تعيش «الفيرا الفاريز» في بوليفيا، ومجال عملها الرئيسي هو حقوق الانسان، والمجال الفرعي الذي تركز عليه في حقوق الانسان هو اصلاح السجون، والسجناء هم الذين تركز على خدمة قضاياهم بصورة رئيسية عن طريق منظمة (فيدا نيوفا). ومنذ ذلك العام تطورت مهمتها في هذا المجال حتى اصبحت تنشر الآن برنامجا شاملا يهدف لبناء نموذج لمجتمع تتم فيه مساعدة الفقراء في سجون بوليفيا، وذلك عن طريق استعمالها الاجراءات القضائية واستحداث وسائل جديدة لاصلاح نظام الحبس والسجون.
الفكرة الجديدة
في مواجهة اختناقات وتعسف نظام العدالة في بوليفيا، اذ يعيش الآلاف من الناس ظلما في السجون ومن دون وجه حق قانوني قامت «الفيرا الفاريز» بتطوير عملية من شأنها ان تساعد هؤلاء القابعين في السجون. فنظام الفيرا للاصلاح يتضمن طريقة يشارك فيها السجين بصورة كاملة في الاصلاح، ويتعلم فيها افراد أسر السجناء واصدقاؤهم والمدافعون عنهم كيفية العمل مع بعضهم بعضا لتوفير «العامل الانساني» الضروري لكي تمضي العملية القضائية بصورة عادلة. وهذه الشبكة من المدافعين عن السجناء تتداخل مع البيرقراطية القضائية لتقدم برنامجا داعما للسجناء ويهدف لاصلاح السجين او السجينة.
ان القانون دائما ما يتطلب اعداد برنامج للاصلاح قبل اطلاق سراح السجين. ويجب ان يقدم هذا البرنامج آليات اجراءات الاصلاح.
ويمكن القول ان الملامح المحدد للنموذج الذي تقدمه الفيرا للشخص الذي يحقق في الشكاوى هو ايجاد هياكل التطبيق المطلوبة لملء الفراغ بين القانون وبين من يحتاجون إلى لقدرة على تطبيق القانون. لقد أثرت الفيرا على نظام الاصلاح القضائي على المستوى الوطني في بوليفيا، وعن طريق عملها مع شبكة من المؤسسات المهتمة بهذا الاصلاح، استطاعت ان تنشر نموذجها في بلدان اميركا اللاتينية الاخرى.
المشكلة
عادة ما تتأخر العدالة في بوليفيا ونتيجة ذلك يظل السجناء في الحبس من دون ترتيب أوضاعهم أو محاكمتهم، فبعد ان احتجزت مجموعة (توباك أماريو) رهائن في السفارة اليابانية في البيرو في أواخر العام 1996، احتاج الامر الى تسليط الضوء على هذا الانتهاك الفاضح لحقوق الانسان، وانتشر نموذجه في بلدان اميركا اللاتينية الاخرى. وصدر قانون جديد في بوليفيا، الا ان ذلك القانون لم يحل المشكلة في بوليفيا ولم يحدث غير اثر قليل.
إن الفساد والفقر عاملان يتشاركان في خلق المشكلات وفي معظم الاحوال فإن السجناء الذين يتم استغلالهم هم الاكثر فقرا. فغالبيتهم ليس لديه فهم بحقوق الانسان أو بآليات عمل نظام العدالة، ونتيجة ذلك يشعرون بفقدان الامل. وبينما يدافع محامون نظريا عن هؤلاء السجناء الفقراء، فان الدفاع عنهم لا يحل المشكلة، فالسجناء غالبا ما يتركون وحيدين من قبل اكثر الاشخاص الحريصين على الدفاع عنهم من اسرهم ومن اصدقائهم عند اعتقالهم.
الاستراتيجية
لقد ابتدعت الفيرا سلسلة شاملة من التدخلات التي من شأنها ان تملأ الثغرات وتدفع المسئولين لاستعجال القضايا والنموذج الذي طورته يجيب على الأسئلة الأساسية التي تربط السجين بمجتمعه، وما يجب ان يعمله المحامي، وكيفية اقتراح نظام اصلاح وتنفيذه وكيفية خلق دعم للسجين، عند اطلاق سراحه، وكيف يمكن للسجين ان يضمن عملا عند اطلاق سراحه.
