العدد 1839 - الثلثاء 18 سبتمبر 2007م الموافق 06 رمضان 1428هـ

تجريف «القبور الملكية»... والأحياء يتقاسمون «عالي» مع الأموات

أكثر من 500 متر تم تجريفها... بوحسيّن: بعض الأراضي الأثرية وُهبت

من جديد تعود قضية تجريف قبور عالي الأثرية إلى السطح... فبعد نحو عامين من فتح «الوسط» لهذا الملف على صفحاتها، الذي لقي ردود فعل مختلفة رسميا وبرلمانيا وشعبيا، لاتزال أعمال التجريف والإزالة مستمرة هناك في قرية عالي مُشكلة انتهاكا صارخا للآثار.

قبل نحو عامين طرقت «الوسط» هذا الباب وسلّطت الضوء على أعمال تجريف تمارسها جرافات «مجهولة الهوية» ضد أحد أبرز المواقع الأثرية على أرض البحرين، تجريف قبور هنا، ودفان هناك استعدادا لتشييد فلل فاخرة، والمحصلة تغيير مسمى المنطقة من «عالي» إلى «جري الشيخ» وإلحاقها بالرفاع.

الوضع مريب، فما من أحد يصدق أن قبور عالي الأثرية التي بنيت خلال الفترة ما بين 2300 و2000 قبل الميلاد، تتعرض لعمليات تجريف واسعة. بنيت هذه القبور من الحجر، وهي مغطاة بأحجار جيرية ضخمة، أما حجمها فيتراوح ما بين الصغير والكبير.

«الوسط» زارت الموقع، ورصدت أعمال تنقيب يقوم بها عمال آسيويون تابعون لوزارة الإعلام، وبدا واضحا إزالة أجزاء واسعة من مساحة القبور الأثرية، فيما علمت «الوسط» أن أكثر من 500 متر من قبور عالي الأثرية تم تجريفها، والعملية مستمرة لتجريف مساحة أكبر. وأفاد مصدر موثوق بأن أعمال التنقيب أفضت إلى الحصول على مقتنيات أثرية متنوعة في الموقع تم نقلها إلى متحف البحرين الوطني.

من جهته، يقول ممثل المنطقة في مجلس النواب النائب السيدعبدالله العالي: «تفاجأ أهالي المنطقة منذ أكثر من 4 أعوام بتغيير مسمى جزء كبير من عالي، وتحديدا الجزء الواقع في الجهة الجنوبية منها، الذي يحوي أكبر عدد من المقابر الملكية الأثرية، وأطلق عليه جري الشيخ وهو اسم لم يكن معروفا ولم يسجل في أية خريطة من الخرائط الطبيعية أو السياسية التي تم تداولها من قبل».

وأضاف العالي أن «الزحف العمراني امتد إلى الأراضي الأثرية ذات التلال المعروفة بتلال عالي، من دون تحديد معالم طبيعية لمواقع هذه التلال، في الوقت الذي كان الأهالي يحرمون من طلب أية قطعة سكنية لا تزيد مساحتها على 3 آلاف قدم مربع بحجة وجود الآثار فيها أو وقوعها في المنطقة الأثرية. بينما وهب عدد من الأشخاص جزءا واسعا من الأراضي الأثرية، ولم يعرف حتى الآن ما إذا كانت هناك أراضٍ عامة في عالي»، لافتا إلى أنه خاطب وزارة الإعلام عندما كان عضوا في المجلس البلدي من أجل الحصول على مخطط الأراضي الأثرية، غير أنه لم يوفق في ذلك.

ولم يكن المجلس البلدي للمنطقة الوسطى في دورته الأولى ببعيد عما تشهده قبور عالي من عملية تجريف، إذ تحرّك المجلس عبر القنوات الرسمية كما نظم اعتصاما احتجاجيا على تمليك الأراضي الأثرية لمتنفذين، ورفع المجلس مطالبات بتحديد الأراضي العامة والخاصة، عوضا عن تلقي المجلس البلدي وعودا بإقامة عدد من المتاحف المفتوحة التي تسجل تاريخ آثار المنطقة، لكن ذلك لم يتم حتى الآن.

إلى ذلك، قال العالي: «إن استمرار الجرافات في تجريف التلال الأثرية تباعا وتشييد المباني الخرسانية عليها، من دون حسيب أو رقيب، يستدعي أن يتحرك النواب لضرورة إيقاف هذا التعدي الصارخ على تاريخ وتراث البحرين».

وأشار العالي إلى أن «الفريق المشترك بين البلديين والنيابيين في كتلة الوفاق، والمكلف بملف الأراضي والسواحل، يعكف على دراسة التعديات التي تتعرض لها الأراضي الأثرية، سواء في عالي أو غيرها، ومعرفة حيثيات تمليكها، وضرورة وضع ضوابط للسيطرة عليها».

وسبق للعالي أن تقدم باقتراح قانون للمحافظة على الأراضي الأثرية ومنع التعدي عليها، وتمت إحالته إلى لجنة الشئون التشريعية والقانونية بكتلة «الوفاق» لدراسته والاطلاع على مختلف الأنظمة والقوانين المنظمة للتعامل مع الأراضي الأثرية وتسجيلها وتوثيقها محليا وعالميا، ومن المؤمل أن يطرح الاقتراح في بداية دور الانعقاد الثاني.

من جانب آخر، ناشد العالي وزارة الإعلام «سرعة التحرك لمنع التعدي على الأراضي الأثرية، واستعادة ما يمكن استملاكه منها، وتحويطها، واستثمارها سياحيا بما يعود على الممكلة وشعبها بالصالح العام».

في السياق ذاته، قال وكيل وزارة الإعلام (سابقا) عبدالحسن بوحسيّن إنه حتى العام 1999 كانت أجزاء من قبور عالي الأثرية توهب كقسائم سكنية.

وأوضح بوحسيّن أن «القبور الأثرية نوعان في الجنبية وعالي، والنوعية الموجودة في الجنبية على شكل متشابك ولا يمكن إزالتها، لأنها فريدة من نوعها في البحرين والمنطقة، كما أنها تحمل مدلولات تاريخية كبيرة، بالإضافة إلى أن هناك مقابر جماعية مثل الموجودة في عالي وبعضها على شكل غرف، وبعضها اكتشف في سار على هيئة مساكن قديمة».

ووجه بوحسيّن سؤالا إلى المعنيين في وزارة الإعلام، طالبا منهم الكشف عن القبور الأثرية التي أزيلت وتم البناء عليها، والمساحات الباقية منها.

وأوضح بوحسيّن أن «وزارة الأشغال والإسكان كانت تمنح بعض القبور الأثرية هبات أراضٍ، من دون التنسيق مع وزارة الإعلام، غير أن وزارة الإعلام لم تعطِ تصريحا للبناء في تلك الفترة».

وقال بوحسيّن: «عندما كنت وكيلا لوزارة الإعلام خاطبت وكيل الإسكان آنذاك، وطلبت عدم اعتماد المواقع الأثرية أراضي يمكن وهبها إلا بعد التأكد من قيمتها الأثرية، ورد الوكيل بأن هناك بعض الأمور خارجة عن سلطة الوزارة».

وشدد بوحسيّن على ضرورة احترام القانون، وقال: «لا يجوز التجرد من المسئولية وكسر قوانين الدولة، لا يجوز المبالغة في الاستثناءات، والمبالغة في عدم تطبيق القانون من قبل بعض الجهات الرسمية، التي أوكلت إليها مهمة متابعة تطبيق القانون».

العدد 1839 - الثلثاء 18 سبتمبر 2007م الموافق 06 رمضان 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً