خلاف المتوقع من الجانبين... وزارة الكهرباء والماء من جهة والمواطنون من جهة أخرى: استمرت الانقطاعات هنا وهناك وازدادت الشكوى! أما الوزارة فهي لاتزال تلتمس العذر وإن اعذرت في جوانب معينة لكنها تبقى الجهة المسئولة الأولى تقلص فصل الصيف ما إن ينتهي شهر اغسطس/ آب وندخل سبتمبر/ ايلول حتى نجد الطريق وقد افسح لمزيد من الفرص للوزارة، فهل ستبقى الوزارة تطلق التطمينات حيناً وتلتزم الصمت... أحياناً أخرى.
الانطلاقة الأولى نحو القادم من الملاحظات والآراء والمحاور في موضوعنا التالي ستبدأ مما قاله بعض المسئولين بوزارة الكهرباء والماء الذين أجمعوا على أنهم يرفضون أن يكرروا قائمة الأعذار والتطمينات. وكما يؤكدون أن «الانقطاعات حدثت وستحدث في المستقبل ولكن لا يمكن القاء المسئولية كاملة على عاتق الوزارة! ثم يضيفون لقد اعترفت الوزارة مراراً وتكراراً بوجود مشكلات فنية تتطلب أمداً لعلاجها وهي ليست متهاونة أو تتعامل معها بإهمال». ويلفت أحد المسئولين النظر الى نقطة مهمة بقوله: «هل تعلمون أن مهندسي وفنيي الوزارة وموظفيها يعملون بلا كلل؟ أليس هذا الجهد الذي يبذلونه يهدف الى اراحة المواطنين والمقيمين من عناء الانقطاعات؟ ثم لماذا لا يتم التعامل مع القضية من جهة أخرى وهي جهة الاستهلاك الزائد وعدم ترشيده واستمرار بعض المواطنين والمقيمين في اضافة أعباء وأحمال كهربية تؤثر على الجميع؟»
ويضيف «لا نزعم أننا نقدم خدمة مرضية 100 في المئة، لكن لدينا جملة من المشكلات التي تراكمت على مدى سنوات وتحتاج الى وقت كاف لحلها، وهذا ما نأمله جميعاً، إذ إن الوزارة، ابتداءً من الوزير وانتهاءً عند أصغر عامل فيها، تدرك أن العمل يجب أن يستمر وأن المشكلات - الصحيحة وغير الصحيحة - التي أوردها بعض المهندسين أو الفنيين الذين تحدثوا إلى «الوسط»، لابد أن توضع في الحسبان، وهذا أمر يحسب للوزارة، فلسنا نتكلم عن انقطاع التيار الكهربي في مجمع سكني صغير، ولسنا نغذي أحياء سكنية محدودة، إن العمل يغطي المملكة بكاملها ونتوقع الأخطاء».
وينهي مداخلته بالإشارة الى أن «الانقطاعات الكهربائية في هذا الموسم أقل بكثير من المواسم السابقة ولكن الصحافة وعامة المواطنين يريدون تهويل الأمر عبر النشر والشكوى المستمرة، واذا أردتم يمكن أن تطلبوا القوائم الاستهلاكية والبيانات الإحصائية في هذ الشأن».
الانقطاع الشامل وخطة طوارئ
من جهة أخرى، نعود إلى الحديث مع فئة مهمة، اذ يتوقع بعض مهندسي وزارة الكهرباء والماء تكرار حادثة «الاثنين الأسود»، على رغم أن يوم 25 أغسطس مر على خير، وتضاءلت احتمالات حدوث انطفاء شامل آخر، لكن، وبحسب تعبير المهندسين، لاتزال المشكلة التي تسببت في الحادث موجودة، كما أن المسئولين في الوزارة لم يتعلموا درسا من حادث 2004. ويؤكدون أن غالبية موظفي الوزارة لا يعلمون حقيقة ما جرى في ذلك اليوم وما تسبب في الانقطاع الشامل، إذ إن الوزارة لم تخبر موظفيها بالحقيقة ولم تعترف بخطئها.
موظفو الوزارة وحتى اليوم لا يعلم ما حدث ولا الإجراءات الاحترازية التي يجب اتخاذها لتلافي حدوث الأمر ذاته مع العلم بأن المشكلة التي تسببت في الحادث لاتزال موجودة.
صحيح أن مثل هذا الانقطاع الشامل يمكن أن يحدث في أي مكان في العالم، لكن ألا يجب أن تكون هناك خطة طوارئ تسير عليها أي وزارة أو هيئة في حال حدوث مثل هذه الأمور يتم تحديثها قبل فترة الصيف لمراعاة أي تغيرات، ثم ألا يفترض أن يتم تدريب موظفي القطاع المزود للكهرباء عليها سنويا.
ويتساءلون «هل هذا موجود في وزارة الكهرباء في البحرين، ام إن آخر تحديث لخطة الطوارئ حدث قبل الانقطاع الشامل وكان ذلك في العام 1998، كما إن الواقع هو أنه لم يحصل أي من موظفي الوزارة على تدريب على هذه الخطة، فلو حدث انقطاع آخر في أي يوم من الايام لن تستطيع الوزارة التصرف وسيتكرر ما حدث تماما قبل عامين».