لقد زارت الفيرا السجون في لاباز أي المكان الذي تعمل فيه وتعرفت على سجناء امضوا مددا طويلة من دون محاكمة، وللفيرا ايضا شبكة من رجال الدين والمحامين والعاملين في مجال حقوق الانسان والعاملين في الحقل الاجتماعي وهؤلاء يحيلون اليها سجناء جددا لمساعدتهم كما انها دربت فريقا من المتطوعين الذين يعملون معها. وعلى رغم ان مجموعتها فعالة وحقيقية فإنها ليس لديها اسم وتدريبها ليس مخصص مرخصا قانونا، وقد وجدت الفيرا ان مجموعتها والتدريب الذي تقوم به يساعد عملها باعتبارها تحقق الفيرا في شكاوى السجناء وتحافظ على موقف غير رسمي خارج النظام الرسمي. وتقوم الفيرا بزيارة السجناء اولا في الحبس لكي تعرف متى ولماذا تم اعتقالهم، ومعرفة اسماء اسرهم واصدقائهم ومحاميهم. وبعد ان يتقدم السجين بطلب رسمي للعمل سويا مع السجين تقابل الفيرا المحامي لكي تجد الطرق.
وتذهب الفيرا والمتطوعون الآخرون حيثما تكون هناك ضرورة، وغالبا ما يكون ذلك داخل الريف اذ يتم الاتصال بالاقارب والاصدقاء لكي يساعدوا في تخفيف الشعور بالفضيحة والخوف ولكي يشعرون بأن من يساعدونه هو شخص يحبونه وهو يمكث صابرا في الحبس وبهذا يعملون ويمهدون الطرق للسجين لزيارته وتأمين حريته.
كما ان فريق المتطوعين نفسه ينسق عملية الدفاع ويراقب تطبيق العدالة ويقوم بعمل المواعيد مع المحامي، والقاضي والسكرتارية والمسئولين الآخرين ويدفع لتقدم الاجراءات. كما ان افراد الفريق يجدون الشخص الذي يلتزم بأن يكون ضامنا شخصيا للسجين عند اطلاق سراحه. واذا تطلب الامر، وفي حال الضرورة يعملون لتأمين مبالغ لكفالة السجين. وبهذا فإن اعضاء المجموعة والمتطوعين الذين يعملون مع الفيرا وكذلك الضامن والسجين جميعهم يقومون بتطوير برنامج اصلاح يوافق السجين على المشاركة فيه بعد اطلاق سراحه او سراحها. وبهذا ايضا فإن هذه المجموعة تخلق مجموعات بين السجناء يقومون بمساعدة انفسهم لكي تطور نشاطات منتجة تخلق الشخصية التي تساعد في تأمين الحرية والاندماج في المجتمع. وقد ادت عملية الفيرا التكاملية في مواجهة العدالة الى اطلاق سراح 46 شخصا في سنواتها العشر الاوائل.
بعد اطلاق سراح السجين، تأتي عملية دعم الاصلاح من قبل افراد سبق ان حظوا بمساعدة عمل الفيرا وكذلك من منظمات مثل (دياكونيا)، وهي جماعة تمويل سويدية و(سيباس) وهي جماعة دينية عالمية تقدم الدعم لبعض جماعات الفيرا من المتطوعين وتم انشاء مجموعات من السجناء السابقين لمساعدة بعضهم بعضا وتهيئة الظروف لرجوعهم الى المجتمع والأسرة، كما تم انشاء اعمال تجارية صغيرة لتوفير فرص التوظيف للسجناء الاكثر حاجة وهي الخطوة الرئيسية للاندماج بنجاح في المجتمع. وعادة ما يبدأ السجين العمل عندما لايزال في السجن ويواصل بعد ان يطلق سراحه. وأحد اكثر المؤسسات نجاحا كانت خلق مجموعة من السجناء التي تصنع مزهريات الخزف الصيني وتبيعها في المعارض التي اقيمت في عموم البلاد، وقد عرض عمل هؤلاء السجناء في معرض في لاباز. ومن المخطط له اقامة معرض وطني في السنة المقبلة للتحف التي انتجها السجناء.
