العدد: 380 | السبت 20 سبتمبر 2003م الموافق 24 رجب 1424هـ

المياه العربية بين القبضة الفولاذية الإسرائيلية والعضلات العربية المسترخية

حين نسمع المثل الصيني يقول «أينما وجد الماء وجدت الثروة» بوصف كون الماء مصدر الحياة وركيزة التطور الاجتماعي والاقتصادي، تتبادر إلى أذهاننا المقولة التي تربط بين الماء والحروب أو الأزمات في الشرق الأوسط. وهذا بالضبط ما تلمسه الأمين العام السابق للجامعة العربية عصمت عبدالمجيد حين حذر في كلمة ألقاها أمام مؤتمر الأمن المائي في القاهرة من خطورة وضع المصادر المائية العربية بقوله «إن قضية المياه في الوطن العربي تكتسب أهمية خاصة نظرا إلى طبيعة الموقع الاستراتيجي للامة العربية، إذ تقع منابع نحو 06 في المئة من الموارد المائية خارج الأراضي العربية، ما يجعلها خاضعة لسيطرة دول غير عربية، وما يزيد الأمر تعقيدا يكمن فيما يعانيه الوطن العربي من فقر مائي يصل في وقت قريب الى حد الخطر مع تزايد الكثافة السكانية وعمليات التنمية المتواصلة». وطالب عبدالمجيد الدعوة بضرورة عقد «قمة عربية بشأن المياه لدراسة جميع الجوانب المتعلقة بالأمن المائي العربي».

وإدراكا للأهمية التي يحظى بها موضوع الأمن المائي العربي، ونظرا إلى انعكاس ذلك بشكل مباشر على موازين القوى في الصراع العربي الإسرائيلي حتى بعد دخول هذا الصراع مراحل الحلول السلمية، اتخذ مجلس الجامعة قرارا رقم 2065 في دورته العادية (601)، المنعقدة بتاريخ 51/9/6991 بالموافقة على إنشاء مركز للدراسات المائية والفنية والقانونية الذي اتخذ من العاصمة السورية مقرا له.

وانتقلت قضية الأمن المائي العربي من أمين عام إلى آخر، فها هو أمين عام جامعة الدول العربية الحالي عمرو موسى يلفت النظر إليها في مؤتمر الأمن المائي العربي الذي انعقد في القاهرة بمبادرة من مركز الدراسات العربي الأوروبي بباريس خلال الفترة من (12-32 /2/0002) كانت قضية الأمن المائي العربي، والتي اعتبرها «أحد العناصر المهمة في الأمن القومي العربى». ثم أشار إلى أن التحديات الثلاثة الأساسية التي نواجهها فحددها في:

1- قضية المياه المشتركة مع دول الجوار وخصوصا مياه نهري دجلة والفرات بين تركيا وكل من سورية والعراق.

2- الأطماع الإسرائيلية في الموارد المائية العربية.

3- مخاطر الشح المتزايد في مصادر المياه العربية.

وتنظر الدراسات الاستراتيجية العربية إلى مسألة الأمن المائي العربي كأحد ركائز الأمن القومي العربي، وخصوصا أن موارد المياه في الوطن العربي محدودة نسبيا، ناهيك عن كون جزءا مهما من الأنهار العربية ينبع من دول أجنبية، كما يقع جزء كبير من هذه الموارد تحت سيطرة «إسرائيل» في الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان السوري.

أما معهد الموارد العالمية فقد اعتبر أن عجز المياه في منطقة الشرق الأوسط قد بلغ درجة الأزمة، وأصبحت قضية سياسية بارزة، وخصوصا على امتداد أحواض الأنهار الدولية.

وإذا كان الواقـع المائي - بعيدا عن عوامل الصراع العربي الإسرائيلي - صعبا في الوطن العربي، إذ لا يتجاوز نصيبه من الإجمالي العالمي للأمطار 5,1 في المئة في المتوسط بينما تتعدى مساحته 01 في المئة من إجمالي يابسة العالم، فان الأمر في المشرق العربي أكثر سوءا وأشد تعقيدا، إذ لا يتعدى نصيبه 2,0 في المئة من مجمل المياه المتاحة في العالم العربي، في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات الاستهلاك بشكل كبير.