الانقطاعات... حقائق وأسئلة
لا ينكر المهندسون أن كثير من الانقطاعات الكهربائية تحدث بسبب الضغوط الهائلة على شبكة التوزيع، لكنهم يفيدون بأن قضية الأحمال غير المصرحة «هي في الواقع أكبر كذبة تروج لها الوزارة، إذ إنه من الطبيعي ومع اتساع حركة العمران وتوسع المشروعات في البحرين أن يزداد الضغط على الشبكة، ومن هنا تنشأ الحاجة إلى تقوية الشبكة. السؤال المطروح هنا: لماذا تتأخر برامج تقوية الشبكة لدرجة أن بعض هذه البرامج تم الإعداد لها من العام 2003 ولم تنفذ لحد الآن».
وبحسب هؤلاء فإن ما يفند مزاعم الأحمال الزائدة هو إنه في الواقع عند ما يتم التخطيط لأي منطقة جديدة، يتم تحديد احتياجاتها من الكهرباء وعدد محطات التوزيع التي تحتاجها.
ما يحدث هو إنه بعد أن يتم عمل ذلك، تبدأ عمليات بعض المفسدين الذين يطمعون في الأراضي التي تنشأ عليها المحطات، وبالتالي يقل عدد المحطات التي تخدم المنطقة الأمر الذي يؤثر على الخدمات الكهربائية في المنطقة ويتسبب في وضع أحمال زائدة على المحطات الموجودة، وهو ما يؤدي طبعاً إما إلى أن تعمل المحطات بجهد يفوق طاقتها أو أن لا يتم توصيل الكهرباء للبعض، فهل من الممكن ان تجيب الوزارة عن اسباب إلغاء بعض المحطات التي تقرها الوزارة لكل مخطط.
كذلك تتمثل بعض اسباب الانقطاعات في وجود نقص في قطع الغيار اللازمة لتشغيل هذه المحطات، اضافة الى حقيقة كون كثير من هذه المحطات ذات كفاءة قليلة.
المهندسون معذورون!
ولا يقتصر أمر على نقص في كفاءة المحطات وعددها وحسب، بل وكما يشير المهندسون فإن شبكات التوزيع أيضا تعاني من بعض المشكلات أهمها أن هناك معيار للخلل Level Fault في هذه المحطات يفترض أن يكون 350 ميجا فولت أمبير لتعمل الشبكة بشكل سليم، لكن هناك مئات من محطات التوزيع الفرعية في الشبكة التي يقدر معياراً الخلل فيها بـ 250 ميجا فولت أمبير وهذا أمر خطير جدا يؤثر على سلامة المهندسين والفنيين، وقد تعرض الكثير من هؤلاء لحوادث خطيرة حتى أن أحدهم تشوه بشكل كبير نتيجة انفجار احدى محطات الكهرباء بسبب هذا الخطأ، واجريت له الكثير من العمليات الجراحية في الخارج لكنه لم يتعافَ لحد الآن. هذا الخطأ في معيار الخلل هذا هو أيضا أحد أسباب انقطاع التيار الكهربائي، إذ إن ما يحدث هو أن المهندسين لا يجازفون بالعمل في المحطات التي تتعرض لهذا الخلل وهي بكامل طاقتها الكهربائية، لأن ذلك يعرضهم للمخاطر، الأمر الذي يضطرهم لاطفاء التيار الكهرباء عن المنطقة بأكملها ليتمكنوا من العمل بسلام ومن دون تعريض أنفسهم لخطر الموت أو التشوه.
ومشكلات التوليد... اصيله وثابتة
كذلك يؤكد المهندسون محطات التوليد تعاني من الكثير من المشكلات، والمصيبة أن هذه المشكلات هي ذاتها التي كانت تعاني منها المحطات نفسها منذ 30 عاما عند بدايات إنشائها مثل محطة سترة التي كانت تعاني من مشكلات في التشغيل منذ مطلع السبعينات ولاتزال بعض محطات التوليد الأخرى تعاني من المشكلات نفسها بعد 30 سنة خبرة، كيف لا تستفيد الوزارة من أخطائها. وليس ذلك فحسب بل إن البحرين هي الدولة الوحيدة في الخليج التي تعاني مثل هذه المشكلات، على رغم كونها سباقة لجميع الدول المجاورة في وصول التيار الكهربائي إليها بعقود عدة. كل الدول المجاورة لديها وفرة في الانتاج كما أن نسبة نمو قطاع الكهرباء تكون فيها دائما أكبر من نسبة النمو العمراني.
معدل السلامة... صفر
يشير المهندسون إلى أن موظفو الوزارة العاملون على إصلاح اعطال هذه المحطات يتعرضون لكثير من الحوادث لأن الوزارة ببساطة لا تراعي اتباع إجراءات السلامة في عمل التوصيلات الكهربائية في مختلف المحطات، مع ملاحظة مطالباتها الدائمة للمواطنين باتباع السلامة في التوصيلات. ويتساءلون ما معدل السلامة لديكم، كم عدد الذين تعرضوا لحوادث الرافعات أو محطات الكهرباء، كم عدد الذين احترقوا أو تشوهوا من هؤلاء، وكم هم الذين قضوا منهم؟
هل هناك تحقيق في هذه الحوادث، وهل تتم الاستفادة من الأخطاء، ام إن الأخطاء هي التي تتسبب في مقتل مهندس هنا أو فني هناك؟
العدد 1452 - الأحد 27 أغسطس 2006م الموافق 02 شعبان 1427هـ