مرة أخرى تصطدم الولايات المتحدة الأميركية مع الدول الأوروبية ودول العالم الأخرى بخصوص موضوع محكمة الجنايات الدوليّة، ففي يوم الخميس الماضي11 يونيو/حزيران جددت واشنطن مطالبها بتضمين اتفاقية محكمة الجنايات الدولية مواد تمنع أي طرف من مقاضاة الجنود الاميركان بتهمة جرائم حرب عندما يكون هؤلاء الجنود خارج الولايات المتحدة ويمارسون أعمالا كالتي شهدها العالم خلال السنوات الماضية.
والطرح الأميركي المعروض على مجلس الأمن هو تمديد فترة سنة أخرى يمنع خلالها تقديم أي جندي أميركي الى المحاكمة بأي تهمة كانت حتى يتم الاتفاق على مواد مقبولة لواشنطن. وعلى رغم أن واشنطن تحظى بتأييد الدول «التابعة» والتي تدور في فلكها خوفا منها أو طمعا فيها فان الدول الأوروبية اجتمعت على أمر آخر يخالف الرغبة الأميركية. وهذا هو السبب الذي دعا واشنطن إلى اتهام الحكومات بأنها تقف خلف محاولات احباط اتفاقيات ثنائية بين الولايات المتحدة والدول الأخرى.
والخطة الأميركية لمواجهة اتفاقية محكمة الجنايات الدولية تتمثل في سعيها حاليا لعقد اتفاقيات ثنائية بينها وبين دول كثيرة في العالم تلتزم كدولة توقع الاتفاق الثنائي بعدم السماح باقامة أي دعوى قضائية ضد الجنود الأميركان.
وقال مسئول أميركي في تقرير نشرت جزءا منه «واشنطن بوست»:«ان ما يقوم به الأوروبيون يعرقل الاصلاحات عبر المحيط الأطلنطي بعد شهور من العلاقات الصعبة بسبب الوضع في العراق».
ويتوقع دبلوماسيون أن القرار الأميركي المعروض على الأمم المتحدة الذي كان قد مرر العام الماضي وسمح بمدة سنة واحدة اعفاء للأميركان ويطالب بالسماح باعفاء لمدة سنة أخرى، قد يفتح الجروح بين واشنطن والدول الأوروبية ولا سيما فرنسا وألمانيا.
فعلى رغم تمكّن الولايات المتحدة من تمرير مثل هذه القرارات فإن فرنسا وألمانيا أعلنتا تحفظهما على مثل هذا الأمر.
وقد كان عدد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الذين ليس لهم مقعد في مجلس الأمن قد دعوا إلى انعقاد مجلس الأمن مع حضور الدول الأعضاء الذين يودّون طرح آرائهم واعتراضهم على تضمين اتفاقية محكمة الجنايات الدولية مادة خاصة تستثني الجنود الأميركان لسنة أخرى.
ومن بين الدول التي تقف أمام أميركا جارتها وحليفتها كندا، التي قال سفيرها في الأمم المتحدة بول هاينبكر: «إننا نرى أن هذه المحكمة في الأساس من أجل محاسبة الطغاة، ومعاقبتهم على جرائمهم»، ولذلك «فإننا نود تسجيل مساندتنا لإقامة المحكمة الدولية» من دون استثناءات.
والمحكمة التي أجلت كثيرا تتخذ من محكمة نيورمبيرغ التي أنشئت في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وحاكمت مرتكبي جرائم الحرب والمذابح الإنسانية مقرا لها.
وقد بدأ انشاء المحكمة في 1998 في روما وبدأت - من الناحية الرسمية - نشاطها في مطلع يوليو /تموز 2002 بعد أن اعتمدتها 90 دولة ووقعت عليها 139 دولة. وكانت الولايات المتحدة قد وقّعت في عهد الرئيس بيل كلينتون إلا أن إدارة بوش سحبت التوقيع. غير أن كل ذلك لن يمنع المحكمة من بدء أعمالها مع نهاية هذا العام عندما تكتمل مؤسساتها.
ومن المتوقع أن تنظر المحكمة في جرائم حرب ومذابح جماعية وتطهير عرقي وتمييز عنصري، وانتهاكات حقوق المواطنين، مثل: التعذيب، القتل خارج القانون وعدم وجود محاكمات... إلخ.
ومن الأمور التي يخافها البعض هو اعتماد المحكمة النظر في جرائم حرب وبالتالي امكان محاكمة الجنود الأميركان الذين ينتشرون في مختلف بقاع العالم. كما أن هناك دولا تخاف من قيام المحكمة بالاستماع لقضايا تتعلق بانتهاكات لحقوق الإنسان داخل حدودها.
فكثير من الدول كانت تحمي نفسها من قوة القانون الدولي من خلال الادعاء بأن لديها سيادة كاملة على أراضيها ومواطنيها. إلا أن المحكمة الدولية تفتح المجال للتدخل في شئون الدول إذا كانت تلك الدول تنتهك حقوق مواطنيها. وعلى رغم أن الجدال ما زال مستمرا فإن قضايا عدّة تنتظر المحكمة الدولية التي يتم تعيين قضاتها ومؤسساتها منذ مطلع هذا العام
العدد 280 - الخميس 12 يونيو 2003م الموافق 11 ربيع الثاني 1424هـ