العدد 1078 - الخميس 18 أغسطس 2005م الموافق 13 رجب 1426هـ

إعادة قراءة الإسلام لتصحيح صورة المسلمين

في ندوة "الإسلام من منظورنا ومن منظور الآخرين"

تعتبر ندوة "الإسلام من منظورنا ومن منظور الآخرين" ثاني أهم ندوة من حيث الأهمية تشهدها جامعة المعتمد بن عباد الصيفية المنظمة على هامش مهرجان أصيلة الدولي ،27 بعد تلك التي افتتحت بها أشغالها وخصصت للمستقبل الإفريقي.

في اليوم الأول من الندوة التي استمرت أشغالها لثلاثة أيام والتي ترأس جلستها الأولى نائب رئيس تحرير يومية "الحياة" الصادرة في لندن اللبناني عبد الوهاب بدرخان، تمحورت الأسئلة عن كيفية نظر المسلمين أنفسهم للدين الإسلامي، وهل هناك إسلام واحد أم إسلامات متعددة، وما هي الاختلافات التي تطبع المسلمين عبر جغرافيا العالم.

خلال افتتاحه لأشغال الندوة أكد أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة ووزير خارجية المغرب محمد بن عيسى أن اختيار هذا الموضوع كان ضروريا، خصوصا في الظرفية الحالية التي يتعرض فيها الإسلام والمسلمون إلى تطاولات وحيف وظلم حقيقي في التناول، مبرزا أن المقصود من اللقاء التوصل إلى بلورة صورة مغايرة عن الإسلام عبر حوار صادق وشفاف، معتبرا أن إيصال صورة صادقة عن الإسلام يتعين ألا تنحصر في أبعادها السياسية والاجتماعية بل حتى الثقافية واستحضار الإبداعات التي ساهمت بها الشعوب الإسلامية في تطور الإنسانية كالموسيقى التي ازدهرت بفعل الحضارة العربية والإسلامية منذ القرون الوسطى.

وخلال تدخله ذكر مدير معهد الدراسات الإسلامية بدلهي الجديدة الأكاديمي الهندي أصغر علي أنجنير أن الحوار بات ضرورة في هذا الظرف المفعم بـ "سوء التفاهم" بين المسلمين والآخر في جميع أنحاء العالم، مبرزا حال بلاده، إذ يبلغ عدد المسلمين 140 مليون شخص يعيشون كأقلية إلى جانب غالبية تعتنق ديانات أخرى وتنتمي إلى ملل أخرى وتمارس ضغوط كثيرة عليهم، مشيرا إلى أن المسلمين في الهند يعتنقون المذهب الحنفي "غير القابل للتغيير" بفعل انغلاق مفاهيمه غير القابلة للنقاش، ويعيشون كفئة تعاني من مختلف صنوف التهميش والفقر والأمية ولا تجد ما يكفي من التضامن، وخصوصا هي تعيش ظروفا قاسية مع القوانين وسلوك بعيدة كل البعد عن الإسلام، مستشهدا في ذلك بأن الغالبية من الهنود يمارسون حقهم في تعدد الزوجات وفي الطلاق بناء على ما تنص عليه الشريعة، من دون أي إمكان لفتح باب الاجتهاد والنقاش ومواكبة التطورات الحاصلة ليس في العالم الغربي فقط، بل حتى داخل المجتمعات الإسلامية نفسها.

أستاذ الفلسفة في جامعة دمشق السورية الطيب تيزيني فضل خلال مداخلته تحدث عن مفهوم الوسطية في الإسلام كمصطلح وجد منذ القدم، معتبرا أن هذا المفهوم مستلهم من التراث الإسلامي الذي يمتلك الكثير من أبعاد الوسطية في الحياة وفي الدين، إذ ان الوسطية حكم وجود يقوم على قطعية موضوعية نسبية تعبر عن وقائع موجودة في المجتمع، وأنها أمر قائم في العلاقات الإنسانية التي تحتكم إلى مستويات تعليمية وقيادية واجتماعية، ومصطلح قيمي يأخذ بوسائط الأمور التي تعبر عن أمة أو طبقة وعن العقد الاجتماعي في إطار وحدة اجتماعية تتأسس على الاختلاف ولا تخلو من صراع فكري وايديولوجي لكن ترفض التطرف المتشدد.

أبرز المداخلات والتي شكلت صدمة للحضور كانت بلغة فرنسية راقية وكانت من تقديم الباحث المغربي الشاب رشيد بن الزين المقيم في فرنسا، فبلباس عصري مشكل من "جينز وتيشورت" أكد بن الزين ضرورة ضبط المفاهيم المتعلقة بالإسلام وتحديدها للكشف عن الظواهر المعقدة في مختلف المجتمعات الإسلامية وفهم أوضاعها وفق متطلبات الامكان، مع استيعاب الخطاب الديني الذي يقترح نمطا وجوديا للإنسان، مشيرا إلى أن المسلمين ينتظرهم القيام بعمل تاريخي لمعرفة كل أسباب نزول السور القرآنية بشكل معمق واكتشاف ما وراء الخطاب الإسلامي الحالي وخصوصا أن مجموعات مسلمة متعددة استعملت هذا الخطاب لأغراض ايديولوجية انطلاقا من جماعة الإخوان المسلمين في الشرق العربي وصولا إلى جماعة بن لادن والظواهري.

