العدد: 2096 | الأحد 01 يونيو 2008م الموافق 26 جمادى الأولى 1429هـ

أنا أحق بالجائزة

كانت جدتي هي ملاذي الوحيد إذا ألمّت بي مشكلة، أو احترت في مسألة، أو رغبت في نصيحة.كنت أعود من المدرسة كل يوم لأجري إليها وأقبل جبهتها وأخبرها عن يومي الدراسي.

في صباح أحد الأيام بينما كنت أتصفح الجريدة اليومية وإذا بي أرى إعلانا لإحدى الشركات الأجنبية تعلن عن بدء التسجيل لمسابقة في الفيزياء، فقررت المشاركة، وعرضت الأمر على والديّ فرحبا بالفكرة وشجعاني ثم أخبراني بأنهما سيقفان إلى جانبي وأخبرت جدتي أيضا فابتسمت ابتسامة عريضة وقالت بصوت حنون:قلبي معك يا بنتي سأتمنى وأدعو لك بالنجاح والفوز.

بعد أسبوع تلقيت رسالة بريدية فيها استمارة الاشتراك بالمسابقة، ملأتها وأعدت إرسالها إلى العنوان المذكور وبعد عدة أسابيع وفي اليوم المحدد للمسابقة أوصلتني والدتي إلى مقر الشركة وأخذني أحد المسئولين إلى أحدى القاعات بعد أن قطعنا مسافة طويلة بين الممرات حتى وصلنا إلى قاعة مكتظة بأطفال في مثل عمري وأشار لي المسئول إلى أحد المقاعد للجلوس عليه ثم رحل، فجلست على المقعد وأنا خائفة جدا تارة أدعو ربي وتارة أفكر بالمسابقة حتى قطع حبل أفكاري إعلان بدء المسابقة، استلمت الأوراق واستعنت بالله وبدأت بالإجابة على المسائل الفيزيائية.

مرت أربع ساعات وفقني الله خلالها كان الهدوء يعم القاعة باستثناء صوت حذاء المراقب الذي كان قويا و كسر حاجز الصمت.

وخرجت فرأيت أمي بانتظاري وتريد أن تسمع سير المسابقة فقلت لها:أنا إن شاء الله فائزة، ولكن ما أخافني هو أن سبعة انسحبوا من المسابقة، ولكنني كنت أعزز من ثقتي في نفسي فتراجعت عن الأنسحاب.

ومر أسبوع وفي اليوم المحدد لإعلان الفائزين كنت أقول لنفسي:هذا امتحان دنيوي ونحن هكذا فكيف بامتحان الآخرة. وأعلنت النتيجة في الصحيفة الأول...الثاني...الثالث... ولم يكن اسمي بين الفائزين ، أخذت أصرخ غاضبة: لقد أجبت عن الأسئلة بكل سهولة أنا استحق الجائزة بجدارة.فأخذت جدتي بيدي وأجلستني بقربها وبصوت حنون ممزوج بالحكمة قالت: إذا رفعتِ صوتك فهذا لايعني أنك على حق فصوت الحق أعلى من كل الأصوات، وعندها هدأت وبقيت صامتة لبعض دقائق، فأكملت جدتي حديثها وقالت: لاتقلقي يا بنتي إذا صبرتِ واستعنتِ بالله وعملتِ جاهدة سيظهر الحق على رغم الباطل، وسترين نتيجة صبرك وتسلحك بالأيمان برب العالمين.وخيرا ماقالت جدتي، فبعد مرور شهر كامل عدت إلى المنزل وفتحت الحاسوب وإذا بي أرى رسالة لم تُوقعْ بأسم أحد، تقول:» أنت الأولى في المسابقة، لقد تلاعبوا باللاوراق، كافحي من أجل قضيتك» استغربت من هذه الرسالة وأخبرت جدتي فقالت :هل رأيت لقد ظهر الحق الآن ابذلي جهدك لإظهار حقك،وكذلك أسرتي فقد قالوا لي:كافحي من أجل قضيتك . قرعت هذه الجملة أذني وأخذ الموضوع يشغلني، ووقفت أمام المرآة أحدثُ نفسي هل أنا فعلا فائزة؟ هل أكافح من أجل قضيتي. وفي اليوم التالي انتابني شعور بأن الرسالة صحيحة، وإنني لابد أن أكافح وأجاهد لقضيتي، ذهبت إلى مدير الشركة العام وقابلته وطلبت منه أوراق المسابقة، ولكنه قابل طلبي بالرفض الشديد رجعت إلى البيت بخيبة أمل ومكثت في غرفتي أفكر في حل ِ لهذه المشكلة يا ترى ماذا أفعل؟

