العدد: 2677 | الأحد 03 يناير 2010م الموافق 17 محرم 1431هـ

الزواج والطلاق في السياسة الإيرانية

الكاتب: محمد عبدالله محمد - Mohd.Abdulla@alwasatnews.com

تنبتُ فكرة أيّ مقال بشأن إيران عبر عدد من المُحدّدات. في الداخل توجد الصّفوة السياسية (في الحكم والظل معا). وهناك المناشط الاقتصادية والثقافية والاجتماعية النشطة. وهناك مؤسسات الدولة الدستورية، وميزان القوى العاملة بداخلها وحولها.

وفي الخارج تظهر المصالح الوطنية وظلالها على الأرض وطُرق الدفاع عنها. وتُوجد هناك سياسات النفوذ وصون السلطة من سطوة دول كبرى تقوم بإطلاق التهديد. ثم يوجد هناك ميزان حسّاس للقوى في الإقليم، يُعطي مؤشرات الحدّة والارتخاء في التعاطي مع الخارج.

ما يهمّ في كلّ ذلك هو شؤون الداخل. فهي أحدّ المعطيات الهامّة لما يجري اليوم في طهران. هذا الشأن لن يُدرَك إذا لم يُعلَم بأن له طبقات وحُجُب. وله ماورائيات وأسرار تتفشّى باستدعاء معلومة هنا مع تفسير هناك، وضمّهما بقراءة حادث جَرَى قبل أشهر أو حتى عام.

وبإزالة ذلك الغَبَش، واجتياز هذا الدَّغَل الضيق في دهاليز الداخل الإيراني تتضح أمور أكثر كمونا وحساسية. فهي لا تُرى بالعين المُجرّدة، ولا تُصاب بضربة حازِر. أهم تلك الأمور هي الزواج والطلاق (العضوي/ السياسي) داخل الصفوة الحاكمة، وهل لأحدهما الغَلَبَة على الآخر؟!

في الزواج العضوي يتّضح حجم التشابك المعقّد بين المسؤولين الإيرانيين وبينهم وبين مراجع دين كبار. فرئيس السلطة القضائية آية الله صادق آملي لاريجاني متزوّج من ابنة المرجع الشيخ الوحيد الخراساني. وشقيقه علي لاريجاني متزوّج من ابنة مُنظِّر الثورة الشيخ مرتضى مطهري.

والبنات الثلاث لرئيس السلطة القضائية السابق وعضو مجلسي الخبراء وصيانة الدستور آية الله محمود هاشمي شاهرودي متزوجات من أبناء ثلاثة من مراجع الدين الكبار بينهم عبد الكريم موسوي أردبيلي رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق.

وشقيقة السيد موسى الصدر (لبناني/ إيراني) متزوجة من الرئيس السابق محمد خاتمي. والشقيقة الثانية للسيد الصدر متزوجة من السيد أحمد الخميني نجل الإمام الخميني. ومحمد رضا خاتمي (شقيق الرئيس السابق) متزوّج من حفيدة الإمام الخميني زهراء إشراقي.

في حين ارتبط السيد حسن الخميني (حفيد الإمام الخميني والقائم على شؤون ضريحه اليوم) بكريمة عضو مجلس الخبراء آية الله محمد كاظم موسوي بجنوردي. وتزوّج نجل قائد الحرس الثوري السابق وأمين مجمع تشخيص مصلحة النظام الحالي الجنرال محسن رضائي من حفيدة الإمام الخميني الثانية.

أما عائلة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي فتزوّج الابن الأكبر له وهو مصطفى من ابنة آية الله الشيخ عبد العزيز خوشوقت، والثاني مجتبى تزوج من ابنة رئيس البرلمان السابق حداد عادل، والثالث مسعود من ابنة عضو مجلس الخبراء آية الله محسن خرازي، والرابع ميثم من ابنة السيد لولاجيان.

لكن هذه الزيجات والقرابات لم تُفلح كثيرا في حصر الانتماءات أو توجيه الخيارات السياسية طبقا لاتجاه الدم. فزواج نجل خامنئي من شقيقة صادق خرّازي أحد أقرب المستشارين لخاتمي الإصلاحي لم يُغيّر كثيرا من واقع التحالفات القائمة؛ حيث بقِيَ الخطان غير متماهيان.