الأطماع الصهيونية

من جانبها تلمست المؤسسة الصهيونية هذه المسألة وأهميتها في مرحلة مبكرة من تاريخها تعود إلى أيام ثيودور هرتز، فمنذ ذلك التاريخ عملت الحركة الصهيونية، وحتى قبل قيام دولة اسرائيل، على تحقيق احلام هرتزل بالسعى لاحتواء تلك المصادر والسيطرة عليها. كما طالبت الحركة الصهيونية بضم المناطق الغنية بالمياه الى مساحة الأرض التى تنوى إنشاء الوطن اليهودي عليها. ويقول رئيس وزراء «إسرائيل» الأسبق ديفيد بن غوريون في أحد تصريحاتــــه «ينبغي السيطرة على المنابع المائية في فلسطين»، مشيرا في ذلك الى جبل الشيخ باعتباره أهم مصادر المياه في فلسطين.

ولم تقف المطامع الصهيونية في المياه العربية عند حدود فلسطين بل اتسعت لتشمل المصادر المائية الواقعة خارج حدودها مثل: منابع نهر الاردن، الليطاني، نهر اليرموك وروافده. وخلال الحربين العالميتين حاول اليهود التسلل الى المناطق الجنوبية في لبنان عن طريق شراء الاراضي المحيطة بمنابع نهر الليطاني، وتحت ستار اتفاق الحدود الفرنسية - البريطانية في 32 /21/0291 ، عمدت سلطات الانتداب الى اجراء تعديل في الحدود بين لبنان وفلسطين لصالح الاخيرة من اجل السيطرة على مصادر المياه. وجاء ذلك التعديل استجابة لمطالب الصهاينة الى مؤتمر الصلح العام 9191، على دولة تضم فلسطين كاملة، والاردن، وجنوب لبنان، والاجزاء الجنوبية والجنوبية الغربية من سورية.

وبذلوا كل ما في وسعهم من أجل ترجمة هذا المطلب في حدوده القصوى لدى تخطيط حدود الانتداب. فعند تخطيط الحدود بين فلسطين وسورية اللتين كانتا تخضعان للانتدابين البريطاني والفرنسي، رفضت السلطات البريطانية ان يسير خط الحدود على امتداد بحر نهر الاردن، وان مر في منتصف بحيرتي الحولة وطبرية، ولكنها اصرت على ادخال بحيرتي الحولة وطبرية والينابيع الرئيسية التي تغذي نهر الاردن ضمن حدود فلسطين.

وكانت نتيجة رسم حدود مشروع تقسيم فلسطين العام 7491، منح «إسرائيل» المتولد عن القرار المذكور، الفرصة لاخذ مياه الشمال الى السهول الخصيبة، والى المناطق المجدبة في الجنوب. وقد نص قرار التقسيم عند صدوره على ان تشمل الدولة اليهودية اراضي فلسطين القريبة من مياه نهر الاردن وروافده.

تعامل الصهاينة مع كل هذا «بوصفه» انجازا مؤقتا، اذ بدأ التطلع الى مصادر جديدة، خارج حدود الكيان، لخدمة مشروعات الاستيطان الزراعي، ولتلبية احتياجات وتائر النمو المتسارعة وتأمين متطلبات موجات المهاجرين الكثيفة بعد اعلان قيام «إسرائيل»، والتي تشكل العامل الاساسي في الزيادة السكانية المتحصلة بموجات تجعل الزيادة على شكل قفزة، الامر الذي يضغط باستمرار على الموارد المائية. وبعد تنفيذ سلسلة من المشروعات، ووصول الاستفادة الى اقصى الحدود المتاحة، ضمن الرقعة من فلسطين، التي اقيمت عليها دولة «إسرائيل»، بدا واضحا ان اليد ستمتد الى مصادر اخرى في الجزء غير المحتل من فلسطين، والاقطار العربية المحيطة.

في هذا الصدد يكثر الحديث عن ان حروب الصهاينة، هي «حروب مياه». يبرز ذلك واضحا في الادبيات الصهيونية، ويعزز تنازل ما عرف بـ «معركة تحويل الروافد» كمقدمة اساس لعدوان يونيو/حزيران العام 7691، او على انها السبب الوحيد للحرب.