نتيجة لما حدث بدأ نظام العدالة المحلي يستجيب لاصلاحات الفيرا. فأسلوبها في الدفاع عن السجناء والذي تميز بنوعه الخالي من التهديد كان نقطة تحول لها تأثير كبير في استراتيجيات المواجهة التي عادة ما يستخدمها المحامون في قضايا حقوق الانسان. فبعد الشكوى التي يقدمها شخص ما يكون قد اكتشف انتهاكا لحقه في العدالة سرعان ما يجد الفيرا معه وهي تقدم الحلول التي يحتاجها. وستكون الاوراق جاهزة للتوقيع وسيتحقق الاصلاح. فخلال العام 1996 تم تعيين وزير عدل جديد في بوليفيا وصمم على تطبيق نص القانون وتخليص سجون بوليفيا من الفساد. وقد اعتمد على مساعدة الفيرا ونشر اعمالها على المستوى الوطني.
وقد سعى قطاع عريض من الاحزاب التي تبني أعمال الفيرا ذات التأثير الكبير على مجمل السجناء وارتبط بالفيرا العاملون في مجال حقوق الانسان لكي تساعدهم في تدريب مدافعين عن حقوق الانسان في مدن اخرى غير لاباز اذ بدأ مشروعها هناك. كما ارتبطت الفيرا بمدافعين عن اصلاح السجون من البيرو، كوبا، كوستاريكا، وتشيلي.
الفيرا
تولد لدى الفيرا اهتمام بحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية منذ ان كانت طفلة صغيرة يافعة. وكان والدها يمتلك مزرعة، وعندما بلغ عمرها ست سنوات لاحظت ان العمال بالمزرعة كانوا يعاملون بقسوة من والدها، كالعبيد، وقد هرب احدهم ولكنهم اصطادوه بواسطة الكلاب، ثم علقوه بالسلاسل في الطابق السفلي ولكن حصلت الفيرا الطفلة على المفاتيح واطلقت سراح الرجل. ومن يومها لم يرها والدها مرة اخرى فقد ابعدت عن عائلتها لتعيش في لاباز!
وباعتبار الفيرا أما صغيرة السن فقد عاشت في (يونجاس) وهي منطقة منخفضة في جنوبي بوليفيا. وهناك مات طفلها لأن الاطباء المحليين لم يعتنوا بالطفل ويهتموا به لأن أسرته لم تستطع ان تدفع قيمة علاجه ومن لحظتها صممت على تطوير عيادات صحية تكون متاحة للجمهور حتى لا تواجه اسر اخرى هذا النوع من المأساة. في العام 1989 كانت الفيرا وزوجها يعملان مع منظمة غير حكومية تهتم بالتغذية والتعليم الصحي، وخلق مراكز للعناية الصحية في منطقة تعدين محلي تبيع ذهبها الى شركة تعدين عالمية.
وهناك رأت الفيرا دليلا على التلوث لمياه الشرب، فنشرت معلومات تفيد ان ممارسات التعدين يجب تغييرها، وهذا ما اغضب كلا من شركة التعدين والاطباء المحليين، فقد اعتاد الاطباء على العلاج مقابل الذهب وغضبوا لأن مرضاهم تحولوا الى مركز الرعاية الصحية الجديد. وعند ذلك اتهمت الفيرا وزوجها بأنهما شيوعيان وهو اتهام خطير في سياق التاريخ البوليفي فوضعا في السجن.
لم تكن لألفيرا صلة بالمحامي العام أو بأسرتها هذا اضافة الى انها كانت في السجن ايضا. وأخيرا وبعد ان احالوها الى سجن النساء، ساعدها محامٍ من جمعية المدافعين عن حقوق الانسان، اذ سريعا ما برهن على براءتها ولكنها بقيت تنتظر ضمان حريتها، وعندما كانت في سجن النساء قامت بتنظيم النساء المتزوجات للالتقاء بأزواجهن من الرجال والسجناء وذلك لكي تظل الاسر موحدة ومتماسكة. وظل السجناء والسجينات يمنحون هذا الحق ويمارسونه وتواصلت الزيارات حتى اطلق سراحها.
بعد ضمان حريتها ركزت الفيرا على صديقاتها وأصدقائها في السجن، وعلى زوجها الذي لايزال في الحبس ثم بدأت توسع دعمها للعمل مع السجناء الفقراء المحرومين، واستخدمت مؤهلاتها الاكاديمية في العملية القانونية وظلت مندفعة برغبة قوية لتحقيق الاصلاح في اطار حقوق الانسان
العدد 280 - الخميس 12 يونيو 2003م الموافق 11 ربيع الثاني 1424هـ