العدد: 1951 | الثلثاء 08 يناير 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1428هـ
خالة «ابنة القدر» مُلوك الماحوزي:
بوتو... يجري في شرايينها دم عراقي وسعودي
«ابنة القدر» بينظير بوتو، تجري في عروقها دماء عربية، على رغم أنها ابنة زعيم باكستاني، ولكن نصفها عربي، وتتقاسم السعودية والعراق هذا النصف. هذا ما تؤكده خالتها ملوك الماحوزي، التي تجاوزت التسعين عاما من العمر، وتعيش في محافظة القطيف، وتتلقى الخالة منذ وفاة بوتو العزاء في ابنة أختها، إذ غص منزلها بالمُعزين.
يعود آخر لقاء بين ملوك وابنة أختها إلى نحو أربعة عقود، حين كانت بينظير في العاشرة من عمرها، ولم تلتقيا لاحقا؛ بسبب ظروف كل منهما، على رغم استمرار العلاقة بين نصرت الصابونجي (والدة بينظير) وبين خالتها ملوك الماحوزي، فإن الخالة مازالت تتذكر الكثير من تفاصيل حياة هذه العائلة، التي تميزت بـ «العناد، التحدي، والإصرار على الوصول إلى الأهداف، حتى لو قدموا دماءهم في سبيل ذلك»، وهذا ما حدث للأب ذوالفقار علي بوتو، والابن مرتضى، والابن الآخر شاه نواز، وأخيرا البنت «الصغيرة العنيدة» بينظير.
البداية من العراق
قلّبت ملوك صفحات من حياة أسرة بوتو، التي كانت تزورها في باكستان. وتقول ملوك: «تقدم لأختي فاطمة، وهي الشقيقة الوحيدة لي، أحد أقارب أمي في العراق، إذ إن والدتي عراقية، وتزوجت فاطمة عندما بلغت التاسعة، وكان زوجها ميرزا الصابونجي صغيرا في السن أيضا، وارتحلت معه إلى العراق، وكان ميرزا مثقفا ومتعلما ومحبا للقراءة والسفر.
وفي إحدى المرات، قرر السفر للهند؛ للتعرف إلى تلك البلاد ومعالمها، فوجد أن صناعة الصابون مزدهرة هناك، وتدر أرباحا طائلة، فعاد إلى العراق، وعرض على زوجته فاطمة مرافقته إلى هناك، ولكنها رفضت في البداية، وسرعان ما وافقت على طلبه، بعد أن قال لها إنه وجد مصدرا للرزق الوفير، وإن لم توافق على مرافقته فسيرحل بمفرده».
وتكمل ملوك «عندما توجهت فاطمة مع ميرزا إلى الهند، كان لديهما ابنتان: شفيقة وبهجت، ولاحقا رُزقت بنصرت هناك، كما أنجبت زينة، وبينهن ولدان، ولكن لم يكتب لهما الحياة، وتزوجت شفيقة وبهجت شابين عراقيين، كانت تربط الأسرة بهما علاقة.
أما نصرت فكانت مثل والدها، محبة للدراسة والعلم، فقررت دراسة الهندسة في باكستان، ولم يمانع والداها، طالما أن في ذلك بناء لمستقبلها».
نصرت «العنيدة» وذوالفقار
وفي باكستان بدأت قصة «القدر» لنصرت، التي أحبت شابا يُدعى ذوالفقار علي بوتو، أصبح لاحقا قائدا وزعيما واسع الصيت، وعرض عليها الزواج، فقبلت ذلك، وعادت إلى الهند في إجازتها، لتبلغ والدها، بَيْد أنه أجابها بـ «الرفض القاطع»، ورفض معه أي نقاش أو تفاهم، وكان عذره «كيف تتزوج ابنتي باكستانيا؟» وكانت عائلة الصابونجي حصلت على الجنسية الهندية حينها. وطلب الأب ميرزا من ابنته نصرت نسيان الأمر، وإكمال دراستها، ولكنها لم تستجب له، وتمسكت بذوالفقار، وتزوجته بعد وفاة والدها، الذي توفي بشكل طبيعي في الهند، ودفن هناك».
تتوقف الخالة ملوك، لتكمل الحكاية «إلى هذا الوقت كانت هناك علاقة وطيدة تربطنا بهم، إذ كنت أسافر إلى الهند، وأبقى معهم فترات طويلة، وكانت حياتهم جميلة ومستقرة، وخصوصا بعد أن جنى زوج أختي ميرزا أرباحا طائلة من صناعة الصابون، وكان يملك مصنعا كبيرا يعمل فيه قرابة 500 عامل، كما اشترى عددا من العقارات هناك، واستقر في الهند. حتى بعد وفاته كانت تجارته مزدهرة، إذ كان هناك من يديرها له، فقد قام بجلب عدد من أفراد أسرته من العراق إلى الهند؛ لمساعدته على أعماله، وكانت وفاته أمرا عظيما عند أختي، وما خفف عليها هو وجود عدد من أهله وبناتها اللاتي كبرن، وكن يتولين رعايتها».
