لقب واحد يحتاجه الفرنسيون لكي يعادلوا الرقم القياسي الذي تحمله ألمانيا في عدد مرات الفوز بلقب كاس أوروبا (3 مرات)، لكنهم سيخوضون لأول مرة منذ العام 1996 بطولة كبيرة من دون الأسطورة زين الدين زيدان المعتزل بعد نهائي مونديال 2006 الذي ودعه ببطاقة حمراء اثر «نطحته» الشهيرة في صدر مدافع ايطاليا ماركو ماتيراتزي.
استهل «الديوك» مشوارهم مع الذهب الأوروبي العام 1984 على أرضهم بفريق ناري تزعمه رئيس الاتحاد الأوروبي الحالي ميشال بلاتيني إلى جانب ألان جيريس وجان تيغانا وجان فرنانديز الذين انتقلوا للتدريب لاحقا.
انتظر الفرنسيون حتى قدوم ثاني العمالقة زيدان لكي يضيفوا كأسا أخرى العام 2000 بمساعدة من تييري هنري ودافيد تريزيغيه وكلود ماكيليلي وليليان تورام وباتريك فييرا الذين يشكلون حاليا العمود الفقري للزرق باستثناء تريزيغيه الذي استبعده المدرب ريمون دومينيك على رغم انه سجل 20 هدفا مع ناديه يوفنتوس هذا الموسم.
يدافع دومينيك عن استبعاد تريزيغيه بأنه ليس مفترضا استدعاء هدافي البطولات لكي يكونوا في التشكيلة، «في مونديال 2002، كنا نملك هدافي الدوري الايطالي والانجليزي والفرنسي ولم نسجل هدفا واحدا (في 3 مباريات). فالمنتخب ليس سلة أرقام، نحن بحاجة للتماسك والتكامل بين اللاعبين، لذا فغياب احد اللاعبين البديهيين على حساب لاعب آخر اقل نجومية يخدم المجموعة هو أمر عادي بالنسبة لي».
مفاجأتا دومينيك كانتا إبعاد حارس باريس سان جيرمان ميكايل لاندرو الذي رافقه من منتخب الشباب، والذي دفع ثمن هفواته أمام اسكتلندا إيابا في التصفيات وأمام المغرب وديا، لمصلحة حارس مرسيليا الشاب ستيف مانداندا، غير أن الحارس الأساسي سيكون المخضرم غريغوري كوبيه (35 عاما) المتوج بلقب سابع على التوالي مع ليون في الدوري المحلي، والذي أعلن انه سيتركه بعد 12 سنة أمضاها في صفوفه ليفتح صفحة جديدة في مسيرته وخصوصا مع «الديوك» بعد أن مل الجلوس بديلا لفابيان بارتيز.
وفي ظل إصرار دومينيك على رمي ورقة تريزيغيه، لعب ورقة مهاجم سانت إتيان بافيتيمبي غوميس (22 عاما) في تشكيلته الموسعة، بيد أن الأخير فاجأ الكل وبمن فيهم دومينيك عندما سجل في أولى مبارياته الدولية هدفين خياليين في مرمى الإكوادور وديا ليسرق مركزا في اللائحة النهائية بدلا من «المنحوس» جيبريل سيسيه (37 مباراة دولية) الذي دفع ثمن صيامه عن التسجيل مع فرنسا في السنتين الأخيرتين، ليغيب مجددا عن بطولة كبيرة بعدما كان موقوفا في أوروبا 2004، وحرمته إصابة قوية من المشاركة في مونديال 2006.
ومن الأسماء التي أقصيت عن بعثة المنتخب المعسكرة تحضيرا للبطولة، المدافعان جوليان اسكوديه وفيليب ميكسيس ولاعبو الوسط الو ديارا ولاعب ميلان الايطالي الجديد ماتيو فلاميني وحاتم بن عرفة.
صحيح أن فرنسا تأهلت عن مجموعة قوية ضمت ايطاليا لكن وقوعها مرتين في فخ الخسارة أمام اسكتلندا جعلها تنتظر الجولات الأخيرة لكي تضمن تأهلها إلى النمسا وسويسرا وتكون من بين ابرز المرشحين لإحراز اللقب بعد أن طعم دومينيك تشكيلته بلاعبين شبان وخصوصا في خطي الوسط والهجوم مثل لاعب مرسيليا سمير نصري وهداف الدوري مع ليون كريم بنزيمة وغوميس السنغالي الأصل.
