العدد 212 - السبت 05 أبريل 2003م الموافق 02 صفر 1424هـ

الخليج للبتروكيماويات تثبت براءتها من تلوث البيئة

بعد ريادتها لأول مزرعة أسماك ومحمية للطيور

تجربة جديدة أو ربما حلم آخر يدخل أعتاب الواقع، مزرعة للأعشاب الطبية تحت الإنشاء، و1000 شجرة قرم مقبلة. بعد أن قامت شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات بتدشين 30 ألفا من أسماك (السبيطي) سنويا في مزرعة خيرية، في أول تجربة في العالم لشركة صناعية، وإنشاء محمية للطيور يزورها أكثر من 3000 طير سنويا، تتجه اليوم إلى إنشاء أول مزرعة طبية في شركة صناعية.

بأسلوب عملي أرادت شركة الخليج لصناعة البتروكيماويات أن تثبت أن ما تنتجه من غازات لا يتسبب في تلوث البيئة، وأنها تمتلك بيئة نظيفة تتكاثر فيها الأسماك، وترتادها الطيور من كل أنحاء العالم.

فما أن يدور الحديث عن التلوث البيئي إلا ويصاحبه اتهام يوجه إلى الشركات الصناعية، التي يعتقد البعض أنها من أهم أسباب التلوث البيئي، وخصوصا أن البحرين بلد صغير ومهما بعدت المسافة بين الشركات الصناعية والمناطق السكنية تظل قريبة، ويظل التلوث البيئي واردا، وإصابة الناس بأمراض مختلفة محتملة.

ولأن العقل البشري لا يعرف المستحيل، والعشق للوطن يعني خدمة الناس، ولأن التفاني يعني حب الأرض الطيبة، وحضن البحر المعطاء، انطلقت أحلام المدير العام لشركة الخليج لصناعة البتروكيماويات مصطفى السيد لتتحول إلى واقع وبصمات على أرض البحرين.

لو لم أر اللافتة التي كتب عليها اسم الشركة لما صدقت أن هذه المزرعة تقع في شركة صناعية... لم تكن مجرد مزرعة أسماك، كانت أشبه بلوحة ساحرة وناطقة تأخذك إلى عالم خيالي بعيدا عن تلك الأزمات التي تعصف بنا، وتسرق كل شيء داخلنا، أي تلوث هذا يمكن أن يكون في مزرعة أسماك بدأت بعشرة آلاف سمكة لتصل إلى 30 ألفا في عدة سنوات؟!

أي تلوث هذا يمكن أن يكون ونحن نرى كيف تزور الطيور تلك المحمية الهادئة وتستقر عليها بعض الوقت؟، ألم يكن الأجدر بها أن تهاجرها إذا هاجمتها رائحة التلوث؟.

في لقاء مع مصطفى السيد أردنا معرفة قصة هذه الأحلام منذ البداية...

مزرعة الأعشاب الطبية هل هي حلقة في قصة الريادة؟

- مزرعة الأعشاب الطبية لا شك في أنها خطوة أخرى تؤكد بها الشركة نظافة البيئة المحيطة بها، وقدرتها على إقامة مشروعات لخدمة المجتمع البحريني، ولايزال هذا المشروع تحت الإنشاء، وقريبا سنقوم بزراعة 1000 شجرة قرم على مساحة كيلومتر حول محمية الطيور، وهي إهداء من دولة الإمارات. وخلال عشر سنوات سيصل طول هذه الأشجار إلى عشرين قدما، لتصبح سكنا للطيور المهاجرة، ونأمل أن تصبح البحرين محطة ترانزيت لهذه الطيور. ومن مشروعاتنا ايضا الحديقة الخيرية، فقد قمنا باستغلال قطعة من اراضي الشركة في زراعة بعض الخضراوات بهدف توزيعها على الاسر الفقيرة، ايمانا منا بأهمية المشاركة الايجابية في حياة الناس.

البقاء للبحر والأرض

لماذا كان مشروع مزرعة الأسماك؟

- لأن البقاء ليس للبتروكيماويات ولا للنفط، فهذه المواد عمرها محدود لن يتجاوز الخمسين عاما، البقاء للأرض والبحر، أليس البحر هذا كان مصدرا لرزق الآباء والأجداد؟، لماذا إذن لا نحافظ عليه؟، الاهتمام بالبحر ليس مصدر رزق فحسب، ولكنه أيضا يمثل جمالا للبيئة والاهتمام بالبيئة يعد من الحاجات الحضارية للإنسان.

والعامل عندما يرى الشركة التي يعمل بها تهتم بالمحافظة على البيئة التي يعيش فيها، يشعر بالولاء ويخلص في عمله، ثم أننا ـ باعتبارنا شركة ـ علينا واجب أخلاقي تجاه وطننا ومجتمعنا، وهذا أحد أهداف المشروع.

والأهداف الأخرى؟

- من أهم أهداف المشروع الإثبات للمجتمع البحريني أن الغازات التي تنتجها الشركة لا تلوث البيئة المحيطة، بل تساعد على المحافظة على البيئة، فغاز الميثول يستخدم في الدول المتقدمة وقودا، إضافة إلى دخوله في صناعة المواد البلاستيكية ولولا وجوده لقطعت الأشجار بديلا لعدم وجود المواد البلاستيكية، واليوريا تستخدم في الزراعة وفي زيادة خصوبة الأرض، إذن هذه المواد مفيدة للإنسان وليست كما يعتقد الإنسان العادي بأن هذه المواد تلوث البيئة وتعمل على تهديد حياة الإنسان. أردنا إثبات أن بيئتنا من أرض وبحر وهواء نظيفة يمكن إقامة مشروعات عليها مثل مزرعة الأسماك ومحمية الطيور، على أن يوزع نتاج مشروع مزرعة الأسماك على الأسر الفقيرة.

وماذا عن التحديات التي واجهها هذا المشروع؟

- بدأت فكرة مزرعة الأسماك في العام 1994 واستغرقتُ حوالي عامين في إقناع زملائي في الشركة بإقامة هذا المشروع في الجهة الجنوبية من المصنع قرب مخرج المياه الذي يقوم بعملية تبريد المصنع.

كان من الأهداف إعطاء الموظفين شرف القيام بالأعمال التطوعية، وسبب رفض الزملاء في تلك الفترة، كان يكمن في تخوفهم من موت السمك لأي سبب آخر بعيدا عن التلوث البيئي، ما يمكن أن يجعل الناس تعتقد بأن سبب موت الأسماك ـ إذا حدث ـ يكمن في المواد التي ينتجها المصنع.

تجاوز التحديات

ويضيف: «لأنني كنت أريد أن أثبت للجميع نظافة بيئتنا، أقنعتهم بالمشروع، وقمنا بتكوين لجنة تطوعية من موظفي الشركة، للإشراف على المشروع، واستطعنا تجاوز التحدي الأول للمشروع وهو إقناع الزملاء.

وقبل بداية تنفيذ المشروع في العام 1996 بالتعاون مع إدارة الثروة السمكية، واجهنا تحديا آخر، كانت المشكلة في هذه المرة فنية، فبعد أن بنينا حوض الأسماك اكتشفنا أن المياه في الحوض ضحلة كانت تتراوح بين 3 و8 أقدام، وهذا لا يناسب معيشة الأسماك ولذلك حفرناه إلى 14 قدما، وبدأنا المشروع بعشرة آلاف سمكة (سبيطي)، تزن كل سمكة 70 غراما، وخلال تسعة أشهر بلغت زنة السمكة الواحدة كيلوغراما، ولاحظنا عند فتح السور أن إنتاجنا يدخل حضور الصيادين ويباع في الأسواق، وقد أقمنا هذا المشروع بهدف خيري، ولحل هذه المشكلة قمنا بتصميم قفص كبير يلتصق بقارب، ويفتح القفص تحت الماء ويدخل السمك ويغلق القفص وهذا يحافظ على كمية إنتاج السمك، ويمنعها من دخول حضور الصيادين».

وكلفة المشروع؟

- لم تكن كلفة بالمعنى المعروف، فقد حاولنا استغلال الخامات التي نملكها من حديد وغيره في بناء الحوض، وكانت الكلفة الغذائية للمشروع بسيطة للغاية.

وكيف كان الإنتاج؟

- بدأنا بعشرة آلاف سمكة من أسماك (السبيطي) النادرة، ونمت هذه الأسماك في جو مناسب وبيئة طبيعية، وبلغت اليوم 30 ألف بعد تدشين التوسعة الأولى للمزرعة في العام 2000 والتي ضاعفت من الإنتاج، وتوزع هذه الكميات على الأسر الفقيرة والجمعيات الخيرية، ويكفي أننا المصنع الوحيد في العالم الذي قام بهذه التجربة الرائدة، وحصلت الشركة في العام 1999 على شهادة (الايسو 14001)، ويعد هذا إنجازا بيئيا عالميا بمنحها لشركة بحرينية. وفي مؤتمر عقد منذ سنوات للتنمية المستدامة، وبعد عرض فيلم لتجربتنا الخاصة بمزرعة الأسماك، أشاد مندوب الحكومة الأميركية بتجربتنا، وطالب الشركات الصناعية الأميركية بأن تحذو حذونا.

