نسيمها يفوح منه عبق الماضي الذي لايزال يحتفظ ببعض معالمه. .. قرية عرف أهلها بصناعة النسيج، وورث سكانها حب العمل والتآخي فتولد نسيج مجتمعي مترابط. هي قرية بني جمرة، تلك القرية التي حلم أهلوها بمشروع إسكاني يضم بين حيطانه أبناءهم الذين بدأوا ينفرون عن المنطقة بعد أن ضاقوا ذرعا بالإيجارات المرتفعة. أهلها يحلمون بمدرسة ثانوية للبنين، وتوسعة مدرسة البنات الابتدائية ومدرسة الأولاد اللتين أكل عليهما الدهر وشرب... ويحلمون أيضا برؤية شوارع مرصوفة ومناطق مخططة. ويحلمون ويحلمون... وقد يتساءل بعضنا لوهلة عن سر مسمى القرية، وبالرجوع إلى المعاجم يتجلى لنا أن الجمرة هم مجموعة الفرسان، فلربما اشتهرت القرية بالخيول وراكبي الخيول عن بقية المناطق والقرى... وعلى أية حال، فالجمرة لايزالون يحتفظون ببعض سمات هذا المسمى، إذ يتخذ بعض أصحاب الحوط والخيول من بني جمرة مقرا لهم. "الوسط" وكعادتها، توجهت في تغطيتها لقرى ومناطق البحرين إلى قرية بني جمرة. جابت في ربوعها، تنقلت بين جنباتها، لتنقل في هذه السطور مطالب أهالي القرية...
المركز الثقافي... خرابة المثقفين!
في البداية، ذهبنا مع نائب رئيس مركز بني جمرة الثقافي صالح طارش إلى حيث مقر المركز لنلتقي ببقية الأشخاص... كنا نتصور أننا سندخل مركزا ثقافيا شبيها على الأقل بالمراكز الموجودة في القرى والمناطق. طارش ينظر لوهلة ويلاحظ الاستغراب الذي تملكنا، فقال: "المكتوب يبان من عنوانه، أهلا بك في مركز بني جمرة الثقافي". غريب هذا الحال، منزل متهاو، أشبه ما يكون بمنازل أو سكن العزاب. مبنى لا يصلح لأن يكون مكان تجمع مفكري ومثقفي القرية. فهذه البوابة نسي الزمن عمرها، والممر أثقلته هموم الدنيا فراح يميل إلى حيث لا يدري، وتلك الحجر أشبه بالسجون وأقرب إلى الدهاليز... هو باختصار، "خرابة" المثقفين!. أمين سر المركز مالك الغسرة يبدأ الحديث بقوله: "في القرية لدينا ثلاثة أحياء، وفي كل حي منها تجد الشوارع الضيقة غير المخططة، وعندما تدخل القرية تلاحظ أن كل حي يكاد يكون منفصلا عن الحي الآخر". ويواصل "لدى زيارة وزير العمل مجيد العلوي للقرية رفعنا من خلاله مجموعة من المطالب إلى جلالة الملك، من أهمها أن القرية تحوي مساحات شاسعة تصلح لأن تكون مشروعات إسكانية يستفيد منها أهالي القرية بعد أن ارتفعت إيجارات الشقق بصورة رهيبة، إلا أن الأراضي حاليا لا تستغل للاستخدام الآدمي لأن أصحاب الاسطبلات يقيمون عليها حوطهم وطالبنا مرات عدة بإزالة هذه الحوط والمسألة الآن بيد المجلس البلدي لبلدية المنطقة الشمالية، إذ بحث المجلس إزالتها على اعتبار أن وجودها مخالفة قانونية ولكن لا نعلم ما الذي حدث بهذا الشأن".