الباحث المغربي اعتبر أن المسلمين عبر التاريخ قاموا بقراءات مجزءة ومختارة واستخلصوا الأحكام من آيات بعينها، ما جعلها لا تجيب على كل الأسئلة المقلقة حاليا، وهو ما مكن بالتالي جماعات من السيطرة على المفاهيم الدينية وتقديمها بحسب رؤيتها الخاصة كما وقع بالنسبة إلى قضايا المرأة، معتبرا أن المسلمين بحاجة إلى قراءة جديدة للنص القرآني والحديث وتوضيح إطاره الفلسفي بشكل جماعي، باختصار يرى رشيد بن الزين يجب فتح باب طال إغلاقه وهو باب الاجتهاد.

مداخلة أخرى كانت صادمة، لكنها لاقت تجاوبا من قبل الحضور، يتعلق الأمر بمداخلة الكاتب الصحافي الكويتي أحمد الربيعي، الذي كانت مداخلته مستنسخة من مواقفه المعلنة في كتاباته، إذ حث الحضور على ضرورة تجاوز نظرية التآمر، معتبرا أن من تآمر على الإسلام وعلى المسلمين وفي مقدمتهم العرب هم قادة المسلمين الذين وصلوا إلى الحكم على دباباتهم تحت ذريعة مواجهة الصهيونية والإمبريالية وتحرير فلسطين، في حين أنهم كانوا يفتقدون لأية برامج تنموية وإصلاحية اللهم إلا البقاء في الحكم إلى أن يشاء رب العالمين.

أما في ما يخص الطرف الآخر ممثلا في الغرب، فإن الربيعي اعتبر أن المواقف الغربية ضد العالم العربي والإسلامي هي من قبيل الدفاع عن مصالحهم، وبالتالي فمن مصالحهم أن يبقى الوضع متخلفا في العالمين العربي والإسلامي.

انتقادات الربيعي تطرقت أيضا إلى الموقف العربي الرسمي والشعبي الذي وصفه بالنفاق، وقال، "ظل العرب خلال الأشهر الأخيرة يتفرجون على معاناة شعب دارفور غرب السودان، من دون أن يرف لهم جفن وهم يرون المئات من السودانيين يتساقطون ضحايا للمجاعة وللاقتتال الداخلي"، معتبرا أن لو قدر وأن تدخلت الولايات المتحدة الأميركية ولو بجندي واحد لقامت قائمة العرب معتبرين أن الأمر يتعلق باحتلال وبحرب صليبية.

من بين المتدخلين، كان وزير خارجية مصر السابق أحمد ماهر الذي اعتبر أن المشكلة لا تكمن في الإسلام بل في المسلمين أنفسهم وفي الصورة السلبية التي يعكسونها لدى الآخر، معتبرا أن لا المسلمين ولا الآخر براء مما يحصل من صراعات وأن الكل يتحمل مسئولية هذه الصراعات التي تميز العصر، معتبرا أن الإسلام الذي هو دين صالح لكل الأزمان يجب أن يؤقلمه المسلمون مع روح العصر والحد من الإفتاء في أمور الدين الشكلية "التافهة على حد تعبيره" من دون الوصول إلى جوهر وكنه ما تواجهه الأمة الإسلامية، مبرزا أن سلوك المسلمين يظل المقياس الذي يحكم من خلاله الآخر عليهم.

تدخل وزير الثقافة اللبناني السابق والمحلل السياسي المعروف غسان سلامة، بدأت بتذكر المئوية الأولى لرحيل العلامة محمد عبده رائد الحركة التنويرية في العالم العربي، معتبرا أن الأخير يجب أن يستلهم توجهه من دعوات محمد عبدو قبل أكثر من قرن من الزمن، ما يدل على أن العرب بدل أن يتقدموا فكريا إلى الأمام تقهقروا إلى الخلف وهو ما يتعارض مع دعوة الإسلام التي نص أول ما نزل منه في القرآن الكريم إلى الدعوة نحو العلم عبر الأمر بـ "اقرأ" وفق ما جاء في مداخلة السفير السنغالي بالرباط.

التدخل الأخير كان بتوقيع المدير العام لمنظمة الإيسيسكو عبدالعزيز بن عثمان التويجري الذي بدأ مداخلته بمعارضته لما أسماه البعض بالإسلام النفطي، معتبرا أن الإسلام واحد، وأنه ليس هناك اسلام زراعي وآخر نفطي وثالث خشبي، معتبرا أن هناك جهات في الغرب تريد إلصاق الكثير من التهم بالإسلام لها أهداف معينة على رغم تجدد الإسلام المستمر وصلاحيته لكل زمان ومكان، إلا ان المسلمين يستعيدون اجتهادات قديمة ويحاولون فرضها في الوقت الراهن.

بعد ذلك فتح باب النقاش مع الجمهور الذي غصت به قاعة الندوات الرئيسية بمركز الحسن الثاني للملتقيات، والتي عبر معظمها عن القناعة بضرورة الكشف عن مكامن الخلل في علاقة المسلمين بالآخر وخصوصا أن الانخراط في عصر العولمة يتطلب حوارا بين المسلمين أنفسهم وبين الآخر ووضع اليد على المشكلات الحقيقية التي أنبتت إسلاما متطرفا يسيء للمسلمين ولمصالحهم وحياتهم ووضعهم على خريطة العالم الإنساني

العدد 1078 - الخميس 18 أغسطس 2005م الموافق 13 رجب 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً