العدد: 248 | الأحد 11 مايو 2003م الموافق 09 ربيع الاول 1424هـ

برنامج مجاني لتعليم الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة

برنامج التثقيف المنزلي للأم والطفل... فكرة تستحق التجربة

قامت مملكة البحرين فيما مضى، وبالتعاون مع القطاع الخاص بعدد من المحاولات لمواجهة المشكلات المتعلقة باحتياجات الرعاية التعليمية في السنوات الأولى من مرحلة الطفولة، فعلى سبيل المثال تم وضع مشروعات للتنمية الاجتماعية بالتعاون مع إحدى المؤسسات الخاصة، وتنفيذ برامج تدريبية قصيرة المدى ضمن وزارة التربية والتعليم، كما تمت إضافة مادة في برنامج التخرج في جامعة البحرين تركز على تنمية التعليم في السنوات الأولى للطفولة.

ولكن لا يوجد أي برنامج رسمي منظم حتى الآن يعنى بتوفير التعليم المبكر للأطفال ما قبل سن المدرسة بين فئة الأسر المحتاجة التي لا تتمكن من إدخال أطفالها إلى رياض الأطفال، هذا الأمر يضع هذا الطفل أمام نوع من «الصدمة» في مواجهة الحياة المدرسية من دون أن تكون لديه خلفية عن أنماط التعليم فيها.

إلا أن برنامج التثقيف المنزلي للأم والطفل ( MOCEP) الذي تم تطبيقه في البحرين منذ العام الماضي بدأ يقوم بدور كبير وفعال في هذا الشأن. إذ اعتمد على فكرة مفادها «أن أفضل القدرات التي يمكن أن يظهرها الطفل تكون من خلال المحيط الأسري»، لذلك وجّه هذا البرنامج دعوته إلى الأمهات من الفئات محدودة الدخل للمشاركة في البرنامج من دون أي مقابل مادي من أجل تعليمهن كيفية تثقيف أطفالهن وتهيئتهم للحياة المدرسية بشكل «قد يفوق أحيانا» الدور الذي تقوم به رياض الأطفال الخاصة.

وقد جددت جمعية الهلال الأحمر البحريني - التي يندرج البرنامج تحت مظلتها - دعوتها هذا العام إلى الأمهات البحرينيات اللاتي لا يستطعن إدخال أطفالهن إلى رياض الأطفال للمشاركة في هذا البرنامج الذي يستمر لمدة 25 أسبوعا ابتداء من أكتوبر/تشرين الأول المقبل وينتهي التسجيل فيه في مايو/أيار المقبل.

ما هو برنامج ( MOCEP )؟

برنامج التثقيف المنزلي للأم والطفل هو برنامج غير رسمي، يرتكز على قيام الأمهات بتدريس أطفالهن في المنزل في مرحلة ما قبل دخول المدرسة. تأسس البرنامج على قاعدة بحثية تعتمد على التوجيه والإدارة، وحسن اختيار العاملين المؤهلين والمدربين، وتكرار الزيارات المنزلية، ووجود عناصر تربوية خاصة بالأهل والطفل، ووجود علاقة تكافلية مع المجتمع.

ويهدف البرنامج إلى قيام الأمهات بتربية أطفالهن في المنزل بطريقة بناءة وإيجابية والمشاركة في بناء مهارات الطفل المبكرة في مرحلة النمو. والتركيز على توفير بيئة تعليمية في المنزل ذات طبيعة مؤثرة ومساندة لاحتضان العلاقة الإيجابية بين الأم والطفل في مرحلة ما قبل المدرسة.

ويعد البرنامج متفرعا عن برنامج أصلي تم تطبيقه في تركيا على مدى عشرين عاما حقق خلالها نجاحا كبيرا، وتم تطويعه ليتلاءم مع العوامل الثقافية المحلية التي تساهم في نجاحه في المجتمع البحريني ومنها اللغة العربية والدين الإسلامي وعدد آخر من المعايير الاجتماعية والأسرية.

«أمّ صادق» و«أمّ عيسى» وبداية التجربة

أم صادق، كانت إحدى الأمهات اللاتي شاركن في البرنامج العام الماضي، وارتأت «الوسط» أن تزورها للتعرف على رأيها في البرنامج.

اتجهت «الوسط» إلى زيارة منزل أم صادق بصحبة المشرفة على البرنامج سحر عبدالرحمن ومدرسة البرنامج سلوى رشدان... بالقرب من الدوار الثاني والعشرين في مدينة حمد، كانت زيارتنا لمنزل أم صادق، استقبلتنا ابنتها زهرة على الباب، منزل متواضع تملؤه المحبة والسعادة والفرح، هناك كان استقبال المدرسة حافلا وحارا جدا، فقد شاركت أم عيسى - طالبة سابقة أخرى في البرنامج - في الترحيب بها، كان من الواضح تماما أن العلاقة بين المدرسة وبين طالباتها تعدت العلاقة الاعتيادية لتتجاوزها إلى علاقة أخوية بعيدة المدى.

أما الجميل في الأمر فكان علاقة أم عيسى وأم صادق، فقد كانتا كأختين، ولعل من المثير للاستغراب كونهما تعرفتا على بعضهما منذ عام واحد فقط، وتحديدا منذ اشتراكهما معا في برنامج تثقيف الأم والطفل!!

تقول أم صادق: «علمت عن البرنامج من إحدى العاملات في مركز الرائدات الاجتماعيات بمدينة حمد، وقررت المشاركة فيه على سبيل التجربة، لكنني تعلقت به بشدة وأحب أن أكرر التجربة مرة أخرى لأنني استفدت منها كثيرا»، في الوقت الذي قالت فيه أم عيسى: «قرأت عن الموضوع في الصحيفة اليومية، وأحببت المشاركة في البرنامج لأن موعده كان يناسبني». وأضافت أن اللقاء الأول لها مع أم صادق كان عند موقف الباص للذهاب إلى المركز، فعلى رغم أنهما جارتان تقريبا فإنهما لم يسبق لهما أن التقيا ببعضهما قبل ذلك اليوم، إلا أن البرنامج كان فرصة طيبة لتوثيق علاقة قوية جديدة بينهما.

تعلمت كل من أم صادق وأم عيسى الكثير من الأمور، أهمها طرق التعامل مع الأطفال، فكان الحوار معهم هو الأسلوب الذي نصحت به المشرفات على البرنامج، تعلمتا أن ضرب الأطفال لا يفيد في تعليمهم وتعويدهم على الأنماط الدراسية، تعلمتا كيفية تطوير إدراك الطفل لتهيئته لبيئة تعليمية جديدة في الجو المدرسي.

اشتمل البرنامج الذي حضرته كل من أم صادق وأم عيسى أيضا على حلقات حوارية تناقش قيها الأمهات بصدر مفتوح كل مشكلاتهن الأسرية وطرق التعامل مع أفراد أسرهن. تقول أم صادق: «زوجي شعر أيضا بالفرق في تعاملي معه ومع أبنائنا، حاولت أن أطبق المفاهيم والنصائح التي اكتسبتها من البرنامج وعملت بشكل جيد انعكس على حياتي العائلية».

أما أم عيسى فتقول: «اكتسبت الكثير من الصداقات من خلال البرنامج وشعرت باهتمام القائمين على البرنامج الفعلي بنتيجة ما يعلمننا إياه». وتضيف: «كنا نتشوق فعلا إلى اليوم الذي تكون لدينا حصة دراسية فيه، وننتظر هذا اليوم بفارغ الصبر لنجمع فيه المشكلات التي واجهتنا خلال الأسبوع ونناقشها في الحصة... كان الأسبوع الذي يفصلنا عن أية حصة مقبلة حافلا بتطبيق كل ما تعلمناه في الحصة السابقة، وكان أطفالنا يشوقون أيضا إلى هذا اليوم ويتلقفون المذكرة التي تعطينا إياها المدرسة لحل التمرينات التي تشتمل عليها».

وتستطرد أم صادق: «كانت (زيارة يوم الخميس) بالنسبة لي ولطفلتي متعة كبرى، كنا ننتظر حضور المدرسة إلى منزلنا ونطلعها على تطور الوضع الدراسي ومدى تطبيق ما تعلمناه أنا وطفلتي خلال الأسبوع، كانت طفلتي تعد نفسها للزيارة وترتدي الملابس الجميلة لتراها المدرسة في أحسن صورة».

