تم تسخير إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين كأداة في سياسة «فرق تسد»، وأعلنوها حربا ضروسا بين الشيعة والسنة، ونصرا للشيعة والأكراد في العراق، ونشروا الحرب بين ملل المسلمين والعرب، فأيا كان صدام طاغية أم بطلا، مذنبا أم شهيدا، يبقى السبب الجوهري من إعدامه هو إثارة الفتن الطائفية ليس في العراق فحسب، وإنما بين ملل المسلمين جميعا، وزيادة الشرخ المذهبي الذي ترسي دعائمه الولايات المتحدة الأميركية منذ اليوم الأول لاحتلال العراق.
بإعدام صدام حسين في الثلاثين من أغسطس /آب من العام الماضي، اختلفت ردود الفعل، ففي داخل العراق احتفل الآلاف منهم، وتبادلوا التهاني، إذ رأوا في إعدام الرئيس السابق نهاية حتمية لكل طاغية، وإحقاقا للعدل الإلهي... وعلى النقيض من ذلك، أقام آخرون مجالس عزاء لصدام حسين باعتباره شهيداُ للأمة العربية. وأعلنت الولايات المتحدة الأميركية تأييدها لتنفيذ حكم الإعدام، وسخرت وسائل الإعلام فيها لتعلنها نصرا للشيعة والأكراد، حقق على يد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن، كخطوة منه لإقامه الدولة الديمقراطية- المزعومة -في العراق. ولم يختلف الحال كثيرا في «إسرائيل» إذ هللت الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ الحكم قائلة إن صدام «حفر قبره بيده». ووفقا لما أذاعه راديو «إسرائيل» فإن نائب رئيس الوزراء، شمعون بيريز، وصف صدام بأنه «رجل سبب أضرارا جسيمة لشعبه، وكان خطرا رئيسيا على إسرائيل».
ورحبت به أيضا الجمهورية الإسلامية الإيرانية واعتبرته نهاية حتمية لكل طاغية، وانتقد الكثير في العالم الإسلامي اختيار توقيت الإعدام في يوم يمثل يوم رحمة لا نقمة... في مقابل ذلك كله، التزمت غالبية الحكومات العربية، إن لم تكن جميعها، بالحياد تجاه الأمر!
وفي البحرين على سبيل المثال أيدت غالبية كبيرة من الشعب البحريني إعدام صدام، كأنها انتهاء لحقبة تاريخية سوداء في تاريخ الإنسانية، ونهاية لا جدال فيها لكل طاغية في هذه المعمورة، بينما أقام التجمع القومي الديمقراطي مجلس عزاء على روح الرئيس العراقي السابق وعبر المعزون فيه عن استنكارهم لتنفيذ الحكم باعتباره رئيسا عربيا مسلما، أحقيته في حكم العراق تفوق المحتل الدخيل. ولهم الحق طبعا في إقامة مجلس العزاء للتعبير عن رأيهم هذا، تحقيقا لمبادئ حريات التعبير عن الرأي والتعددية الفكرية طالما هي في إطار الحرية المسئولة... يقول المفكر الفرنسي فولتير «قد اختلف معك في الرأي، ولكني على استعداد على أن أقدم حياتي دفاعا عن حقك في إبداء رأيك»، فمقابلة مجلس عزاء صدام بالمولوتوف من قبل مجموعة من الملثمين هو أمر تستنكره عقائد الحريات الإنسانية جميعها بلا استثناء.
العراق ذلك البلد الشامخ الذي توالت علية الكثير من الحضارات بدءا بإيريدوا وأوروك، بناة أقدم حضارة في التأريخ البشري، وحضارة الأكديون السامية، والبابليين إذ بلغت حضارة العراق أوج عظمتها وإزدهارها، وتوالت الحضارات على بلاد الرافدين إلى وصول الإسلام إليها، لتكون بغداد عاصمة للدولة الإسلامية، ومشعلا للحضارة العربية الإسلامية، وتتعاقب الأعوام ليصبح صدام حسين رئيسا للعراق لـ 26 عاما.
بعد تنفيذ حكم الإعدام على صدام نسي أو تناسى العراقيون أن عدوهم مشترك، وأنه عراق واحد، وأن الوحدة والسلام الرسالة التي بها تزدهر الأمم، وأن إعدام صدام ليس إلا قربانا للسياسة البريطانية القديمة « فرق تسد»، إذ أسهم هذا القربان في ازدياد الفوضى في العراق، وتأجيج النار بين مللها الفسيفسائية، وأوجب على العراقيين مواجهة الحقيقة الأخرى وهي حكم الدخلاء.
بعدما زادهم الورد عطشا... لسنا هنا للحديث عن صدام بوصفه طاغية أو بطلا، مذنبا أو شهيدا، فالتأريخ وحده هو من يجزم ذلك، تأريخ جلوس صدام حسين من كرسي الحكم مرورا بمخدعه الأخير، إلى كرسي الإعدام، هو وحده فيصل هذه الجدلية التي باتت تؤرق الرأي العام العربي والإسلامي.
رباب أحمد
طالبة إعلام
العدد 1674 - الجمعة 06 أبريل 2007م الموافق 18 ربيع الاول 1428هـ