وزواج شقيقة المرشد من علي الطهراني الذي انتمى لاحقا إلى منظمة مجاهدي خلق المعارضة لم يغيّر من سعي الاستخبارات الإيرانية للقبض والحكم عليه بالسجن خمسة أعوام، ولم تُغير قرابة هادي خامنئي الإصلاحي للمرشد الأعلى (شقيقه الأصغر) من إغلاق صحيفته من قِبل محكمة المطبوعات، ومنعه من الترشّح في انتخابات 2004.

ولم تمنع الزيجات التي حصلت بين بيت الإمام الخميني وأعضاء من تكتل روحانيون مبارز الإصلاحي (خاتمي/ بجنوردي مثالا) من أن توجّه كريمة الإمام الكبرى رسالة تعنيف لمير حسين موسوي، أو تغيّر من موقع الجنرال محسن رضائي داخل التيار المحافظ.

إذا بقيت السياسة أمنع من الدم، وأمضى من أيّ شيء آخر. ولم تعد الوصلة الرفيعة في هذه الزيجات العضوية، وإنما داخل حدود الزيجات السياسية التي أقامتها المصالح المتبادلة والجيرة الحزبية التاريخية، رغم أن جزءا كبيرا من تلك الزيجات (العضوية والسياسية) تمّت قبل انتصار الثورة الإسلامية، واللاحقة منها تمّت بناء على تزكيات مرحلة الصراع.

لذا فإن المشكلة اليوم تكمن في ضرب سكينة تلك الزيجات السياسية والتي قامت على المصالح والبناء الفردي للقيم السياسية الخاصة بالنظام الثوري الجديد، والتي استقرّت عليها الأمور منذ ثلاثة عقود مضت. هذه الضربة التي جاءت على يد الرئيس محمود أحمدي نجاد باتجاه الجميع هي من أذكَت جزءا من الإشكال.

لقد ساهمت تلك الضربة النجادية المزدوجة (للمحافظين والإصلاحيين) في أن يقوم الثالوث المتمرّد (خاتمي، كروبي وموسوي) باستثمار نقمة اليمين التقليدي على الرئيس أحمدي نجاد ويركب الموجة، ويدّعي بأن معارضته غير محصورة بالإصلاحيين وإنما المحافظين أيضا، خصوصا بعد الإقالات العشر خلال الحكومة التاسعة.

لقد أفرز ذلك لأن يظهر فريقان من المحافظين لا يريد أحد أن يستظلّ بالآخر. ولم تساهم بعد التسوية التي تمّت في البرلمان والتي على إثرها أُجيزت حكومة نجاد العاشرة (الحالية) في تخفيف الاحتقان بين الفريقين فضلا عن إرجاعه إلى درجة التبريد التام.

فهذا التيار يتفق في المستوى الذي يقف عليه المرشد الأعلى للثورة، ويختلف فيما دون ذلك. وقد فَتَقَت المناظرات التي جرت بين أحمدي نجاد ومير حسين موسوي جرحا عميقا طاول هامات كبيرة في النظام أبرزها كان هاشمي رفسنجاني وناطق نوري.

كان حريّا بأحمدي نجاد أن يستفرد بموسوي والتيار الإصلاحي ويُحيّد بقية الخصوم على أقل تقدير. وكان سينجح بالتأكيد لأن حجّته كانت أقوى من موسوي خلال المناظرة، والتي بدا فيها الأخير مثاليا ولا يملك زمام المبادرة ولا المبادأة. لذا فقد أخطأ نجاد حين جَمَع الخصوم في معركة واحدة.

كان مدخل الهجوم المُزدوج فردي لكنه يُفضي إلى استعداء جماعات أصيلة في السلطة. فهاشمي رفسنجاني وناطق نوري لهما امتدادات في الحكم. فالأول رئيس لمجلسي الخبراء والتشخيص. والثاني رئيس لمكتب التفتيش في مكتب المرشد الأعلى للثورة.

ولهم أنصار على المسطرة الحزبية. فهما عضوان في اللجنة المركزية لجمعية روحانيت مبارز، وهي الوعاء التقليدي والكاريزمي لليمين، وتمتد علاقاتها إلى أبعد من البازار حتّى. وبالتالي فإن رمي الحجر على مياهها يؤدي حتما إلى مياه غير مستقرة. وللحديث صلة.


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/358379.html