على رغم حداثة جامعة البحرين وصغر حجمها، مقارنة بمثيلاتها من جامعات العالم العربي، فإنها جمعت كثيرا من التناقضات الظاهرة والخافية، أساسها غياب التشريع المركزي، وطغيان البيروقراطية على دوائرها وأقسامها. فتارة يسمح لك بشيء ثم ما يلبث أن يمنع عنك من دون سابق انذار، وتارة يطبق قانون ثم يلغى سريعا. ومن المعلوم أن كثيرا من الطلبة يجهلون القوانين والتشريعات التي تخصهم، فضلا عن الأخرى، ما يصعّب عليهم عملية التنسيق مع أقسامهم، في ظل نظام الساعات التي تعتمده الجامعة، وهذا ما يؤثر سلبا على عملية التحصيل الدراسي.
ومن جملة الأمور الضبابية التي أثارت انتباهي ومازلت أبحث لها عن مخرج، مسألة تسييس بعض الانشطة الطلابية من عدمه، وتعاطي ادارة الجامعة السياسة. فمن المعروف أن الواجهات الطلابية في الجامعة مثل الأندية والجمعيات ومجلس الطلبة تبتعد قدر الامكان عن مناقشة الامور السياسية، والمشاركة في فعالياتها، فيما عدا المهرجانات والاحتفالات التي تخصها. وقد قرأنا قبل أيام مشكلة مجلس الطلبة مع أحد الطلاب الاعضاء فيه، الذي تقدم بمشروع حملة للتبرع بالدم باسم الامام الحسين (ع) يرافقه افتتاح مرسم حسيني، وقد رفض المشروع بادئ الامر بحجة أن الفعالية مرتبط بالسياسة، وطالب أحد الاعضاء المعارضين للمشروع بتغيير المسمى الى آخر، وإلغاء المرسم الحسيني، بحجة عدم تسييس أنشطة المجلس. الجامعة كما يبدو لا تريد أن تواكب الحركة المجتمعية، والتغيرات السياسية التي استجدت، وتفضل أن تتحرك داخل اطار أسلاك وأشواك وضعتها حولها، وتجبر طلابها على التحرك داخل هذه الاشواك في أوقات الدوام الرسمي. ويطلق المسئولون تصريحات بين الفينة والأخرى تؤكد عدم رضا الادارة عن الخوض في السياسة، ومن هنا جاء المنع عن التحدث في الامور السياسية والمشاركة في الفعاليات واقامة الندوات وغيرها. الى الآن الامر ليس غريبا، فهذا حق من حقوق ادارة الجامعة، وهي ترى أن الحديث في السياسة ترف فكري لا طائل من الدخول فيه، لكن الغريب أن يتم المنع في موضوع، ويسمح في موضوع آخر... أي تارة نُمنع وتارة يُسمح لنا!
في فترة الانتخابات النيابية، فتحت الجامعة أبوابها للناخبين، ووضعت الصناديق العامة التي يصوّت فيها من لا يفضّل التصويت في دائرته، وسط حفل بهيج وأصوات المزامير والاغاني. وقبل أشهر معدودة، أقامت كلية القانون «حديثة العهد» ندوة حاضر فيها أحد أساتذة القانون في الجامعة عن التغييرات الدستورية، وأشاد هذا الاستاذ بالتغييرات ووصفها بالايجابية. وأيضا خرجت المظاهرات المنددة بالعدوان الاسرائيلي على الفلسطينيين، وقبل أيام خرجت مظاهرة مثلها، منددة بالعدوان الاميركي على العراق. وعن هذا الموضوع قام مجلس الطلبة في الاسبوع الماضي، بطباعة منشورات ووضع لوحات في أروقة الجامعة، تستحث همم المسلمين، وتنادي بضرورة العودة للدين، ومحاربة الشرك والكافرين. وكل هذه الاجراءات والفعاليات مصرحة من قبل الجامعة.
أصبح الحديث في السياسة اذن مباحا بعض الاوقات، ومنهيا عنه في أوقات أخرى، من دون اعطاء اشارة واضحة بشأن هذه الفعاليات، وقانونيتها، بل هي تخضع لرؤية المسئول لا رؤية القانون.
ومن هنا يحق لنا أن نتساءل ونرفع هذا التساؤل الى عمادة شئون الطلبة، ورئيسة الجامعة الموقرة بشأن هذا التناقض الواضح... ما حدود المسموح والممنوع؟ وهل الجمعيات والاندية الطلابية اليوم تنشغل أم تشتغل بالسياسة؟!
البحرين - علي ربيع
العدد 213 - الأحد 06 أبريل 2003م الموافق 03 صفر 1424هـ