أعرب خبراء اقتصاديون عن اعتقادهم بأن خطة الحوافز الاقتصادية التي وضعها الرئيس الأميركي جورج بوش لإنعاش الاقتصاد الأميركي الذي يشهد هبوطا حادا منذ توليه السلطة قبل نحو عامين، ستكون عملا باهظ التكاليف وغير مربح، إضافة إلى أنه ليس هناك من سياسة ضريبية في الوقت الراهن قادرة على التعامل مع أحد العوامل الرئيسية في تباطؤ الاقتصاد المتمثل في عدم التأكد من وقوع الحرب التي يهدد البيت الأبيض بشنها على العراق.
وكان الرئيس بوش الذي يأخذ بعين الاعتبار حملته القادمة لإعادة انتخابه وكذلك أخطاء والده السياسية، قد وضع خطة اقتصادية تحفيزية مدتها عشر سنوات، وتقدر بـ 674 مليار دولار في الوقت الذي تتدفق فيه القوات الأميركية على منطقة الخليج استعداد للحرب.
ويقول مدير مؤسسة سميث بارني المالية روبرت دي كليمنتي، «إن إزالة الغموض عن العراق سيفتح الأبواب للتوسع والنمو الاقتصادي بغض النظر عما تقترحه إدارة بوش. وهذا هو أكبر عائق في وجه التوسع الاقتصادي الآن».
وكان بوش واضحا في خطابه يوم الثلثاء الماضي في شيكاغو عندما تحدث عن مسارين لسياسته، وهما تهديد الإرهاب، العراق، وكوريا الشمالية، قائلا: «وحتى عندما نواجه تلك الأخطار، عليكم أن تعلموا أن لدينا احتياجات في الداخل، وخصوصا الحاجة إلى اقتصاد قوي ومستمر النمو».
وتستهدف خطة بوش الاقتصادية إعطاء الاقتصاد الأميركي دفعة هذا العام بمبلغ 102 مليار دولار، بتسريع خطط تخفيض الضرائب، واستثناء أرباح الاستثمارات من الضرائب التي يعتقد أن من شأنها إعطاء سوق الأسهم والبورصة دفعة بنسبة 10 في المئة بحسب أقوال أنصار بوش.
غير أن اقتصاديين بارزين يرون أن حربا تشنها الولايات المتحدة على العراق قد تقضي على ذلك كله خاصة إذا طال أمدها وأدت إلى هجمات «إرهابية» وإلى استعمال أسلحة الدمار الشامل. وقد نشر الاقتصادي الأميركي المعروف في جامعة ييل وليم نوردهاوس، في الشهر الماضي، تحليلا شرح فيه الأوضاع الغامضة التي تواجهها الولايات المتحدة، وقال إن كلفة الحرب قد تصل إلى 100 مليار دولار على مدى السنوات العشر المقبلة وقد ترتفع إلى 1,6 تريليون دولار، وقد يواجه الاقتصاد الأميركي ضربة تصل إلى 391 مليار دولار في العامين المقبلين، وسـتقزم جرعات الأموال النقدية التي يطرحها بوش.
ويقول أحد اقتصاديي الضرائب في معهد بروكينغز بواشنطن وليم غيل إنه «إذا ارتفعت أسعار الطاقة، فسيتم القضاء على آثار الحوافز الاقتصادية بسهولة».
وفي تحليل قام به حديثا مجموعة خبراء خلال ندوة نظمها حديثا مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، توقعوا فيه أن الحرب ستخفض أسعار الأسهم في سوق الأوراق المالية والبورصة في نيويورك بما قد يصل إلى 25 في المئة أكثر من قضائها على فوائد تخفيض الضرائب.
وأكد هؤلاء الخبراء أن إعادة الحيوية للاقتصاد تعتمد على مسار الحرب في العراق، فإذا انتهت بسرعة، فستعود الأسهم والاقتصاد أيضا إلى الحيوية بسرعة وستنمو بسرعة أكثر أيضا مما لو لم تكن هناك حرب، وسيعود ذلك إلى إنهاء الغموض بشأن الحرب، وتدني أسعار النفط، وارتفاع الإنفاق الحكومي وازدياد ثقة المستهلكين في الاقتصاد. وقال المحافظ السابق للبنك المركزي الأميركي، لورنس ماير إنه في هذه الحال قد تؤدي خطة بوش إلى الإضرار بالاقتصاد بالتسبب في تضخم اقتصادي مرتفع أو بارتفاع أسعار الفائدة.
