما بداياته الادبية فكانت عبارة عن خدعة، عبر كتاب «مسرح كلارا غازول» (1825) الذي زعم انه لممثلة اسبانية ثم تبيّن انها لم توجد ابداً.

و أنتج ميريميه الكثير، وعرّف الفرنسيين بالادب الروسي اذ كان من اوائل الذين ترجموا غوغول وبوشكين

العدد -1 - الخميس 27 يونيو 2002م الموافق 16 ربيع الثاني 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً