العدد: 5139 | السبت 01 أكتوبر 2016م الموافق 29 ذي الحجة 1437هـ
الفراغ العاطفي والعيش في علبة الجسد التي تتسبب بذلك الفراغ
الكاتب: سهيلة آل صفر - suhyla.alsafar@alwasatnews.com
يقول الكاتب الإنجليزي (Rollo May) في كتابه بحث الإنسان عن نفسه (Mans search for himself) بأنه قد ازدادت وحدة الإنسان الداخلية في العصر الحديث، وبأن مكننة الحياة ونظامها وروتينها لم تجلب له سوى الآلام والفراغ العاطفي، وازدياد التوتر والقلق واللجوء إلى المعالجين النفسيين ولليوغا، والتأمل في العين الداخلية للروح، علها تُشفي معاناتهم أو لمعرفة خباياها للشعور بالرضا والفرح إزاء الروتين اليومي الممل، وإنه على رغم التمرغ بوسائل الاتصال الإلكترونية والچات للثرثرة ولخلق العلاقات الاصطناعية؛ لكن يبدو أنها قد زادت من عزلة الأفراد داخل النفس البشرية، لذا تراهم يتحركون عشوائياً لملء ذاك الفراغ، سواء بالبقاء مع المجاميع والتدين المتطرف أو بخلق الطرق للخروج والمتعة، ولقتل الوقت والحركة الدؤوبة للترفيه، مثل الرياضة والرقص وغيرها للتغلب على تلك المشاعر غير المرغوب فيها حتى ولو كانوا لا يشعرون بالرغبة والمتعة أثناء مشاركاتهم تلك، فالمهم الانشغال، والابتعاد عن الذات قدر الإمكان، وأعرف الكثيرين، وتعرفون غيرهم من المشاهير العالميين، وممن حققوا نجاحاتٍ باهرة لم يكونوا سعداء؛ بل وصل بهم العذاب للانتحار حال وصولهم إلى القمة، لفقدان ذلك الحافز الخَفي، والذي يضيف البهجة إلى الحياة.
فلماذا يُصاب الإنسان بذلك الشعور الكئيب في علبة الجسد، وبمغصٍ داخلي في مشاعره، وكرهه لما يدور حوله، ويصعب عليه تغيير أوضاعه أو تحديد سبب ذلك، وإذ أتساءل هل هو الروتين اليومي والتكرار والذي نمارسه يومياً؟! ونخلق آلاتٍ تعمل بمنهاجٍ ممل وخالية من الروح والعواطف؟
وماذا عن أولئك الذين خرجوا من فلك تلك اللعبة الحياتية مبكراً أو عن مرحلة التقاعد واختاروا ما يريدون؟ هل حدثت لديهم تفاعلاتٍ مختلفة أو التغيير الذي كانوا يرتجون؟ وما هو ذلك الحافز الحياتي للشعور بالرضا، وعدم اللهاث بشأن الأشياء التافهة والسطحية للإمساك بناصية الهدوء والاستقرار النفسي؟!
يقول الكاتب إنهم قد يُسعدون في بداية التغيير ولتلك الحرية ولعمل ما يرغبون، إلا أنه لا يلبثون إلا للوقوع في نفس شراك الوجع الروتيني في مشاعرهم.
ويبدو بأن العقل الباطن يحتاج إلى نوعٍ من التحفيز مهما كان نمطياً أو مملاً، لذا نجد أنه يبقى الكثيرون في ممارسة أعمالهم، وتمديد فترات التقاعد، وتقبل ما تعودوا عليه عوضاً عن مواجهتهم للأسوأ أو ما يجهلون!
إن إنسان العصر الحديث يعيش حياة ملؤها الخوف من الغد والأقدار المجهولة على نفسه وعياله، وقد يكون بسبب ما يشاهده يومياً من الظُلم والحروبٍ والقتلٍ العشوائي للأبرياء والتفجيرات، وغرق الأبرياء بسبب الهجرات غير الشرعية للبحث عن مأوى يضمن لها القوت اليومي، أو لمشاعرٍ غريبة أخرى تأتيه من ماضيه، ولا يعرف مسبباتها، ولا من أين جاءت.
فالبشر مرتبطون مع بعضهم البعض بخيوطٍ لا نراها، فمهما كان مرفهاً ومقتنعاً بسعادته، فسماعه لتلك الأخبار ومقارنتها بأحواله لابد وأن تُصيبه بالأوجاع وبالتوتر والوحدة (anxiety and lonliness).
ويعتقد الكاتب بأن معظم البشر يعيشون سنوات كثيرة من عمرهم في العُزلة والغربة عن أنفسهم وذواتهم، ولا يعطونها حقها من الهدوء، والحب الحقيقي، والوقت لاستكشاف أعماقهم الحقيقية أو روحانياتهم ولَذة الاستمتاع بها، وتغطية مخاوفهم دائماً بالجري أو بإرضاء الآخر، والانشغال المادي أو الاختباء ولبس الأقنعة للمجاملة، وإهمال الحب الحقيقي للنفس، فقد يكون جوعها للحب وراء كل تلك المشاعر المُعقدة، وقد نعيش دهراً لإرضاء من حولنا، وننسى أن نعيش لأنفسنا.
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/1164805.html