العدد 519 - الجمعة 06 فبراير 2004م الموافق 14 ذي الحجة 1424هـ

تقرير هاتن إهانة للعدالة البريطانية

في سياق الردود العنيفة ضده

في السنوات الأخيرة لجأت الحكومات من كل ألوان الطيف للاعتماد على السلطة القضائية لإخراجها من مآزقها. والسبب هو أن التحقيق القضائي يتمتع بثقة الجمهور. ويُعتبر القضاة البريطانيون من بين أفضل القضاة في العالم، والدليل استدعاؤهم في أحيان كثيرة لحل نزاعات دولية أو لترؤس محاكم جرائم الحرب.

وعندما يقع حكم ضد أحد الأطراف، نادرا ما يشتكي ذلك الطرف الخاسر من أن القاضي كان متحيزا أو انه لا يمتلك القدرات العقلية لكي يبت في القضية. وهو بالذات ما جعل الضجة الجماهيرية بشأن نتائج تحقيق اللورد هاتن ضد الـ «بي. بي. سي» استثنائية للغاية. لكن استطلاعات صحيفة «الاندبندنت» أظهرت بوضوح أنه بعد أسابيع من الأدلة - كلها متاح بحرية على شبكة الانترنت - يعتقد الجمهور البريطاني ان هناك فشلا جديا للعدالة، أو حتى تضليلا تمت ممارسته على نحو واسع. وهو ما لم يكن من المفترض أن يكون.

في الصيف الماضي، عندما طلب طوني بلير أولا من اللورد هاتن ان يترأس التحقيق والتقصي في الظروف التي أحاطت بموت ديفيد كيلي، لم يكن هناك غير قلة ممن راودهم الشك في أن عضو مجلس اللوردات هو الرجل المناسب للقيام بهذا العمل، فهو في الحقيقة شخصية قانونية من بلفاست صقلت سيرتها المهنية القضائية في البوتقة الايرلندية الشمالية، ما يساعد في تقوية صدقيته كمحكم مستقل للحق.

والتحق بريان هاتن بمدرسة انجليزية عامة، وبعدها دخل اكسفورد. كان عمله الأول كمحام يتمثل في الادعاء للسلطة الملكية، بعد ذلك عمل لدى السلطات في ايرلندا الشمالية تحت حكومة ستورمونت المثيرة للجدل، وهناك أصبح خبيرا في قضايا الموظفين الحكوميين والسياسيين. وعين لاحقا قاضيا بالمحكمة العليا ومن ثم نصب لوردا رئيسيا للعدالة في ايرلندا الشمالية. مثل هذه السيرة المهنية تجعل من دون شك اللورد هاتن خبيرا في القضايا الحكومية.

وأظهر هاتن ما يدل على عقل مستقل، مثل رفضه الاستئناف من قبل الجندي لي كليج، المتهم بقتل امرأة في سيارة، وهكذا كانت هناك آمال كبيرة في أنه يتمكن من تسليط ضوء قوي في طرق العمل الداخلي لأجهزة الاعلام والحكومة بشأن وفاة ديفيد كيلي. لكن يبدو انه من خلال سيرته القانونية الطويلة والمتميزة التي تغطي نصف قرن، طوّر هاتن احتراما أكثر من اللازم للسلطات الحكومية، وضعف ثقة كبير بأجهزة الاعلام، لأن من الواضح ان تقريره المرتكز على حقيقة أن الاعتماد على عالم الصحافي أقل من عالم الوزير... يعكس هذا الفكر. وبتصرفه هذا، يكون هاتن أحدث تأثيرا مدمرا حتميا على ثقة الجمهور بالتحقيقات القضائية في المستقبل. ويأتي ذلك عندما يصبح القضاة في أعقاب التعديلات الدستورية المستمرة، أكثر تسييسا.

ويأتي التحول في وقت، يستعد فيه قضاة سواء كانوا شخصيات ليبرالية مثل اللورد دولف أو أعضاء محافظين في السلطة القضائية مثل اللورد بينجهام للدفاع عن مصالح المواطن ضد سطوة الحكومة. ومن المحزن أن يتم عرقلة جهودهم بسبب مستجدات الاسبوع الأخير. فمن المحتم أن تقرير هاتن الأحادي الجانب أدى الى رد فعل قوي، وأحس كثير من المواطنين ان هذا التحقيق كان اهانة للعدالة الطبيعية، ومن المحزن ان يكونوا صائبين فيما ذهبوا إليه

العدد 519 - الجمعة 06 فبراير 2004م الموافق 14 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً