كل ما في الأمر أن محمد أركون - ضيف البحرين في مهرجان ربيع الثقافة الذي سيلقي محاضرة في اليوم الثالث عشر من الشهر الجاري - يفكر بحرية أكثر، وأنه قام بدراسات وقراءات في التاريخ والإنثروبولوجيا أسقطها على التراث العربي الإسلامي. الرجل حاول أن يقوم بما قام به من قبل مفكرون آخرون على التراث اللاتيني المسيحي الأوروبي. لكن نتيجة ذلك فقط، لم تنتهِ حتى اليوم، وما زلنا في جدال واسع نعايش احداثياته حتى اليوم.
الباحث والمؤرخ والمفكر الجزائري محمد أركون، ولد العام 1928 في بلدة تاوريرت ميمون بمنطقة القبائل الكبرى الأمازيغية بالجزائر، ودرس الابتدائية في مسقط رأسه وأكمل دراسته الثانوية في وهران، ابتدأ دراسته الجامعية بكلية الفلسفة في الجزائر ثم أتم دراسته في السوربون في باريس.
يتميز فكر أركون بمحاولة عدم الفصل بين الحضارات شرقية وغربية واحتكار الإسقاطات على إحداهما دون الأخرى، بل إمكان فهم الحضارات من دون النظر إليها على أنها شكل غريب عن الآخر، وهو ينتقد الاستشراق المبني على هذا الشكل من البحث.
عُين أركون أستاذا لتاريخ الفكر الإسلامي والفلسفة في جامعة السوربون العام 1968 بعد حصوله على درجة دكتوراه في الفلسفة منها، وعمل كباحث مرافق في برلين العام 1986 و1987. يشغل ومنذ العام 1993 منصب عضو في مجلس إدارة معاهد الدراسات الإسلامية في لندن.
يكتب محمد أركون كتبه باللغة الفرنسية أو بالإنجليزية، وترجمت أعماله إلى الكثير من اللغات من بينها العربية والهولندية والإنجليزية والإندونيسية، ومن مؤلفاته المترجمة إلى العربية: الفكر العربي، الإسلام: أصالة وممارسة، تاريخيات الفكر العربي الإسلامي، الفكر الإسلامي: قراءة علمية، الإسلام: الأخلاق والسياسة، الإسلام: نقد واجتهاد، العلمنة والدين، من الاجتهادات إلى نقد العقل الإسلامي، من فصل التفرقة إلى فصل المقال: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر، الإسلام، أوروبا، والغرب: رهانات المعنى وإرادات الهيمنة، نزعات الأنسنة في الفكر العربي، قضايا في نقد الفكر الديني، الفكر الأصولي واستحالة التأصيل، معارك من أجل الأنسنة في السياقات الإسلامية.
من الجوائز التي حصل عليها أركون: ضابط لواء الشرف، جائزة بالمز الأكاديمية، جائزة ليفي ديلا فيدا لدراسات الشرق الأوسط في كاليفورنيا، دكتوراه شرف من جامعة إكستير العام 2002، جائزة ابن رشد للفكر الحر العام 2003.
ويلخص الكاتب المغربي إدريس ولد القابلة مشروع أركون في أنه اعتمد دراسة «التاريخ الوقائعي والتاريخ الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. كما أدخل في دراسته منهجية علم النفس التاريخي بالإضافة إلى علم الاقتصاد... وفي ستينات القرن الماضي اهتم بمنهجية الألسنيات وعلى ضوئها قرأ المصحف والنصوص الإسلامية الكبرى، السيرة النبوية، نص سيرة علي للشيخ المفيد، نهج البلاغة، رسالة الشافعي، نصوص ابن رشد، ابن خلدون وآخرون».
شجاعة أركون في مواجهة خصومه جعلته أشبه بأبي حيان التوحيدي. يقول ولد القابلة «ولفهم موقفه - أركون - من الاستشراق لابد من الرجوع إلى أركون الطالب بالجامعة الجزائرية وهو يدرس اللغة العربية وآدابها في وضع قاسٍ مطبوع بسيادة الثقافة الغربية الآتية إلى الجزائر لتحضيرها وإدخالها في حلبة الحضارة حسب ادعاء المستعمر الغازي. ومنذ ذلك الوقت تبرعمت في نفس أركون بدايات الرفض للاستشراق بكل مناهجه وطرائقه. هذا الرفض تولّد عنه التمرد ضد المجتمع وحالته وضد الظلم السائد فيه. وآنذاك سيطرت على ذهنه الرغبة في الفهم والمزيد من معرفة الواقع وتمحيص الوضع... لقد امتلكه سؤال شكيب أرسلان: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟ ولازمه طالبا منه الجواب، وربما هذا ما يفسر عدم انخراط محمد أركون في النضال السياسي على غرار جيله، إذ إنه اختار الطريق الفكري للتحرير، والتمرد الفكري عوض التمرد السياسي لأنه رغب في التحرير الفكري والعقلي للجزائر ولعموم العرب والمسلمين».
لقد هدف محمد أركون كما يقرأه ولد القابلة «إلى بناء «إسلاميات تطبيقية» وذلك بمحاولة تطبيق المنهجيات العلمية على القرآن الكريم، ومن ضمنها تلك التي طبقت على النصوص المسيحية، وهي التي أخضعت النص الديني لمحك النقد التاريخي المقارن والتحليل الألسني التفكيكي وللتأمل الفلسفي المتعلق بإنتاج المعنى وتوسعاته وتحولاته».
يركز محمد أركون على ضرورة تفهم القرآن - كلام الله - والذي يفتح للبشر - وللمؤمنين بالخصوص - آفاقا للتدبر والتفكر والتفقه والتعقل. فكم من مرة تكررت «أفلا تتدبرون» و «أفلا تعقلون» في القرآن الكريم؟ لكن هذا النوع من التفكير المتوسع تم تهميشه وضيقت مجالاته.
كل ما في الأمر، هو ان أركون «ركز على ضرورة فهم المأساة التاريخية التي تتخبط فيها الشعوب الإسلامية منذ أن اصطدمت بشكل مفاجئ وعنيف بالحضارة المادية والحداثة العقلية. فلا الثورة الاشتراكية ولا الثورة الإسلامية أتيح لهما أن تحظيا بمرحلة تحضير واستعداد كافية كما حصل للثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر. إذ لم يمهد لهما عن طريق حركة ضخمة من النقد الفلسفي والعلمي للتراث الديني، ثم لنقد الممارسة السياسية لأنظمة الثقافة الموروثة ولمشكلة المعرفة بشكل عام. وبذلك تراكم اللامفكر فيه في الفكر الإسلامي والعربي».
العدد 1638 - الخميس 01 مارس 2007م الموافق 11 صفر 1428هـ