يتواصل الحديث مع رئيس مجلس ادارة «الوسط» فاروق المؤيد، وفي الحلقة الثانية من الحوار يتطرق إلى «أزمة» متوقعة لاسواق المال الخليجية، مؤكدا ان اسعار الاسهم قد وصلت الى «مستويات مخيفة» في بعض البورصات، مستحضراً ازمة سوق المناخ التي حدثت في ظروف مشابهة لما يحدث الآن. وعلى رغم تحفظه على أسعار العقار في المنطقة، فإنه يرى ان سوق العقار، وان أصابه المرض في بعض الاحيان، لكنه استثمار مضمون وأن هذا القطاع لا يموت.
ويطالب المؤيد بالتدرج في فرض الرسوم الخاصة باستقدام العمالة الاجنبية خلال تطبيق مشروع اصلاح سوق العمل لمعرفة اثر ذلك على القطاع الاقتصادي.
وفي حديثه عن سوق الصحافة في البحرين، يشير المؤيد الى جهات «غير معنية بقوانين السوق التجاري» تقوم بدعم بعض الصحف البحرينية لأسباب سياسية، مؤكدا في هذا سيضر بسمعة القطاع الخاص وبالصحافة، إذ إنه يخلق أرضية غير متساوية وينسف مبدأ التنافسية، مطالبا الشركات الصحافية بنشر تقاريرها المالية لمعرفة المؤسسات الرابحة والمؤسسات غير الرابحة والمؤسسات التي تتلقى الدعم. وفيما يأتي نص الجزء الثاني والأخير من المقابلة:
شهدت الفترة الأخيرة نشاطا ملحوظا في البورصات الخليجية، كما شهدنا ظاهرة دخول صغار المستثمرين في هذه البورصات وتكالباً على عمليات الاكتتاب في الشركات والمصارف الجديدة، هل ترى ان هذه الظاهرة صحية وهي نتيجة لوفرة السيولة؟
- من عايش فترة سوق المناخ في الكويت يرى الآن صورة متكررة، فالأسعار التي نراها اليوم في بعض البورصات الخليجية كالسعودية ودبي أسعار مخيفة، وعلى رغم أنها قد تبدو في هذه الفترة ظاهرة ايجابية فإنها ليست مبنية على أسس صحيحة.
إن أزمة سوق المناخ حدثت في ظروف مشابهة، فعندما ارتفعت أسعار النفط بصورة كبيرة في تلك الفترة من دولارين للبرميل الى 35 دولاراً انشئت الكثير من الشركات والمصارف، ولكن عندما هدأت الطفرة النفطية وجدت المصارف ان مدخولها من السوق المحلي لم يعد كافيا لتسيير أمورها ولذلك اتجهت إلى الأسواق العالمية وهناك ساءت أمورها بشكل أكبر ما نتج عنه افلاس بنك البحرين الدولي واعادة هيكلة مصرف «ح» بالكامل وبيع مصرف آخر.
في الظرف الحالي نجد طفرة في السوق العقاري لكنها ايضا غير مبنية على أسس صحيحة اذ تتم عمليات دفن البحر وبيع الأراضي المدفونة بأسعار كبيرة كما يتم فتح شوارع للأراضي الخالية والبعيدة لرفع أسعارها بشكل كبير لكن هذه الأراضي تحتاج الى من يسكنها.
باعتقادي من سيدخل في اللعبة سينجح اذا استطاع ان يخرج في الوقت المناسب، ولكن في مواصلته أرى ان ذلك فيه خطر كبير وخصوصاً للمستثمرين الصغار، فالكثير من صغار المستثمرين يجرون مع الجمع، فعندما يرى ان غيره استفاد من أول عملية يظن أن الجميع سيستفيد من العملية الثانية فيحدث توجه عام للاستثمار وقد تنجح هذه العملية لمرتين أو ثلاث ولكن بعد ذلك تبدأ المشكلة.
هل ذلك محصور فقط في أسواق المال أم ترى أنه قد ينسحب على القطاع العقاري؟
- القطاع العقاري قد يمرض ولكنه لا يموت، في حين ان الأسهم قد تموت فقد يحدث ان يصل سعر السهم اليوم إلى 50 دينارا ولكنه بعد يومين قد ينخفض الى دينارين بينما الأراضي في أكثر الحالات قد تهبط الى نصف سعرها.