ستلتقي فرنسا مع ايطاليا مرة جديدة بعد نهائي المونديال الأخير ومواجهتي التصفيات، ولن يكون الطليان العقبة الوحيدة أمام تأهل الفرنسيين إلى ربع النهائي إذ سيقابلون هولندا المرشحة الدائمة (13 يونيو/ حزيران) ورومانيا صاحبة النتائج الثابتة في التصفيات (17 يونيو).
ويعتبر دومينيك الذي يكمل عامه الرابع على رأس المنتخب الأزرق أن «أفضل طريقة للتحضير لكأس العالم 2010 هي الفوز في كأس أوروبا 2008»، هكذا وعلى المدى البعيد يعمل المدرب الفرنسي الذي أصبحت قراراته اللامنطقية بنظر البعض تهضم بصعوبة أقل من الجماهير بعد أن قاد فرنسا إلى نهائي مونديال 2006 الذي دخلته غير مرشحة غير أنها أقصت البرازيل وسقطت في ركلات الترجيح أمام ايطاليا.
«المستبد» دومينيك يسعى للفوز في أكثر اللحظات أهمية
مساء الحادي عشر من يوليو/ تموز 2004 عاش ريمون دومينيك لحظات لن ينساها في حياته، قرينته الصحافية ايستيل دوني أنجبت له طفلته الأولى «فيكتور» (انتصار)، وتبلغ في الليلة ذاتها خبر تعيينه مدربا للمنتخب الفرنسي الأول لكرة القدم لينطلق مشواره مع «الديوك» خلفا لجاك سانتيني الذي خيب الآمال في كأس أوروبا 2004.
بعد سنتين من النجاح الذي حققه مع منتخب فرنسا بإيصالها إلى نهائي مونديال ألمانيا 2006، لم يعد الفرنسيون ينظرون بحذر وارتياب إلى المدرب دومينيك فأصبح الأخير يتحدث من موقع قوة على رغم قرارات صاخبة اتخذها في اختياره تشكيلة اللاعبين المشاركة في كأس أوروبا 2008.
لم يتردد دومينيك بعد قدومه العام 2004 في اتخاذ قرارات مدوية خصوصا اثر مسيرة متذبذبة في تصفيات مونديال 2006 جعلته يعيد استدعاء المعتزلين زين الدين زيدان وليليان تورام وكلود ماكيليلي لإنقاذ فرنسا، فكان له ما أراد وتأهلت فرنسا من دون أن تكون مرشحة للفوز إلى النهائيات إذ حققت مفاجآت كبرى منها إخراج البرازيل البطلة الخماسية قبل أن تسقط بركلات الترجيح في النهائي أمام ايطاليا.
خرج دومينيك قويا من المونديال، ماحيا صورة المدرب الضعيف الخالي سجله من الألقاب، وتابع مشواره بنجاح في بداية التصفيات عندما أسقط أبطال العالم 3/1 بضربة معلم معتمدا على سيدني غوفو الذي سجل ثنائية، وقاد الفرنسيين بنجاح إلى النمسا وسويسرا على رغم إخفاقين أمام اسكتلندا وضعتا بلاده في موقف حرج حتى ختام التصفيات التي احتلوا فيها مركز الوصيف خلف إيطاليا، ليصبح أول مدرب يقود فرنسا من التصفيات إلى بطولتين كبيرتين على التوالي.
لقد عاش دومينيك (56 عاما) دوامة المواجهة الايطالية في السنتين الأخيرتين، فبعد نهائي المونديال ومواجهتين في التصفيات، ها هو يعود لمقابلة الـ»سكوادرا اتسورا» في ختام الدور الأول من المجموعة الثالثة الحديدية يوم السابع عشر من يونيو/ حزيران المقبل في مدينة زيوريخ السويسرية بعد مواجهتي رومانيا وهولندا. لم يقتصر صراع دومينيك-ايطاليا على الجانب الرياضي فقط، بل تخطاه ليدخل في مجال الاستفزاز المتبادل أو التصاريح الخارجة عن السيطرة، فاتهم الطليان مرة بـ»شراء حكم المباراة» في لقاء بين منتخبي فرنسا وايطاليا للشباب العام 1999، ما استدعى ردا قاسيا عليه من جيرانه الايطاليين وإيقافا سريعا من الاتحاد الأوروبي له في مباراة الإياب في ميلانو.
