لا يبدو الاحتفال باليوم العالمي للأسرة، الذي يصادف اليوم، الحادي والعشرين من شهر مارس/ آذار من كل عام، مختلفاً في هيئته وحضوره عاماً عن عام في المجتمع البحريني، بيد أن الاحتفال بهذه المناسبة، وإن كانت محدودة وغير واضحة في البحرين، إلا انها أصبحت تمثل منطلقاً مهماً بالنسبة للمطالبين بالنظر في أوضاع الأسرة البحرينية.
كثيرة هي تلك المشكلات القابعة خلف أبواب المنازل المغلقة، والأكثر ما ترميه من تبعات على الوضع الأسري يوما بعد يوم وجيلا بعد جيل، فالمجتمع اليوم، ينشغل حيناً بالانتخابات البلدية والبرلمانية وتارة أخرى يناقش ملف تمكين المرأة ، ويدور الجدل بشأن قانون الأحكام الأسرية، «متناسين» إن جاز التعبير البنية الأساسية «الأسرة» التي تفعل من أجلها وتدشن كل تلك المشروعات «العالقة» و«المتعثرة» لاسيما بعد تزايد همومها بين اغتصاب وتحرشات، عقوق وانجراف وراء عبدة الشيطان... الخ، هموم تظل على الرفوف وسط كل تلك التحركات الحماسية سياسية واجتماعية، فهل يكون هذا اليوم «يوم الأم» بالأمس، ويوماً الأسرة حالياً، هو يوم لحلحلة وضع الأسرة البحرينية؟
سؤال نطرحه على شخصيات نسائية بحرينية في هذا اليوم لا لإضافة المزيد وإنما لمحاولة معرفة ما إذا كان «عيد الأم» مجرد شعار سنوي يمر مرور الكرام علينا أم يوم يوقظ فينا احساس بالمسئولية لتدارك ما يمكن تداركه لوضع أسري بحريني مقلق.
وهذا يعني أن على المجتمع ككل، حكومة ومنظمات غير حكومية، أن تأخذ مسئولياتها المتضافرة مع الأسرة على محمل الجد. إذ لا يكفي، مثلاً، أن يكون لدينا بضع رياض أطفال. بل من المهم أن يكون عددها، وتوزعها، وشروطها، وتكاليفها، و... مناسبة للمرأة أياً كان عملها. وسواء كانت عاملة أم لا... ولم يعد يكفي أن نوزع مستوصفات صحية في الأحياء، بل لا بد أن يكون أداؤها وكادرها ودوامها مناسباً أيضاً لأسرة عادية. وليس كما هو الحال الآن: تناسب فقط الأسرة التي تعيش قرب المستوصف، ولديها الوقت الصباحي المناسب. وقس على ذلك الكثير من الخدمات الاجتماعية الأخرى التي لا يمكن للأسرة العربية أن تنهض بمسئولياتها بجدية دون توافرها.
فتح الملفات الأسرية
ترى رئيسة لجنة المرأة بجمعية الصداقة للمكفوفين شريفة المالكي أن في عيد الأم تجسيداً لمكانة المرأة ومفهوم مرادف لها وإن كان هذا اليوم يراه البعض مجرد احتفال سنوي وتكريم للأم فتراه هي مفهوماً يختلف من أسرة إلى أخرى وفق قناعاتها الشخصية وما تربت عليها فبعض الأسر يمر عليها مرور الكرام حاله حال أي عيد سواه وأسر أخرى ترى منه ناقوساً يدق ليفتح ملفات أسرية ظلت لربما مقفولة لسنة كاملة.
أطروحات جديدة لعيد الأم
في حين تعرض لنا الناشطة السياسية شعلة شكيب أطروحات جديدة في عيد الأم للخروج من دائرة الاحتفال به بطريقة عاطفية ومعنوية بحتة لتدخلنا بأطروحاتها إلى أبعاد أبعد ما تكون عن الشعارات متمثلة في القيمة المستفاذة من «الهدية» في عيد الأم لاسيما بعد ما اكتظت دور المسنين بالآباء والأمهات وعقوق أبنائهم، ليبرز لنا في هذا اليوم دور الأب في غرس مفهوم تربوي لدى أبنائه ليكون يوماً تثقيفيا تربويا تحت شعار حب الأم.