الاندماج... غلطة العمر
صالح طارش يعود ويقول: "على رغم هذه المشكلات، فأنا أرى أن أهم إشكال، هو وقوعنا في خطأ الاندماج وموافقتنا عليه، ونرجو من ولي العهد القائد العام لقوة دفاع البحرين صاحب السمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة راعي المسيرة الرياضية تسريع انفصالنا عن الدمج الذي أضاع جهودا كبيرة عملنا عليها سنين وسنين". ويشير الأمين المالي عبدالواحد طارش إلى أن أنشطة النادي السابق كانت واضحة للعيان أما الآن فالمركز يتيم من كل مقيد بالنشاط الثقافي ولا يملك أي شيء. يرجع صالح طارش فيشير إلى ضعف الإمكانات وخصوصا المادية، إذ يعاني المركز من شح في موازنته، ولنتصور أن صاحب المبنى يلاحقنا بالديون والإيجارات، ونحن لا نلوم صاحب المنزل لأن من حقه الحصول على هذه المبالغ، وخاطبنا المؤسسة العامة للشباب والرياضة مرارا وتكرارا وحاولنا من خلال الرسائل أن نلتقي رئيس المؤسسة على الأقل إلا أن ذلك لم يحدث، نحن مهددون بالطرد من المبنى، والمبنى القديم لايزال أرضا خالية بعد أن هدم المبنى القديم الآيل إلى السقوط، ووعدتنا المؤسسة العامة ببناء مقر جديد، إلا أن موازنة البناء رحلت إلى مركز آخر بقدرة قادر! الأمين المالي عبدالواحد طارش يأخذ زمام الحديث فيقول: "نحن نحاول التأقلم مع هذه الموازنة قدر الإمكان، ولكن تبقى أنشطتنا معطلة، فمن دون الموازنة لا نستطيع التحرك، وكما تعلمون أن لكل مركز نشاطاته في شهر رمضان المبارك الذي أصبح على الأبواب، إلا أننا لا نملك أي شيء لنقيم الفعاليات ولا نملك إلا أن نضع أيدينا على خدودنا وننتظر الفرج الذي طال انتظاره... والأدهى من ذلك أن لا مقر لنا، وطلبنا من المؤسسة أن توفر لنا مقرا ولو في كابينة بدل صرف المبالغ على الإيجار، ولعل هذا العجز هو السبب الرئيسي الذي دعا شباب القرية إلى العزوف عن المشاركة في أنشطة المركز إن وجدت أساسا". وينتقل الغسرة إلى الحديث عن أهم قضايا القرية، إذ يقول: "لدينا قضية المقبرة التي حركت الشارع، والمشكلة تتلخص في أن المقاول انتهك حرمة القبور القديمة من خلال نبشها". أراد أن ينهي المسألة عند هذا الحد فقط لغرض لم نعلمه، عرج على بقية المشكلات "المنطقة الشمالية، من جدحفص حتى الهملة تعاني من عدم وجود مدرسة ثانوية للبنين، وكان هذا المطلب ضمن المطالب التي رفعت إلى جلالة الملك، كما أن المدرستين الحاليتين لم تعودا تصلحان لتكونا مدرستين. فمدرسة الأولاد التي افتتحت في العام 1936 لم تتغير، وضاقت بالطلبة لأن البناء قديم ونطالب بإعادة إنشاء هذه المدرسة لتواكب الزيادة السكانية والتطور العمراني، كما نطالب بتغيير أو إعادة إنشاء مدرسة البنات الابتدائية التي تعاني من المشكلة نفسها تقريبا". وقال: "نطالب بإقامة مكتبة عامة تخدم المنطقة وحددنا الأرض التي يمكن أن يقام عليها هذا المشروع، فالمنطقة الشمالية تمتلك مكتبة جدحفص العامة التي لا تتسع لأكثر من 16 شخصا".
محطة المجاري... أمراض وقوارض و...
ويتحدث الغسرة عن مأساة محطة المجاري، فيقول: "كانت المحطة في البديع، وبقدرة قادر تحولت إلى وسط بني جمرة بين المستشفى والمدرسة. وحين تزداد الرطوبة، تنبعث من المحطة روائح نتنة، ناهيك عن القوارض والحشرات التي تحوم حول المناطق القريبة من المحطة، مسببة الأذى النفسي والجسدي للسكان. وطلبنا من البيئة أن تتحرك لحصر المخاطر والأمراض التي يمكن أن تحدث بسبب هذه المحطة... وأخيرا وليس آخرا، نطالب بمتنفس لأولادنا، ملعب شعبي، حديقة فنحن لا نملك إلا شيئين لا ثالث لهما، المنزل والمقبرة!". هكذا هي بني جمرة، مركزها يقاوم الزوال، وأهلها يطالبون بفك الاندماج، ويحلمون بمشروع إسكاني يأوون إليه، ويحلمون بحديقة أو ملاعب شعبية، يحلمون بمدرسة ثانوية للبنين، وإعادة إنشاء المدرستين اللتين تحتضنهما القرية، يطالبون بإزالة الحوط، وإعادة تخطيط الشوارع، ويطالبون بإزالة محطة مجار أصبحت تمثل للسكان التهديد الأكبر وتحدي البقاء الأول لأنهم لا يفكرون أساسا في ترك منطقتهم... مطالب كثيرة، حقوق ضائعة، ووجوه نفذ اليأس إليها تنتظر من يعيد إليها البسمة.
العدد 1113 - الخميس 22 سبتمبر 2005م الموافق 18 شعبان 1426هـ