العدد: 1739 | الأحد 10 يونيو 2007م الموافق 24 جمادى الأولى 1428هـ
لا تقترب ... فأنت سلفي
السلف... الجماعة التي ترفض تكوين الجماعات
أن تكون سلفيا هذه الأيام... فأنت مجرم... وأنت مشبوه ومطارد... وأنت تكفيري... وأنت فوق كل ذلك... مكروه جدا من قبل المعتدلين... على اختلافاتهم.
أن تكون سلفيا... يعني أنك تنتمي إلى عالم لا يعرفه الكثيرون، عالم مليء بالأسرار، والأخطار، والاتهامات أيضا... ولأن عالمك مجهول للباقين، ولأنه عالم مختلط بعوالم أخرى شطت يمينا أو شمالا، فعليك أن تتحمل ما يقال عنك جهارا نهارا، أو خلف الأسوار والأستار. فأنت تتحمل تهمة العصر... تهمة تعتبرها في الواقع، في أعمق أعماق إيمانك... شرف كبير لك. لكنك لا تعرف ربما أنها تهمة تكلفك يوميا... الكثير.
نفتح هذا اليوم ملفا شائكا وحساسا جدا، «ملف السلف في البحرين»، نحاول من خلاله أن نقترب من الفكر السلفي «المحلي»... نفهمه، وندرس جذوره التاريخية، وأصوله الفكرية، نحاول ولو قليلا أن نطبق بصوت عالٍ كل تلك الجذور والأصول على المواقف السياسية المعاصرة التي اتخذها السلف، نحاول أن نستشف التطبيقات العملية لتلك الجماعة التي ترفض في جذورها الأصلية تكوين الجماعات. هدفنا في كل ذلك الفهم، وليس النقد. وعلى رغم شح المعلومات «المحلية»، وصعوبة الوصول إليها، حاولنا جهدنا أن نخرج بالجديد الذي يمكن أن يقال في ملف قيل فيه الكثير، لكنه لا يزال على رغم كل ما قيل... غامضا.
سلفي... حتى النخاع
كان لا بد لنا لكي نبحث في الأصول الفكرية للسلف، أن نطرق البيوت من أبوابها فنتحدث إلى أحد المنتمين إلى الفكر السلفي، ليشرح إلينا بنظرة فاحصة، ناقدة عن علم بالأمور، ماهية الفكر السلفي في البحرين، ماهية ذلك التيار المحلي الذي يرتبط بالخارج في كثير من تقاطعاته، والذي دخل العمل السياسي أخيرا.
محدثنا سلفي حتى النخاع، بحريني حتى النخاع، وعلى رغم عدم نشاطه السياسي، وعدم انتمائه إلى جمعية التربية الإسلامية (الفرع المنظم للسلفيين في البحرين)، فإن عمق سلفيته قادته ليكون يوما أحد المتهمين في قضية «خلية الستة» الشهيرة، التي خرج منها بشق الأنفس. بريئا من تهمة القضية، وغير بريء من «تهمة» السلفية التي تشربها، فصار يشعر بالألم من الحال الذي وصلت إليه النظرة الخاطئة إليها. يقول «أشعر بنظرات الأجانب هنا في البحرين تحاصرني وتحاصر اخواني السلفيين، يتطلعون إلى اللحية والثوب القصير فيشعرون بالتهديد، يشعرون بأن وراء كل فرد منا قنبلة ستنفجر في وجوههم، أو مدفع رشاش سنصوبه إلى صدورهم، وكلها أمور مدبرة ومخطط لها بهدف أن نظهر بهذه الصورة... ونحن منها براء».
«السلفية البحرينية»…
تيار واضح وتيارات في العمق
عندما تتحدث عن تيار «السلفية» في البحرين، فإنك تتحدث عن جمعية التربية الإسلامية، و«جناحها السياسي» المتمثل في جمعية الأصالة الإسلامية التي دخلت التجربة السياسية بنواب بدا بعضهم «مخضرما»... وعلى رغم وجود تيارات متضادة للفكر السلفي في المجتمع البحريني، لا يمكن إنكار أن الفرع الأقوى والأكثر بروزا بينها هو فرع جمعية التربية الإسلامية التي تأسست في العام 1978، وتمت إعادة تسجيلها بمقتضى قانون الجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والهيئات الخاصة في العام 1990. كان لهذه الجمعية حضور بارز في المجتمع البحريني وهي تحاول أن تحقق عددا من أهدافها التي تنصب أساسا في «الاهتمام بنشر العقيدة الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة الصحيحة على فهم السلف، رفع المستوى التربوي والثقافي والإسلامي والأخلاقي والاجتماعي للمسلمين بصفة عامة، رعاية الأيتام وتنشئتهم تنشئة إسلامية واكتشاف مواهبهم وتنميتهما ليكونوا أعضاء نافعين في المجتمع، تعليم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، تقديم الرعاية الصحية للفقراء والمحتاجين وإقامة الأنشطة التطوعية الخيرية، وتقديم العون الكافي المناسب لجميع المحتاجين داخل البحرين وخارجها وفق إمكانات الجمعية».
