في الوقت الذي تتوسع فيه أعمال الاتصالات والإعلام حول العالم، وتتضخم إلى درجة «الانفجار»، تطارد السلطات المسؤولة حول العالم عدداً من أوجه هذا «الانفجار الإعلامي» من أقصى الأرض إلى أقصاها، ولكن ليست لذات القضايا، فالقضايا التي يضيّق فيها على الإعلام باتت متفاوتة، ولكن الرسالة الموجهة للإعلام واحدة من قبل هذه السلطات، وهي: «قولوا ما نريد».
ولم يعد التضييق على «رئة» الإعلام سمة دول العالم الثالث، والأنظمة الديكتاتورية، كما تقول التقارير المنمقة، بل حتى الولايات المتحدة ضاق ذرعها بشبكة الإنترنت التي اخترعتها، لتجد خيوط «السيدة العنكبوت» تنجدل في أنشوطة حول عنقها.
إذ استدعى الأمر أن يتحرك فريق من المحققين الأميركيين وصولاً إلى العاصمة الماليزية كوالالمبور للتحقيق مع شركة «إيميج سيستم» بعد تعاقد «أصوليين» معها لإطلاق موقع لـ (القاعدة) من خلالها، ينشر أخباراً عن القاعدة وقايداتها ومناوئاً للولايات المتحدة.
وكما الزئبق، عاود موقع القاعدة الظهور بعد إغلاقه بقليل من خلال شركات أخرى، متضمناً أحاديث مسجلة ومواد توثيقية حول (القاعدة)، مما سيدخل فريق التحري الأميركي في جولة جديدة، ربما تقترب لتكون دوامة من المطاردات «الصبيانية» للتعرف إلى المحركين الأساسيين لهذه الاتفاقات.
وإن كانت الحرب إلكترونية هناك في الجهة الشرقية من العالم، فإنها في الشرق الأوسط أكثر تقليدية، إذ تتسابق السلطتان الفلسطينية وسالإسرائيلية» إلى تعقب من يعتقدون أنه «حصاة في حذاء» الاستقرار أو الأمن الداخلي، أو أولئك الناطقين بما لا يخدم سياسات هذا الطرف أو ذاك، تاركين للديمقراطية حبل غسيل من المناديل لتجفف دموعها.
فمراسل التلفزيون الألماني «كريا التلمس واجه بسخونة برودة حديد الأسلحة النارية التي أبرزها في وجهه اثنان، يعتقد أنهما من عناصر الشرطة الفلسطينية، وطالباه تسلميهما أشرطة مصورة لاحتفال أقامته «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس)، وهو طلب لا تخفى على أحد دوافعه.
احتج التلمس نقابياً على تصرف عنصري الأمن اللذين اقتحما بالقوة المكتب داهسين موقفه الرافض تسليم الأشرطة معززين بحوالي خمسة عناصر أخرى قامت بالتفتيش والتحفظ على شريطين كانا في المكتب.
وكان جدلاً كبيراً يدور في الأوساط الفلسطينية حول جدوى العمليات الاستشهادية داخل منطقة «إسرائيل» وعلى ضوئه نشرت السلطة الفلسطينية من عناصر المباحث والشرطة ما يعرقل وصول أي من قياديي الفصائل الفلسطينية، بمن فيهم مسؤولي حركة «فتحس إلى مقار الفضائيات ووكالات الأنباء.
ولم تشأ الحكومة «الإسرائيلية» أن تكون أقل حزماً في مواجهة «أعدائها»، إذ لا تزال تعتقل اثنين من العاملين في وكالات الأنباء العالمية، أحدهما يعمل مصوراً لحساب وكالة الأنباء الفرنسية، والثاني مصوراً تلفزيونياً لـ «رويترز» وسط ظروف صعبة للغاية في قاعدة عفرا العسكرية بالقرب من رام الله، وذلك منذ أواخر أبريل (نيسان) الماضي عندما صعدت القوات «الإسرائيلية» أعمالها العسكرية ضد منشآت وعناصر السلطة الوطنية الفلسطينية، ومن تعتقد أنهم ضالعون في العمليات الاستشهادية التي جرت مؤخراً في الأراضي المحتلة.
ورفضت محكمة «إسرائيلية» عسكرية إطلاق المعتقلين المصورين حسام أبو علان ويسري جمال بدعوى علاقتهما فصائل فلسطينية، من دون تقديم أدلة حقيقية يسند هذه التهمة.
ومن الداخل إلى الخارج، بدا علم الاستسلام الأبيض اللون يلوح، قادماً من أتلانتا في الولايات المتحدة، يحمله نائب رئيس الشبكة الإعلامية «سي إن إن» الذي يقوم بزيارة إلى «إسرائيل» للنظر في ادعاءات الأخيرة بأن الشبكة منحازة في تغطيتها إلى الجانب الفلسطيني!
وهدد اليهود والمتعاطفون مع الدولة العبرية، بقطع اشتراكاتهم في «سي إن إن» والتحول إلى غيرها من المحطات، والغاء موقعها على شبكة (ييس) «الإسرائيلية»، وجاء ذلك على خلفية تصريح رئيس الشبكة تيد تيرنر أن «إسرائيـل تمـارس الإرهــاب ضــد الفلسطينيين».
وبالرغم من عدول تيرنر عن هذه التصريحات، إلا أن الضغوط «الإسرائيلية» لا تقبل إلا بترضية حقيقة من وزن إعداد خمس حلقات تتناول وقع العمليات الانتحارية والمسلحة التي تنفذها عناصر فلسطينية على مواطني «إسرائيل» على أن يقدمها مراسل «سي إن إن» وولف بليتسر
العدد -1 - الخميس 27 يونيو 2002م الموافق 16 ربيع الثاني 1423هـ