لكن مرة جديدة ومن مدرجات المنصة الرئيسية قام المدرب الشائب بإشراك لاسانا ديارا في مركز الظهير الأيمن بدلا من ويلي سانيول المصاب، فأبدع الأول وساهم في تحقيق نقطة ثمينة للفرنسيين (صفر/ صفر).
اكتسب دومينيك أثناء عمله مع منتخب الشباب لمدة طويلة (1993-2004) خبرة كبيرة مع الأسماء التي أصبحت العمود الفقري للمنتخب الأول مستفيدا من علاقته مع «والده الروحي» ايميه جاكيه الذي قاد فرنسا لإحراز لقبها الوحيد في المونديال العام 1998.
زج دومينيك بأسماء شابة في المنتخب الأول «الختيار» فهو من سمى كريم بنزيمة وجيريمي تولالان وسمير نصري ولاسانا ديارا وفرانسوا كلير الذين سيشاركون في أوروبا 2008، في حين لم تكن لائحة الـ23 كافية لحاتم بن عرفة وباكاري سانيا وابوديابي وماتيو فلاميني وجبريل سيسيه.
لم يكن دومينيك محبوبا من معظم اللاعبين أو الإعلاميين ففي جانب من شخصيته يمتاز بانطوائية سلبية أحيانا، كان أهم ضحاياها هداف نادي يوفنتوس تورينو الايطالي دافيد تريزيغيه المرعب مع فريقه والهزيل مع الـ»زرق»، فاستبعده المدرب «المستبد» حتى من التشكيلة الأولية، معيدا بذلك ذكرى معلمه جاكيه الذي استبعد اريك كانتونا ودافيد جينولا في العقد الماضي.
صحيح أن خبرة دومينيك مع منتخب الشباب غنية، لكنه لم يكن نجما كبيرا في منتخب بلاده عندما كان لاعبا فلبس قميص فرنسا 8 مرات فقط وأحرز كأس فرنسا (1973) مع نادي مدينته ليون، إذ كان يشارك في مركز الظهير ويعرف بـ»مكسر السيقان» نظرا لشراسته الدفاعية وعدم شفقته على المهاجمين، ثم أحرز لقب الدوري مع ستراسبورغ (1979) وبوردو (1984).
محطة أوروبا 2008 ستكون أساسية لدومينيك إذا ما أراد اللحاق بأهم المدربين في تاريخ فرنسا مثل جاكيه وميشال هيدالغو وروجيه لومير.
«خليفة زيدان» ريبيري قلب الفرنسيين النابض
أمضى الفرنسي فرانك ريبيري موسما رائعا مع ناديه بايرن ميونيخ الألماني لدرجة أطلق عليه الجمهور البافاري لقب «القيصر فرانك» الغالي على قلوبهم والعالق في أذهانهم منذ الأيام الذهبية للقيصر فرانتس بكنباور.
قبل قدومه إلى بايرن لم يحرز فرانك سوى لقب يتيم في كأس تركيا مع غلطة سراي، لكنه تمكن بمشاركة زملائه الايطالي لوكا طوني والألماني ميروسلاف كلوزه والحارس اوليفر كان وغيرهم، من إحراز ثلاثية محلية تمثلت في درع الدوري وكأس ألمانيا وكأس الأندية المحترفة، لكن فرحة ريبيري لم تكتمل فذاق مر الخسارة مع بايرن الذي سقط سقوطا مريعا في نصف نهائي كأس الاتحاد الأوروبي أمام زينيت الروسي (صفر/4) إيابا، فقال عن الخسارة حديثا «لا تزال عالقة في حلقي».
تفجرت طاقة ريبيري منذ 3 سنوات بعدما سطر أداء خارقا مع نادي الجنوب الفرنسي مرسيليا، فاستدعي لخوض مونديال 2006 مع منتخب فرنسا ولم يكن في رصيده أية مباراة دولية، فحقق ما هو مطلوب منه وأكثر، وكان الرجل المركزي في وصول فرنسا إلى النهائي إذ خسرت أمام ايطاليا بركلات الترجيح.