ويضيف تحليل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنه إذا استمرت الحرب ما بين ستة أسابيع و12 أسبوعا، فإن انخفاض أسعار الأسهم سيستمر، وسترتفع أسعار الفائدة وسيخف النمو الاقتصادي بنسبة واحد وثلاثة أرباع في المئة، أما أسوأ الأحوال، فهي إذا استمرت الحرب ما بين 90 و180 يوما، فستوقف التزويد بالنفط إلى حد كبير، وقد تحدث هجمات إرهابية، وسيعود الاقتصاد إلى الركود، بغض النظر عن الخطط الاقتصادية.
ويقول ماير: «إن أفضل الخطط السياسية اليوم هي الانتظار، ووضع خطط للاحتمالات المتعددة، تحسبا لحدوث نتائج عكسية».
غير أن محللين وخبراء اقتصاديين لا يشاركون ماير في حذره. إذ يقول دي كليمينتي إن مقترحات بوش قد تقدم عازلا عن الصدمات التي قد تأتي بها الحرب. فيما يقول بروس بارتليت، وهو اقتصادي محافظ في المركز القومي للتحليل السياســي بواشنطن، إن الحرب مع العراق ستنتهي قبل أن يوافق الكونغرس على خطة الحفز بوقت طويل، وفي هذه الحال، فإن على بوش أن يبدأ بتنفيذ خطته.
أما وليم غايل، فيقول «عندما يتحدث الرئيس عن الحرب، فإنه يتحدث عن روح المشاركة في التضحية، ولكن في نظر الأغنياء، فإن المشاركة في التضحية يبدو أنها قبول تخفيض الضرائب، أما بالنسبة إلى الفقراء، فهي قبول التخفيض في الإنفاق الاجتماعي. ويبدو أن هناك عدم تواصل في هذه الأفكار تصل إلى حد المخادعة».
وكان الديمقراطيون في الكونغرس الأميركي قد وجهوا انتقادات شديدة إلى خطة بوش الاقتصادية التي وصفوها بأنها «لا مسئولة، وعبارة عن وهم ستزيد الدين وتعطي بعض الأفضلية للأغنياء». وقال العضو الديمقراطي في مجلس النواب الأميركي عن ولاية نيويورك، تشارلز رانغل، غاضبا «لم نقم أبدا بتخفيض الضرائب على الأغنياء في وقت الحرب». واقترح الديمقراطيون بدلا من تلك الخطة تقديم سلسلة من الإعفاءات الضريبية ومساعدات للولايات وتوسيع المزايا المقدمة إلى العاطلين عن العمل لمساعدة متوسطي الدخل.
وقد انضم إلى الحملة المناهضة لخطة بوش الاقتصادية عدد من الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس الذين كانوا ساعدوا بوش في معركته لتخفيض الضرائب في العام 2001، إذ قالوا الأربعاء الماضي إنهم يعارضون إنهاء الضرائب الفيدرالية على أرباح الأسهم، ما يساهم في تقليل فرص تمرير بوش لخطته في الكونغرس.
وفيما كان الحظ حالف بوش في العام 2001 حين وقف إلى جانبه أعضاء ديمقراطيون في مجلس الشيوخ الذي كان في دورته السابقة مناصفة بين الديمقراطيين والجمهوريين فإن هناك شكوكا إزاء إمكان حصول بوش على تأييد كل الأعضاء الجمهوريين لخطته الجديدة.
وقال العضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية لويزيانا، جون برو، الذي كان حليفا مهما في معركة بوش لتخفيض الضرائب العام 2001 «أفهم أنك لا تقدر على تجاهل الأمور جميعها، ولكن يمكنك اتخاذ خطوات متواضعة، ولكن 670 بليون دولار هي خطوة أكثر من متواضعة». وكان برو قد ساعد بوش في تمرير خطة خفض الضرائب السابقة عندما ضم إلى جانبه 12 من الأعضاء الديمقراطيين في مجلس الشيوخ.
وقالت العضوة الديمقراطية في مجلس الشيوخ عن ولاية كاليفورنيا، ديانا فينستين التي كانت أيدت خطة خفض الضرائب للعام 2001 إن خطة بوش الجديدة لا يمكن أن تكون منطلقا صحيحا، مضيفة «إنني لا أعرف حتى الآن ديمقراطيا يمكن أن يصوت لصالحها».
غير أن الوضع في مجلس النواب قد يكون مختلفا إذ يمتلك الجمهوريون سيطرة أكبر، إذ قال رئيس المجلس دينيس هاسترت إنه يتوقع تصويتا سريعا على مشروع القانون الخاص بخطة بوش، مضيفا أنها ستنال الموافقة
العدد 131 - الثلثاء 14 يناير 2003م الموافق 11 ذي القعدة 1423هـ