هذا ما يعرفه الكثيرون، غير أن للأمر في الحقيقة بعدا آخر أكثر عمقا للسلفية في البحرين من جمعية التربية وكتلة الأصالة. يقول محدثنا «للتيار السلفي الممثل لجمعية التربية الإسلامية نفوذ في مناطق متنوعة في البحرين، تمتد من المنامة إلى المحرق إلى الرفاع، حتى أننا نلمس أحيانا تنافسا بين عمل التيار السلفي في كل منطقة من هذه المناطق، فالتيار السلفي في المحرق مثلا أكثر نشاطا عنه في مناطق أخرى». ويضيف «على رغم هذا النفوذ البادي لجمعية التربية لا يمكننا أن ننكر وجود عدد من التوجهات الفكرية «السلفية» الأخرى في البحرين، فهناك توجه فكري رئيسي يرى أن العمل الجماعي برمته غير مقبول، ونذكر من المخالفين لتيار جمعية التربية الإسلامية كل من الشيخ فوزي الأثري والشيخ عادل الحسن، ولكن لأن هؤلاء المفكرين لا يرون بالتجمع والتحزب لم نجد لهم جماعة أو فرقة» ويشرح فكرهم في رفض تكوين الجماعات أو الأحزاب بقوله «أينما وجدت تلك الجماعات فرقت بين الناس وحتى التابعين منهم إلى الفكرنفسه، كما أن وجود الحزب يجعل هناك تفضيلا للمنتمين إلى هذا الحزب عن الخارجين عليه، وهو باب يفتح واسعا لكثير من المرتزقة الذين يدخلون هذا الحزب أو هذه الجماعة سعيا للرزق أو لمصلحة ما فقط، وهو ما رأيناه كثيرا بالنسبة للأعضاء الذين تم اختيارهم في المجلس البلدي أو النيابي في البحرين».
«التربية»... تياران بدلا من تيار واحد
كثيرا ما تردد عن وجود تيارات فكرية متعددة تضمها جمعية التربية الإسلامية، أما محدثنا فيرى بوجود تيارين رئيسين «متنافرين أحيانا» داخلها، يقول الشيخ عادل المعاودة وهو أحد رموز الخط السلفي داخل الجمعية أكثر ميلا للعمل التقليدي، وكثيرا ما يختلف مع ممثلي التيار السلفي الآخرين في داخل الجمعية. أما أساس الخلاف فهو وجود تيارين رئيسيين داخل الجمعية، التيار التقليدي المتأثر بالطريقة السلفية التي تتأثر بالزمان والمكان والظروف، وتؤمن بضرورة ألا يكون هناك عمل سياسي أو جماعي أو حزبي وأن الدولة هي التي تمسك بكل السلطات في يديها وأن لا شرعية لأية مؤسسة خارج مؤسسة «أولياء الأمر»، ويأتي في مقابل هذا التيار السلفية التي تؤمن بالعمل الجماعي المنظم عبر تأسيس الجمعيات والأحزاب». هذه السلفية الأخيرة هي التي اتخذت قرارها بالمشاركة في الانتخابات النيابية والعضوية في البرلمان بناء على فتوى تقول ان «العمل في البرلمان هو عبارة عن العمل من خلال منكر لإزالة منكر أكبر» وهو يعني أن المشاركين لا ينكرون أنهم في «منكر»، ولكنهم يسكتون عليه «لإزالة منكر أكبر» وهو أن يتسلط الفساد على البلاد.
غير أن محدثنا يعود ليؤكد أن دائرة الاتفاق بين أعضاء السلفية وتياراتها في جمعية التربية على رغم كل ذلك أكبر من دائرة الاختلاف، مؤكدا أن الاختلاف في أساسه نابع من «حرية الفكر لدى السلفيين، إذ يمتلك السلفي كامل الحرية في انتقاء الفتوى وتقليد من يريد تقليده في كل أمر من الأمور، فالسلفية تشجع على أن يتنوع الشخص في انتقاء الفتاوى، وأن لا يتم التركيز على شخص بعينه وإلا فإن الفرد يؤثم على ذلك لأنه صار يأخذ تعاليم دينه من شخص واحد بما يوصله إلى درجة التقديس، فيجعله أربابا من دون الله».
جمعية التربية X جمعية إحياء التراث الكويتية = التقاطع
«غالبية المنتمين إلى تيار جمعية التربية الإسلامية في البحرين يتبعون بشكل أو بآخر توجه جمعية إحياء التراث الكويتية بقيادة الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق، حتى أن بعض قيادات الجمعية ورموزها الكبيرة شديدة الاتصال بالشيخ بشكل مباشر وترى فيه مرجعية مباشرة لهم»، هذا ما يؤكده محدثنا، ولا تبدو هذه المعلومة غريبة عندما نعلم أن الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق هو أحد أبرز المفكرين السلفيين الذين جوزوا العمل الجماعي في مؤلفات له، وكانت جمعية إحياء التراث الكويتية تطرح كتبه في العمل الجماعي بشكل مستمر لتوزعها على الجميع «وكأنما كانت تريد توجيه السلفيين إلى العمل الجماعي على اعتبار أن لا ضرر شرعي فيه» بحسب قول محدثنا الذي يضيف «واجه الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق كثيرا من المعارضة من قبل السلفيين الذين يرون أن العمل الجماعي قد يقود إلى انحياز وتحزب عن عامة المسلمين وهي مخالفة شرعية صريحة، وهو ما دعاه إلى نشر كتابه «المسلمين والعمل الجماعي» ردا على كل هذه الدعاوى... من كل ذلك أثر فكره على جيل بأكمله من السلفيين تربى على قضية العمل السياسي والجماعي بمختلف ما كان فيه من أخذ ورد في شرعيته وعدم شرعيته، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الوضع في البحرين وكان المحرك الأول لتأسيس جمعية التربية الإسلامية».
عن العلاقة التقاطعية بين الجمعيتين، إحياء التراث في الكويت والتربية الإسلامية في البحرين يقول محدثنا «التيار السلفي الذي يجوز المشاركة السياسية هو أحد أبرز التيارات تأصيلا ودعما ماديا أيضا والذي يمتد إلى مناطق كثيرة، ويمكن النظر إلى جمعية إحياء التراث الكويتية كمحرك رئيسي للتيار السلفي المعاصر في كثير من دول المنطقة العربية مثل مصر واليمن والبحرين. وحصلت كثير من المشاكسات بين السلفيين وبعضهم البعض بخصوص المخالفات التي ترتبت على المشاركة السياسية والتي كانت جمعية إحياء التراث الكويتية وشيخها عبدالرحمن عبدالخالق تتهم بكونها المحرك لهذه الخلافات بين المسلمين».
«كان الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق في طرحه فكرة العمل السياسي العصري في الفكر السلفي المعاصر، شبيها بالإمام الخميني في طرحة لقضية ولاية الفقيه لدى الفكر الجعفري». بهذا التشبيه وصف محدثنا الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق الذي قام بحسب قوله بتمويل الحركات السلفية ضد حركة الإخوان المسلمين، غير أنه لم يتمكن من جمع كل آراء السلفيين حوله، وبذلك بدأت السلفية تخوض صراعين معا، الأول مع الإخوان المسلمين، والثاني مع إخوانهم من السلفيين الذين لا يتقبلون وجود العناصر التي «شقت الصف» بالنسبة إليهم. يقول محدثنا «كان غالبية ما يسعى إليه الأعضاء الذين انضموا للتيار السلفي المنظم هو الأموال التي كانت تصب على الجمعيات التي تتبع نفس التيار في كل من مصر واليمن والبحرين، وهو ما تسبب في أن تستغل تلك الأموال أحيانا في غير مكانها، وهو السبب في تعرض جمعية إحياء التراث الكويتية كذلك للنقد بكون أموالها بدأت تصب في صالح التفرقة بين المسلمين بدل مساعدتهم».
ويعود محدثنا ليؤكد أن الشيخ عبدالخالق نقل التيار السلفي نقلة نوعية وخصوصا في فترة الستينات والسبعينيات، معتبرا هذه النقلة ردة فعل للتأثير الذي حصل لتيار الإخوان المسلمين في مواجهة التيار الشيوعي والتيارات اليسارية التي بدأت تنتشر بقوة في تلك الفترة فصار الإخوان يواجهونها بمثل أسلحتها، من أناشيد، ومسرح، وثقافة، وعمل نسائي وشبابي. يقول محدثنا «جاء الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق فوجد أن الساحة السياسية يتقاسمها الإخوان والشيوعيين بقوة، ووجد أن لا حضور حقيقي للتيار السلفي، وهنا قرر أن يفتح جبهة ثالثة لا تنضم إلى الفكر الإخواني، وهي جبهة العمل السياسي السلفي في السبعينات والثمانينات. هنا بدأ التقاطع عندما بدأ التيار السلفي الحداثي يستوحي من عمل الإخوان المسلمين الذي استوحى بدوره بعض أدواته من الشيوعيين، وهو الأمر الذي أثار انتقادات من قبل السلفيين الأصليين الذين وجدوا أمامهم شيئا جديداُ تماما، إذ لم يكن السلفيون يعرفون المسرحيات أو الأناشيد أو التقعيد الفكري خارج إطار المرجعيات، أو حتى التقعيد للعمل السياسي، غير أن الشيخ عبد الخالق واجه كل ذلك بقوة مناهضا تلك الأفكار، ومؤسسا للسلفية المعاصرة التي استوحت جمعية التربية الإسلامية عملها منها، ولا تزال».
الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق اليوسف
- ولد في العام 1939 للميلاد، 1358 للهجرة
- العالية من كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة
- التدريس في مدارس الكويت من 1965 إلى 1990 ميلادية، 1385 إلى 1410 للهجرة
- جمعية إحياء التراث الإسلامي، الكويت.
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/236395.html