ان تحليلك كرجل أعمال يطابق ما يقوله بعض المحللين الاقتصاديين من ان هناك أزمة كبيرة مقبلة...
- ذلك أمر محتم فإنك لا تستطيع ان تخلق أموالا من لا شيء. ولنعط مثالاً، انك قد تبني خمسين عمارة على أمل ان يتم استئجار هذه المباني بأسعار اقتصادية، وأن يرجع المستأجر ما أنفقه المالك على انشاء هذه المباني ولكن ان لم تجد من يستأجر هذه المباني أو وجدت بأسعار غير مجدية فإنك ستوقف عملية البناء. وذلك ما يحصل في جميع اقتصاديات العالم. طفرات في قطاع العقار وطفرات في الأسهم. فخلال السنوات الخمسين أو الستين الماضية شاهدنا ثلاث طفرات في الاقتصاد الأميركي مثلا.
إذاً انت ترى انه لا يوجد ما يطمئن المستثمرين وخصوصاً في الاكتتابات الجديدة...
- أن تقوم بشراء سهم قيمته الحقيقية دينار واحد بسعر أربعة دنانير فإنك تتوقع ان تدفع الشركة أو المصرف صاحب السهم لك ارباحا في نهاية العام بنسبة 30 في المئة على الأقل ولكن في حال الاكتتاب في مصرف جديد فإنه لن يستطيع أن يمنحك هذه الفوائد. وان ما يخيف هو انه في كل يوم يتم إعلان انشاء مصارف جديدة برأس مال ضخم جداً، فمثلاً نحن نسمع الآن عن نية لإنشاء مصرف برأس مال قدره مليارا دولار (2 مليار دولار). وعلى رغم انه من السهل جلب الاموال الى هذه المصارف فان السؤال هنا: ما الذي ستقوم به، وما هو اختصاصها، ومن أين ستجد المصرفيين المحترفين لادارتها؟
لننظر الى التجارب العالمية، ففي اليابان مثلا حصلت أزمة في سوق العقار وانخفضت أسعاره إلى أقل من 50 في المئة مطلع التسعينات ومازالت آثار هذه الأزمة باقية إلى الآن...
- ذلك ما حصل في سوق العقار الذي نقول انه لا يموت ولكن لننظر الى سوق الاسهم، فشركة مثل «دول كوم» التي تعتبر أكبر شركة اتصالات في أميركا هبط سعر سهمها من 70 دولارا ليصبح صفرا. مثال آخر شركة «إينرون» وشركة «تايكو» أفلستا وفي مثل هذه الحالات فإن المتضرر الأكبر هو المستثمر الصغير.
وماذا عن سوق الأسهم في البحرين، هل هو معرض لمثل هذه المخاطر؟
- ان سوق البحرين لايزال أصغر الاسواق الخليجية ولكنه قام بحركات تصحيحية لأكثر من مرة، اذ وصل سعر سهم بتلكو في فترة من الفترات الى دينار و500 فلس والآن اصبح ديناراً واحداً وبنك البحرين والكويت وصل سهمه الى 850 فلساً والآن 700 فلس والكثير من الشركات حدث لأسهمها تصحيح، فالمتعاملون لدينا في سوق البحرين أكثر تعقلا. لذلك أرى أن سوق الأسهم في البحرين مطمئن، كما ان الأسعار الحالية معقولة وأكثر الشركات التي أعلنت أرباحها بينت نتائج لا بأس بها، وتوزيعات أرباحها مقبولة.
ولذلك أقول لا خوف على سوق البحرين لكن إن حدث شيء ما في الاسواق الخليجية فإن ذلك سيؤثر علينا، فمن المستحيل ان نفصل ما يحدث في باقي الاسواق وان نكون غير معنيين بذلك فقد يسحب البعض أموالهم من السوق. ومع ذلك أقول ان حدث أي شيء فإننا سنكون في حال افضل من الباقي.
لكن المردود من التعامل في السوق البحريني بسيط جدا بالمقارنة مع باقي الاسواق؟
- بالعكس ان الأرباح جدا معقولة. فأن تحصل على 5 أو 6 في المئة على السهم في آخر العام فإن ذلك يعد ربحاً جيداً، ففي الأسهم العالمية لا تحصل الا على 2 في المئة في أحسن الظروف.