التجربة بعيون المشرفين

تقول خريجة الخدمة الاجتماعية ومدرسة البرنامج سلوى رشدان: «كان تطبيق هذا البرنامج بالنسبة لنا تجربة جديدة، لكنها كانت تجربة ناجحة بكل المقاييس، كنا نتعلم من الأمهات بقدر ما كنا نعلمهن. كان البرنامج يشتمل على عمل بحث حالة لأكثر من 92 أسرة شاركت فيه، وكانت نتائج الدراسة إيجابية للغاية». وتضيف رشدان: «أثبتت الدراسة أن تعليم الأطفال في المنزل أكثر فعالية ويمكن القيام به من خلال أدوات بسيطة غير مكلفة، كنا نعلم الأمهات بحبوب العدس والأحذية والملابس وأي الأدوات الموجودة في المنزل».

وتشير رشدان إلى أن هناك فرقا في المستوى التعليمي بين الأمهات، إلا أن ذلك لم يشكل عائقا أمامهن للتعليم، كما أن بعض الأمهات شعرن بالخجل من المشاركة في الأيام الأولى، إلا أنهن مع الأيام بدأن يتأقلمن مع الجو الدراسي وبدأن في المشاركة الفعالة مع البقية.

السبب وراء وضع هذا البرنامج

تقول مسئولة البرنامج جوليا حديد إن دراسة أعدتها العام 200 أثبتت أنه في مملكة البحرين لا يحظى أكثر من 70 في المئة من الأطفال التي تتراوح أعمارهم بين 3 و6 سنوات بأي نوع من أنواع الرعاية والتعليم أو برامج الإثراء المنزلي، مشيرة إلى أن هذا الوضع يشابه الوضع في الدول العربية المجاورة إذ لا توجد أية برامج موحدة للتعليم في مرحلة ما قبل المدرسة كما لا تتمتع رياض الأطفال بالدعم المالي من قبل الحكومة. وتذكر حديد أنه على رغم النمو المستمر الذي يشهده القطاع التعليمي الخاص في مراحل رياض الأطفال، فإن الفجوة لا تزال متسعة بين العرض والطلب بحيث لا يمكن سد النقص الحاد في خدمات الرعاية التعليمية المتوافرة بالنسبة إلى الأطفال المحرومين على المستويين الاقتصادي والاجتماعي بشكل خاص، فالرسوم المتقاضاة مقابل البرامج التعليمية في المؤسسات الخاصة ليست في متناول عدد كبير من الأسر إضافة إلى التباين الملحوظ في نوعية وجودة البرامج المتاحة في تلك المؤسسات.

وتقول حديد إن نسبة الأطفال الذين يحصلون على تربية وعناية قبل الدخول إلى المدرسة في الدول المتقدمة مثل هولندا والدنمارك وفرنسا والولايات المتحدة الأميركية تفوق 80 في المئة، بينما تصل هذه النسبة إلى أقل بكثير من ذلك في الدول النامية (مثل دول الخليج وشرق إفريقيا والهند وتركيا) وقد لا تتعدى 25 في المئة في البعض منها، وبسبب التغييرات الجذرية التي طرأت على الحياة الأسرية واضطرار عدد كبير من الأمهات إلى العمل خارج المنزل فقد باتت مشكلة العناية بالأطفال وتعليمهم تشكل تحديا كبيرا دفعها إلى تطبيق هذا النوع من البرامج في البحرين بعد أن أثبت نجاحه في تركيا على مدى سنوات طويلة.

إطار العمل في برنامج التثقيف المنزلي للأم والطفل

وعن عناصر البرنامج تقول حديد إنه يشتمل على قسم للتدريب على الإدراك يهدف إلى تنمية القدرات الإدراكية لدى الطفل في سن الروضة وإعداده لدخول المدرسة من خلال الكتب والقصص وأوراق العمل وحل التمارين التي تتدرب الأم على كيفية استخدامها بشكل يومي في المنزل على مدى 25 أسبوعا. في الوقت الذي تقوم فيه رئيسة المجموعة المدربة (والتي تنتمي إلى المنطقة نفسها غالبا) بزيارات للمنازل للتأكد من تطبيق برنامج التدريب على الإدراك بشكل صحيح وحل المشكلات التي قد تواجهها الأم مع الطفل.