كان إصراري يزداد لدي على إظهار الحق وهو أنني الفائز.اتصلت بصديقتيّ وأخبرتهما بما أفكر فيه وذكرت لهما أن الأمر يحتاج إلى شجاعة وثبات.

وفي الغد ذهبنا بعد المدرسة إلى الشركة وفي الطريق انتاب صديقتاي شعورا من الخوف لكنني شجعتهما وبرّرت قولي بأنهم يؤمنون بحرية الرأيّ، وقفنا أمام مكتب المدير وأخذت أتحدث عن قضيتي وتجمهر الموظفون أمامي وكان من بينهم المؤيد والمعارض فوقف أحد الموظفين وعرض علّي مسألة فيزيائية، وبفضل من الله تعالى قمت بحل المسألة فقاموا بالتصفيق لي.وحضر المدير مع سكرتيرته وقال: ما الذي يحدث هنا؟

قلت له لقد ظُلمْتٌ في تصحيح ورقة المسابقة أنا الأولى.

قال:كيف علمت بذلك؟

قلت:أحد المدراء أخبرني ذلك، التفت المدير العام إليهم وهو عاقد حاجبيه

وقال: ومتى حصل ذلك؟

فأجبت:منذ يومين.

قال:وماذا تريدين الآن؟

قلت :أريد الورقة هنا أمام الموظفين وأنا راضية بالنتيجة

فأمر المدير بإحضار مظروف المسابقة وكان قلبي يخفق بشدة وكنت أردد في سّري (اللهم إني مغلوبة فأنتصر)وكانت جميع العيون منصبة على المظروف، وهمسات الموظفين بين مؤيد ومعارض، وأخرج المدير الأوراق وقلّبها إلى أن وصل إلى ورقتي فأمسك بها ونظر إليّ نظرة حزن وأنا أردد في نفسي:يارب، يارب

وقال: لقد قامت سلمى بعمل رائع اليوم، كانت تطالب بحقها ولكنها لا تعلم.

ثم سكت لبرهة وقال: إنها فعلا الأولى في المسابقة

في تلك الدقائق صرخت فرحا وصفّق من معي وأخذتني صديقاتي بالأحضان بين ضحكات ودموع وفرح، وقال المدير :لكن يابنتي لدي سؤال، كيف علمت بان أحد المدراء هو الذي أخبرك؟

فقلت:المدراء هم الوحيدون الذين يعلمون بالنتيجة.

فصفق المدير وأعلن عن الأحتفال في اليوم التالي لتسليم الجائزة.

في اليوم التالي كان الجو مشمسا ودعوت ضيوفي من العائلة وصديقاتي وإمام المسجد.ألقى المدير كلمة وبعدها واستلمت دوري للإلقاء فقلت:أعلم أن الأمر ليس بالسهل، فالعزيمة والإصرار هما سرّ النجاح، وأما عن الجائزة فلن أعود بها إلى البيت بل سأعطيها لشيخنا الفاضل ليرمّم بها المسجد...صفق الجميع بحماس وتلقيت التهاني والتبريكات

وفي اليوم نفسه رجعت للبيت وأرسلت رسائل إلكترونية لصديقاتي «منى ... سعاد... ريم»لأخبرهن بفوزي، أما جدتي فهي التي أنارت الضوء لي لأشقّ طريقي وقد سْرتُ على هديها وآمنت بحكمتها وبقيت كلماتها تتردد على مسامعي كلما تذكرت الحادثة وآمنت بأنه مهما ارتفعت الأصوات فصوت الحق أعلى من كل الأصوات.

فيّ نجيب التيتون

مدرسة الديه الابتدائية الإعدادية للبنات

قسم اللغة العربية


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/298015.html