مسيرة ريبيري الاحترافية تلفت الانتباه في غرابتها، فبعد سنتين على خوضه بطولة الدرجة الثالثة في فرنسا أصبح نجم مرسيليا الأول قادما من غلطة سراي التركي، إذ سطر ملاحم كروية لا تنسى، بطريقة لعبه المتفجرة وانطلاقاته الصاروخية التي لا تقاوم.
ولد ريبيري العام 1983 في «بولوني سور مير» في كنف عائلة فقيرة وكاد يفقد الحياة في حادث سير، لا يزال محفورا في الجهة اليمنى من وجهه المهشم جراء خروجه من زجاج السيارة.
كان سلوك ريبيري سيئا للغاية في مراهقته، فطرد من نادي ليل العام 1999، ليجرب حظه مع ناديي أليس وبرست المتواضعين إلى أن استهل مشواره في الدرجة الأولى مع متز العام 2004.
لم يمكث فرانك طويلا مع نادي إقليم اللورين، فعلى رغم موهبته المتفتحة غادر في فترة الانتقالات الشتوية إلى تركيا لكن تأخر نادي غلطة سراي في دفع مستحقاته المالية أعاده العام 2005 إلى فرنسا ولكن هذه المرة إلى ناد كبير وهو مرسيليا.
ألهب ريبيري حماس جمهور ملعب الـ»فيلودروم» في مناسبات عدة، وكاد ينسيهم العاجي ديدييه دروغبا المنتقل إلى تشلسي الانجليزي، حتى وصلت محطة المونديال التي كانت منعطفا حادا في مسيرة المشاغب الصغير.
كأس أوروبا 2008 هي ثاني أكبر مهرجان كروي يشارك فيه فرانك بعد كأس العالم، لكن هذه المرة لن يكون الجوكر الإضافي إلى جانب زيدان وباقي المخضرمين، بل سيكون نجم الفريق الذي سيعتمد عليه الفرنسيون ليحققوا بطولة أوروبية ثالثة يعادلوا بها الرقم القياسي الذي يحمله الألمان.
يمتاز فرانك (25 عاما) بروح مرحة جعلته معبود جماهير ملعب «اليانز أرينا» ودفعت بكنباور لوصفه بـ»نعمة الفريق»، فبعد سهام انتقادات الحارس اوليفر كان التي اصابته بداية الموسم وزميله طوني، تحول ريبيري إلى مهرج غرف الملابس وفرحة البايرن والهدف المنشود لبرامج التلفزيون وأستاذ المقالب المضحكة، منها عندما وقف مرة في واجهة أحد المتاجر ومثل دور العارض، فكلما وقف أحد المارة أمام الواجهة كان يتحرك فجأة ويرعبه بحركات كوميدية فريدة.
دخل ريبيري باب المنتخب الفرنسي في المونديال الأخير في ظل وجود عمالقة كبار كان يحلم أن يقف إلى جانبهم في يوم من الأيام مثل الأسطورة زين الدين زيدان، فاثبت علو كعبه، ليصبح اليوم «زعيم المنتخب» بعد 25 مباراة دولية سجل فيها 3 أهداف، ولم يعد خائفا من تنفيذ ركلات الجزاء حتى على طريقة «بانينكا» التي تظهر ثقة عالية في النفس.
يجيد ريبيري اللعب في مركزي الجناح الأيمن والأيسر، كما استعمله المدرب دومينيك ليكون اللاعب الأقرب إلى المهاجم في تشكيلة 4-2-3-1 في مباراة ايطاليا الأولى ضمن التصفيات، ثم في مقدمة خط الوسط عندما كان يلعب بمهاجمين.
ويقول دومينيك عن ريبيري: «أينما وضعت فرانك فهو يتأقلم بسرعة ويربك مدافعي الخصم، ويدفع الكرة نحو المنطقة بسرعة وتقنية عالية».
ريبيري باختصار قلب المنتخب النابض على رغم وفرة المواهب في الأزرق وهو دون شك بثقله الذهني وقدراته البدنية الهائلة دخل قلوب الفرنسيين بسرعة وباتت الآمال عليه كبيرة جدا وبلا ريب من يعرفه يدرك أنه يمتلك طاقات القيادة بامتياز كيف لا وهو شعلة متقدة تجوب الأخضر بلا كلل.
العدد 2095 - السبت 31 مايو 2008م الموافق 25 جمادى الأولى 1429هـ