وفضلا عن كل ذلك، يلجأ الصهاينة الى «سياسة التطويق» فيما يتعلق بالمياه، فنراهم يزجون بأنفسهم من أجل المشاركة في رسم السياسات المتعلقة بمياه حوضي النيل والفرات. وهنا نصل الى دورهم غير المباشر، كعنصر مكون للازمة عبر العلاقة مع دول الجوار الجغرافي للوطن العربي.

ومن الملاحظ ان التسويات التي عقدها الصهاينة مع الاردن ومع سلطة عرفات، ابقت على واقع سيطرتهم على موارد المياه، ففي مناطق سلطة عرفات، لا يمكن حفر بئر من دون موافقة الصهاينة، كما ان الاردن الذي وقع معاهدة قال انه ضمنت حقوقه لا يستطيع الافادة من موارده المائية، ويرفض الصهاينة حتى تحويل «الحصة» المتفق عليها في وادي عربة الى الاردن.

الرد العربي الخجول

إذا تجاوزنا الخطب العصماء والأغاني الحماسية (قلنا حنبني وادي احنا بنينا السد العالي) فقد جاءت ردود الفعل العربية باهتة وخجولة. فكان هناك المشروع العربي لـ «تحويل روافد نهر الاردن» بغية تحقيق افادة للبلدان العربية التي هي بحاجة الى مياهه من اجل مشروعات التنمية، وللتقليل من حجم النهب الصهيوني لمياه نهر الاردن، اذ ان مصادر عربية معنية بالمشروع اوضحت مرارا انه وفي حال تنفيذه، كان سيبقى للصهاينة مياها تتجاوز تلك «الحصة» التي اقترحها مشروع جونستون الاميركي العام 0591. لكن حتى ذلك الطموح المحدود لم ير النور بعد.

بعدها تكرر الحديث عن مشروع سحب كتل جليدية من القطب إلى دول الخليج، فالقسم الاعظم من المياه العذبة يقع ضمن المنطقة المتجمدة من الكرة الأرضية وهو غير قابل للاستخدام في الوقت الحاضر على الأقل. لذلك يقترح البعض استغلال هذه الموارد، وذلك عبر سحب كتل من الجبال الجليدية من القطب الجنوبي إلى دول المنطقة عبر البحار، وبعد ذلك تذويب هذه الكتل واستغلالها باعتبارها مياها عذبة، لكن هذا الاقتراح لم يلق القبول التام، ومن ثم لم ير النور نظرا إلى كلفته العالية إضافة إلى ذوبان القسم الأكبر منه أثناء فترة النقل عبر البحار، وبسبب فارق درجات الحرارة العالية، واختلاف المناطق.

ثم جاء مشروع أنابيب السلام الذي يقوم على مد شبكة أنابيب من تركيا إلى دول المنطقة، والذي اقترحته تركيا لتزويد دول المنطقة بستة ملايين متر مكعب يوميا من مياه نهر سيحون وجيحون، وما يعيق تنفيذ المشروع هو الكلفة العالية له والعامل السياسي. أما مشروع مد خط الأنابيب بين السعودية والسودان عبر البحر الأحمر لتزويد السعودية بالمياه من نهر النيل فقد حالت دون تنفيذ هذا المشروع حرب الخليج الثانية، ونجحت في وضعه في أدراج المشروعات العربية المشتركة المؤجلة بعد أن أهدر الكثير من الأموال.

كما ان الظروف السياسية بعد حرب الخليج الثانية وانقسام دول المنطقة ولجوئها إلى إقامة علاقات خارجية على حساب الدول المجاورة الأخرى، والتدخل العسكري والوجود الدائم للقوات الاجنبية في المنطقة جعل مجمل هذه المشروعات بحكم المؤجلة إلى حين تغيير الظروف الحالية.

وكل ذلك يجعل مياهنا في قبضة السلطات الإسرائيلية وتحت رحمتها بعد أن فشلت سواعدنا العربية في المحافظة عليها أو حتى صيانة حرماتها.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/333367.html