هناك دعوات إلى أن تطرح الشركات الحكومية مثل بتلكو المزيد من الأسهم في السوق... هل ترى ان ذلك شيء ايجابي؟
- ان الحكومة تملك جزءاً كبيراً من الأسهم في بعض الشركات وقد قررت الحكومة انشاء شركة قابضة تدار على أسس تجارية لإدارة أسهم الحكومة في تلك الشركات وذلك أفضل كثيرا من ان يتم طرح كميات كبيرة من الأسهم في السوق من دون ترتيب لذلك. فالسوق البحريني ليس فيه قوة شرائية كبيرة، فإن تم مثلا ضخ عشرة ملايين سهم من أسهم شركة بتلكو بمبلغ 15 مليون دينار فإنه لن يوجد أحد لشرائها غير التأمينات الاجتماعية أو الهيئة العامة لصندوق التقاعد وبذلك تكون الأسهم خرجت من الحكومة الى الحكومة كما ان ضخ كميات كبيرة من الأسهم سيؤدي الى هبوط سعر السهم ما سيضر بالمستهلك والاقتصاد، ان سوق البحرين صغير وأكبر الصفقات في البحرين هي في حدود 4 الى 5 ملايين دينار يقوم بها كونسيورتوم من ستة أو سبعة من المستثمرين الكبار، ولا أعرف بالضبط كيف ستدار عملية طرح أسهم الحكومة في شركات ألبا وبابكو وبتلكو لكنني أظن ان التوجه يصب في طرح كميات بسيطة من أسهم هذه الشركات وعلى دفعات لكي يستفيد منها صغار المستثمرين.
فلنتحدث في موضوع آخر مهم، هو موضوع اصلاح سوق العمل، فما هي رؤيتكم عن مشروع ولي العهد لاصلاح سوق العمل وما هي أهم ملاحظاتكم عليه؟
- ان ما نطلبه هو التدرج في زيادة المبالغ المستحصلة من الرسوم المفروضة على العمالة الأجنبية بحيث تبدأ بمبالغ بسيطة لرؤية أثر ذلك على سوق العمل. فإن بدأنا بمبالغ كبيرة وأدى ذلك الى افلاس بعض الشركات فانه لا يمكن بعد ذلك خفض الرسوم وارجاع الشركات المفلسة وذلك ما قمنا بطرحه على سمو ولي العهد في عدة مناسبات.
وبحسب ما تبين حديثاً فإنه لا توجد مشكلة كبيرة في مسألة البطالة المزمنة التي كنا نتحدث عنها في السابق.
كان الحديث يدور عن 20 ألف عاطل عن العمل؟
- هذا ما كان يدور في السابق لكن بعد فتح باب التسجيل للعاطلين فقد سجل ما يقرب من 8 آلاف عاطل 70 في المئة منهم من النساء وأكثرهم قام بالتسجيل لأن وزير العمل وعد بتقديم رواتب للعاطلين أثناء فترة التدريب، فالكثير من المسجلين أراد الحصول على هذا الراتب لفترة ثلاثة أشهر على الأقل.
من خلال رؤيتنا لسوق العمل في الوقت الحاضر فإنه لا توجد عمالة مدربة للكثير من القطاعات وان ما يوجد شباب غير مؤهلين ويحتاجون الى التدريب لفترات طويلة، ولذلك، فإن ما يحصلون عليه من فرص العمل تكون رواتبه قليلة. وهذه القضية، أي قضية قلة الرواتب المعروضة في سوق العمل، هي ما يريد سمو ولي العهد معالجتها من خلال رفع سقف هذه الرواتب لتكوين الطبقة الوسطى في المجتمع ونحن نؤيد ذلك تماما، فوجود هذه الطبقة مهم جدا للاقتصاد وللتاجر خصوصاً، إذ إن هذه الطبقة هي التي تنشط الحركة الاقتصادية وتخلق قوة شرائية ولكن للأسف فإن المواطن البحريني يعيش على القروض.
إن رفع مستوى الرواتب في البحرين يتطلب أولا تنظيم سوق العمل وسد ثغرة العمالة السائبة التي تقدر عددها بـ 45 ألف عامل.
يبدو أن هناك مشكلة لدى الأجهزة التنفيذية لضبط هذه المشكلة والتفاعل معها ومن ثم القضاء عليها...
- المشكلة يمكن أن تحل من خلال تسهيل عملية جلب العمالة، فعندما يحصل أحد المقاولين على مشروع انشائي كبير ويقدم
العدد 1248 - السبت 04 فبراير 2006م الموافق 05 محرم 1427هـ