بعد وفاة ميرزا، أصرت نصرت على الزواج بذوالفقار، ولم تواجه معارضة من أحد من أفراد العائلة، وتم الزواج بحضور أهلها. وتقول ملوك: «كنت من بينهم، فلم يكن هناك فرق في السن بيني وبينهم آنذاك».
وتذكر حفلة الزفاف: «كانت ضخمة وملوكية، وكانت ابنة أختي نصرت سعيدة بزواجها من علي بوتو، الذي كان زوجا رائعا وقائدا عظيما، كما كان ينتمي إلى عائلة كبيرة أيضا، وكانت شخصيته قوية، وكلمته مسموعة، كما كان كثير القراءة والاطلاع أيضا، ولا يخاف شيئا في سبيل ما يراه حقا». وتضيف «ذهلت من حجم القصر الذي سكنته نصرت، فحتى المرايا كانت محلاة بالذهب والأحجار الكريمة، وكانوا يرسلون إليّ الكثير من الهدايا، سواء من أختي فاطمة في الهند، أو من ابنتها نصرت في باكستان، إذ كانوا يرسلونها إليّ من طريق مندوب شركتهم التي كانت تورّد الصابون إلى المملكة». واستدركت ملوك «كان زواج نصرت من بوتو حلم حياتها، وحصلت عليه على رغم علمها أنه مستهدف من جانب أعدائه في باكستان، وهذا ما حدث لاحقا، إذ انقلب عليه قائد الجيش ضياء الحق، وأعدمه بعد عامين من وضعه في السجن».
الموت يطارد العائلة
وأنجبت نصرت من ذوالفقار بنتين وولدين، هم: مرتضى ثم بينظير (يعني اسمها الذي ليس له نظير)، وشاه نواز وشاه زنان (ملكة االنساء).
وتذكر ملوك أن «مرتضى وبينظير كانا الأكثر شبها بوالدهما في الحكمة والقيادة، على رغم أنهما اختلفا مع بعضهما سياسيا، وقد قتل مرتضى خلال اشتباكات مع الشرطة الباكستانية قبل 11 عاما، وكانت أخته حينها هي رئيسة الوزراء في باكستان، فيما قُتل شقيقهما شاه نواز مسموما في فرنسا قبل ذلك بكثير (قبل 22 عاما)، أما أختهم شاه زنان فلم يكن لها علاقة بالسياسة، وسمعت أنها رحلت مع زوجها إلى لندن بعد اغتيال والدها». وتتذكر ملوك الطفلة بينظير «كانت صغيرة جدا، ولكنها كانت بشدة والدها نفسها وحزمه، وكانت نصرت تفخر بذلك، وبعدها انقطعت أخبارهم عني، وخصوصا بعد مقتل زوجها، ووضع ابنة أختي نصرت قيد الإقامة الجبرية، فيما دخلت بينظير السجن لمدة خمس سنوات، ولاحقا رحلت نصرت إلى الإمارات العربية المتحدة، وكانت بينظير معها آنذاك، وحاولت في تلك السنوات الذهاب لهم هناك، ولكنني لم أوفق، فأنا لم أنجب أولادا، وزوجي - يرحمه الله - كان عاجزا عن مرافقتي إلى هناك، ولكنني بقيت على تواصل معهم، من خلال مطالعة أخبارهم في الصحف والتلفزيون، وخصوصا بعد سقوط ضياء الحق، وعودة نصرت وابنتها إلى باكستان، وترشحهما في الانتخابات، وفوزهما، ثم وقوع الخلاف بين الأم وابنتها».
مجلس عزاء
بينظير في القطيف
لم تستغرب مُلوك الماحوزي كثيرا لدى سماعها خبر اغتيال ابنة أختها بينظير بوتو، «فهذا كان قدرها، مثل والدها وإخوتها، وكنت توقعت لها هذه النهاية المؤلمة، حتى إني حاولت الاتصال بها كثيرا خلال الشهر الماضي، إلا أن محاولاتي باءت بالفشل، حتى جاء جيراني ليخبروني بمقتلها، واجتمعوا لديّ في المنزل؛ لمواساتي»، ولكن ملوك تمنت أن تكون في هذه اللحظة «إلى جوار ابنة أختي نصرت، التي تعاني من مرض (الزهايمر)، وتضاعفت معاناتها الآن، بموت ثالث أولادها (بينظير)». كما تتمنى أن «أكون معها في هذه الأوقات الصعبة، فنصرت فقدت زوجها وابنيها وابنتها؛ بسبب السياسة، ولابد أن يكون بقربها أحد يواسيها في مصابها، ولكني لا أعلم كيفية الوصول إليها، حتى رقم الهاتف للاتصال عليها، ولعجزي قررت إقامة مأتم عزاء في منزلي، لمدة ثلاثة أيام؛ كي أقرأ الفاتحة على روح ابنة أختي». وأضافت الخالة ملوك «لم يبقَ من عمري إلا القليل القليل، وأتمنى رؤيتهم، فقد كان أبناء أختي هم أبنائي، إذ إني تزوجت ولم أنجب، وأتمنى رؤية أختي قبل أن أموت، ورؤية من بقي من عائلتها».
@ نقلا عن صحيفة «الحياة» اللندنية
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/272131.html