وتوجه شكيب دعوة في هذه اليوم لتكثيف الجهود دون تردد وخجل أو دفن للرؤوس في الرمال لرفض كل الظواهر الغير مقبولة والمتفشية في المجتمع البحريني كالاغتصاب والتحرشات الجنسية والعنف الأسري من خلال تدشين مراكز علاج نفسي تعنى بترميم وتضميد جراح سوء التربية وسلبيات عصر العولمة.
وما زال الحديث لشكيب والتي ترى ضرورة وضع استراتيجيات واضحة وهادفة لمثل هذا اليوم من خلال وضع أجندة لمشكلات الأسرة لتحسين وضعها المقلق كظاهرة التسرب الأسري وضعف التحصيل ودور وزارة التربية والتعليم حيالها، تزايد إقبال الشباب على التدخين والمخدرات وآلية وزارة الصحة تجاه هذه المشكلة فضلا عن العنف ضد الزوجة ودور المعنيين في درء هذا السلوك الغير حضاري عنها.
في حين توافقها الرأي مديرة التمكين السياسي للمرأة مريم جناحي، إذ ترى أن عيد الأم هو واعظ بالدرجة الأولى ويوم توجه فيه رسالة ضمنية لكل المعنيين لذلك لا بد من الاعتراف أولا بدورها في الأسرة وبالتالي في المجتمع ولا ضير من أن يخصص لها يوم للتكريم والاعتراف بفضلها من خلال التعبير لها عن ذلك بطريقة شاعرية وإنسانية وخصوصاً بعد أن أمسينا في عصر أكثر ما يعبر الإنسان فيه عن مشاعر الغضب والعنف.
وختمت حديثها بتوجيه نداء أملت أن يفهمه كل المعنيين إذ قالت: «أتمنى أن تشمل هذه المناسبة كل الأمهات دون تمييز على أساس الدين أو الطائفة أو الوضع الاجتماعي فلا أتخيل طفلاً أو طفلة لام بحرينية وأب غير بحريني لا يحتفلون بهذه المناسبة في وطن واحد ودين واحد».
الركنان الأساسيان للأسرة
الأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع. وهذا أمر صحيح. إلا أنه لا يشكل إلا وجهاً واحداً للحقيقة التي تمتلك، في هذا المجال، وجوهاَ كثيرة أخرى طالما أغفلناها. من هذه الوجوه أن الأسرة ليست كائناً قائماً بذاته. بل هي محصلة أفرادها. وأساساً محصلة لعلاقة الرجل والمرأة، الأب والأم، اللذين يشكلان الركنين الأساسيين للأسرة. وبديهي أنه حتى يستقيم البناء لا بد أن تكون ركيزتاه متساويتين. وما دام هناك تمييز واضح بين المرأة والرجل، الأب والأم، تمييز قائم على اعتبار واحد منهما هو أدنى من الآخر بشكل من الأشكال، قانونياً أو مؤسساتياً أو اجتماعياً، فإن الأسرة ستكون عرجاء بالضرورة. وهذا ما نلمسه الآن يومياً في حياتنا.
ومع أن الكثير من العمل يجري على بعض الصعد، إلا أن الاهتمام الجاد بالإعلام ودوره في هذا الأمر ما يزال أدنى من أن يلحظ. ولا يكفي هنا أن نعدد مقالات في الصحف أو المواقع الالكترونية، ولا بعض الندوات المتلفزة بين حين وآخر. بل إن أهم وسيلتين في هذا المجال، وهما المسلسلات التلفزيونية، والإعلام الشعبي المباشر (نشرات توزع على البيوت، وحلقات نقاش في الواحدات السكنية الصغيرة...) ماتزالان مهملتين تماماً من زاوية عملية.
العدد 1292 - الإثنين 20 مارس 2006م الموافق 19 صفر 1427هـ