أما القسم الثاني للبرنامج فهو الخاص بدعم الأم والذي ينفذ في الفترة الزمنية نفسها وعلى مدى 25 أسبوعا متتاليا ويتضمن سلسلة من النقاشات الجماعية الخاصة بالأمهات. وتركز المناقشات الأسبوعية - حسبما تذكر حديد- على موضوعات تتعلق بتنمية الطفل، وطرق ضبط السلوك، وأنشطة اللعب الإبداعية التي يجب تطبيقها في المنزل. وتضيف حديد: «الغرض الرئيسي من الاجتماعات الأسبوعية والتي يستغرق كل منها حوالي 3 ساعات هو زيادة وعي الأم فيما يتعلق بالاحتياجات الاجتماعية، والعاطفية، والإدراكية والبدنية للطفل وتمكينها من تعزيز نمو شخصية الطفل ونضجه الاجتماعي، كما أن الطبيعة غير الرسمية للاجتماعات الأسبوعية تتيح للأم الفرصة في طرح الأسئلة، وتبادل الخبرات الشخصية، واستنباط الأفكار الجديدة بكل حرية. إذ ان تبادل الآراء في تلك الاجتماعات يرتكز على التجارب الواقعية، كما ترتكز جميع الموضوعات على الممارسات التنموية المرتبطة بالثقافة.

البحث العلمي بشأن هذا البرنامج في مملكة البحرين

تشير حديد إلى مخطط لبحث تعليمي تم وضعه من أجل التحقق من مدى فاعلية هذا البرنامج في البحرين ويشتمل على مقياسين هما:

- تأثير برنامج التربية المنزلية على النواحي المتعددة المتعلقة بنمو الأطفال الذين يعيشون في المجتمعات المحرومة في مملكة البحرين.

- تحديد وتفحص العوامل المتعددة والخاصة بالعلاقة بين الأهل والطفل والتي تدعم عملية تعلم الطفل.

وتعتبر الطريقة المتبعة في البحث شبه تجريبية، وتشتمل على نتائج الاختبارات التي أجريت على مجموعتين من الأطفال الذين يتمتعون بالميزات نفسها (المرحلة السنية، البيئة الاجتماعية والاقتصادية، مستوى التعليم عند أهلهم وأعمارهم، حجم الأسرة، هيكلية الأسرة... الخ) إذ سيخضع جميع الأطفال والأسر لاختبار قبل وبعد البرنامج المعد لفترة 25 أسبوعا.

استمرارية البرنامج ومتابعة تقدمه وفعاليته

تقول مساعدة مديرة البرنامج بالوكالة مينا كاظمي إن البرنامج سيقوم كل عام باستقطاب دفعة جديدة من المشاركين (أطفال وأمهات)، إذ سيتم اختيار أكبر عدد من الأسر للمشاركة فيه في حال توافر الموارد المالية اللازمة. كما سيكون هناك من يتابع الطفل خلال سنته الأولى في المدرسة وتقديره في نهاية السنة الدراسية، وبذلك يكون بالإمكان قياس تأثيرات هذا البرنامج على نتائج الطفل وأدائه ودرجاته المدرسية.

وتضيف كاظمي: «نحن نسعى إلى الحصول على تمويل على المدى الطويل من المنظمات الدولية مثل برنارد فان لير، والبنك الدولي، واليونسكو حالما يتم نشر نتائج البحث عن العام الماضي».

دعوة تتجدد إلى المشاركة في البرنامج هذا العام

في ظل الوضع التعليمي الراهن بالمملكة، وفي ظل وجود 70 في المئة من الأطفال المحرومين من التعليم قبل المرحلة الابتدائية بسبب ضيق العيش، يبدو برنامج التثقيف المنزلي للأم والطفل (حلا مثاليا) للأطفال والأمهات معا. تجربة بدأتها إدارة البرنامج العام الماضي ولاقت نجاحا رائعا، وتستمر فيها هذا العام أيضا، والدعوة مفتوحة أمام أي من الأمهات اللاتي تنطبق عليهن الشروط للاشتراك في هذا البرنامج... تجربة قد تبدو غريبة وغير مألوفة في مجتمعنا، إلا أنها تستحق المحاولة


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/207379.html