تبحث عن مكان

هل نجاح مزرعة الأسماك قاد إلى محمية الطيور؟

- لا نستطيع إنكار أن نجاح مزرعة الأسماك كان حافزا كبيرا لإنشاء محمية الطيور، ولكنها جميعا كانت أحلاما وطموحا داخلنا، فالحياة ما هي سوى حلقة من النماء والتطور المتكامل، وقد لاحظنا تكاثر سرطانات البحر (الشرايب) على ساحل الشركة بالقرب من مزرعة الأسماك، بعد أن قل وجودها على سواحل البحرين، وهي تعتبر الغذاء المفضل لبعض الطيور، وخلال صيف العام 2001 تمكنت مجموعة من طيور الفلامنغو - حوالي 25 طائرا، وزادت إلى 36 طيرا - ولأول مرة من البقاء حول الشواطئ المحيطة بالشركة، وتهاجر هذه الطيور عادة في الصيف وتعود إلى البحرين في الشتاء، ووجود هذه الطيور يعني انتعاش البيئة.

ونظرة واحدة إلى سواحل البحرين تكفي لمعرفة عدم وجود أماكن ملائمة لهذه الطيور. نعم فهذه الطيور تبحث عن مكان، وكل هذه العوامل شجعت الشركة على إنشاء محمية للطيور في مجمع الشركة.

في البداية فكرت في وضع أعمدة كهرباء خشبية حول المصنع وأصنع فوقها عشا من البلاستيك حتى تستقر الطيور فوقه خلال فترة مد البحر، وناقشت الفكرة مع زملائي، وخرجنا بنتيجة وهي أهمية وجود جزيرة صغيرة لتصبح مكانا آمانا للطيور، وتطوع بعض الزملاء وشيدوا جزيرة صغيرة ـ 60 قدما في 60 قدما ـ وتم توفير قليل من الشعير والمياه وبعض الأشجار الصغيرة، وبعد ستة أشهر تطوع بعض الموظفين بوضع كمية من الرمل والحصى لتوسيع الجزيرة لتصبح مساحتها 200 قدم في 200 قدم.

لا نرى البحر

هل تم تقدير عدد الطيور التي تزور المحمية؟

- حوالي 3000 إلى 4000 طير، حتى اننا أحيانا لا نرى البحر من كثرة الطيور الزائرة للمحمية، وأشهرها الفلامنغو، وبلشون الصخر الأبيض، وأبو المغازل (الجويري)، ونوارس البحر، والبلبل البحريني والهدهد، وغيرها.

ألم يؤثر إشراك الموظفين في هذه المشروعات على عملهم؟

- كان هناك تأثير بلا شك ولكنه تأثير إيجابي، وهذا تؤكده زيادة حجم عطاء الموظفين، وزيادة ربحية الشركة، وزيادة الإنتاج حتى وصل إلى رقم قياسي عالمي، ورفع مستوى الأمن والسلامة، وحصلت الشركة شهادات تقييم عالمي في الأداء، وفي رأيي أن من أهم أسباب نجاحنا في مشروعاتنا المختلفة، أننا نهدف إلى المحافظة على البيئة، وخدمة الناس، وإثبات أننا نعشق هذا الشعب، وهذه الأرض.

وهنا لابد أن نطرح سؤالا: إذا كانت شركة الخليج للبتروكيماويات قد أثبتت براءة ذمتها من تلوث البيئة بإقامتها مشروعات حيوية لا يمكن أن تقام وسط بيئة ملوثة، أليس من المفروض من بقية الشركات الصناعية أن تحذو حذوها، ولو في إقامة مشروع واحد مماثل لإثبات براءة ذمتها؟ فإن كانت الغازات المنبعثة من بعض المصانع ليست وحدها المسئولة عن تلوث البيئة، فعلى الأقل ستظل في موضع اتهام حتى يُثبت العكس

العدد 212 - السبت 05 أبريل 2003م الموافق 02 صفر 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً