العدد: 1938 | الأربعاء 26 ديسمبر 2007م الموافق 16 ذي الحجة 1428هـ

في «حداثة القديم في شعر المتنبي»... الأكاديمي المناعي في الملتقى الثقافي الأهلي:

المتنبي جعل من القصيدة لوحة صوتية... وهو ابن خلدون الشعر بلا منازع

استهل الأستاذ المحاضر بالجامعة التونسية مبروك المناعي محاضرته التي ألقاها مساء يوم الثلثاء الماضي في النادي الأهلي الثقافي تحت عنوان «حداثة القديم: وجهة نظر في شعرية المتنبي» بالقول: «قال فيه ابن رشيق القيرواني: ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس». واعتبر أن المتنبي أكبر ظاهرة شعرية عربية منذ ما يربو على ألف عام، وديوانه ثاني نص في التراث العربي، بمعنى أنه حظي بأكبر قسط من الكتابات والقراءات والمراجعات النقدية.

وأكد المناعي في معرض إجابته عن التساؤل التقليدي: لماذا وبماذا يحضر فينا المتنبي كل هذا الحضور؟ أن تميز المتنبي ينبع من ثلاثة مجالات فنية كبرى تنهض عليها بنية خطابه الشعري، هي على التوالي: أولا: مجال النظم بمعنى التركيب والتنظيم الشعري الذي يعمد المتنبي في إطاره إلى التحايل على منطق التركيب النحوي فينقص من نحويته لكنه في الوقت ذاته يزيد في شعرية الكلام المنظوم. ويعتمد المتنبي، بحسب ما ذهب إليه المحاضر، تقنيتين بلاغيتين بقصد تجسيم هذا المطلب الفني وهما أسلوب التقديم والتأخير، من ذلك قوله «طوى الجزيرة حتى جاءني خبر». وتقنية المقابلة التي تجاوز فيها الشاعر المقابلات البسيطة إلى المقابلات المعقدة التي تمتد على كامل المقطع الشعري كقوله في إحدى قصائده «على قدر أهل العزم تأتي العزائم... وعلى قدر أهل الكرم تأتي المكارم»

أما المقوم الثاني الذي ترتكز عليه البنية الفنية لقصائد المتنبي فهو المقوم التمثيلي أو نظام الصورة والتخييل. وفي هذا الخصوص يقول المناعي إن ما يميز المتنبي عن غيره من الشعراء هو قدرته على تحويل موضوع القصيدة شخصا كان أو حيوانا أو شيئا إلى مصدر تصوير أو ما يسميه بعض النقاد الغربيين «الأصل المعين». وللدلالة على هذه التقنية الفنية قدم المحاضر مثالا لبيت شعر قاله المتنبي في مدح عضد الدولة «بعضد الدولة امتنعت وعزّت... وليس لغير ذي عضد يدان».

المجال الثالث الذي برع فيه المتنبي وتجسّد بصورة واضحة في شعره، هو مجال «التنغيم»، ذلك أن الشاعر اشتغل على طاقات الصوت داخل النص الشعري وأحدث تحويرات في التنغيمات وخصوصا على مستوى مطالع القصائد ومثال ذلك قوله «لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ... وللحب ما لم يبق مني وما بقي».

وأضاف الأستاذ المحاضر بالجامعة التونسية أن المتنبي برع تماما في مجال التنغيم فعمل على استخدام تقنية الترصيع أي إحداث قوافٍ داخلية تحدث تداعيا لأصوات متجانسة داخل البيت الواحد وكلمات تأخذ برقاب بعض، ومن ذلك قوله «رمى الدرب بالجرد الجياد».

كما أكد المناعي في هذا الخصوص أنه يتضح في شعر المتنبي أنه يعول على الصناعة الموسيقية في الصدر دون العجز، ما يحيل على احتفال الشاعر بالبدايات في قصائده ويجعل القصيدة جغرافيا ولوحة صوتية ذات منحى متفرد، وهو خيار تميز البنية الشعرية عند المتنبي وخصوصا أن منطقة الصدر في البيت الشعري كانت دائما المنطقة الفقيرة في القصائد العربية. ولخص المناعي محاضرته التي قدم فيها وجهة نظر أكاديمية في شعرية المتنبي، بأن البرنامج الفني عند المتنبي يأتي لخدمة البرنامج الفكري، إذ استطاع من خلال الشعر أن يزين ما أراد وأن يقبح ما أراد، بالإضافة إلى أنه استطاع أن يعيد الاعتبار للبداوة والحرب بعد أن كان شعراء محدثون مثل أبونواس أن يحطون من قدرها.

وأشار المناعي في هذا الخصوص إلى أن المتنبي حاور أبانواس في شعره حوارا خلافيا حاول من خلاله أن يعيد بالشعر مجد الأمة، وأنه ابن خلدون الشعر بلا منازع


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/270149.html