العدد: 2699 | الإثنين 25 يناير 2010م الموافق 10 صفر 1431هـ
حمَلة «دكتوراه» يعملون في مدارس ابتدائية
عاد للوطن ملؤه الطموح حاملا بيديه شهادتين من جامعة ناجينغ الصينية (ماجستير في تعلم الفيزياء، ودكتوراه في التعلم الإلكتروني)، بيد أنه وضع نقطة النهاية مجبرا بعد شهر واحد فقط من عمله في سلك التدريس ليستقيل بعدما وضعته وزارة التربية والتعليم على أقل درجة في كادرها (الدرجة الثالثة) ويعمل حاليا في شركة خاصة صينية متأبطا شهاداته، ياسر طاهر، نموذج من حمَلة الشهادات العليا في السلك التربوي، وأحد الذين التقتهم «الوسط» أخيرا، في مقر كتلة الوفاق، التي كشف نائبها عبدعلي محمد حسن أن الوزارة تمنح حمَلة الماجستير 30 دينارا فقط بدل مؤهل وتصبح 50 دينارا في حال حصل على الدكتوراه، في الوقت الذي ذكر فيه النائب سيد جميل سيد كاظم أن الكتلة قدمت مقترحا للحكومة برفع العلاوة إلى 150 دينارا، فضلا عن عزمها رفع مقترح لإيجاد فرص وظيفية لهذه الفئة.
الزنج - زينب التاجر
عادوا من الصين، الولايات المتحدة الأميركية، القاهرة والمغرب والسودان والهند، حاملين معهم في يد شهادات عليا وفي اليد الأخرى طموحا لا حدود له، ولكن طموحهم خنق بواقع الوضع الوظيفي لحملة الشهادات العليا في السلك التربوي في مملكة البحرين بعد أن وجدوا أن تقدير وزارة «التربية» لشهاداتهم يساوي 50 دينارا فقط، قصصهم مختلفة وهمهم ونظرتهم لواقعهم واحدة.
التقت «الوسط» مؤخرا عددا من حملة الشهادات العليا من المعلمين في مقر كتلة «الوفاق: وتطرقت إلى تلك القصص وتلمست واقعهم عن كثب، إذ كشف النائب عبدعلي محمد حسن أن الوزارة تمنح حملة الماجستير 30 دينارا فقط كبدل لمؤهل وتصبح 50 دينارا في حال حصل على الدكتوراه، مستغربا لجوء الوزارة لتوظيف بعض معلمي هذه الفئة على الدرجة الثالثة والتي تعد أدنى درجة في كادر المعلمين ويعملون في مدارس ابتدائية، مستدركا بأنه لا يمكن الاستهانة بهذا الموقع بيد أن المنطق والعرف والمنهجية يشيرون إلى ضرورة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
وأشار إلى أن واقع هؤلاء المعلمين يشير إلى أن نصاب حصصهم لا يختلف عن زملائهم من حملة شهادة البكالوريوس وأن على الوزارة تقدير ما وصفه بأصحاب العقول من أبناء الوطن والحاملين لشهادات في تخصصات مميزة كالتعلم الإلكتروني في حكومة مساعيها إلكترونية وتخصص البيئة والإرشاد النفسي وغيرها.
ولفت إلى أن شهاداتهم من جامعات عريقة ومعترف بها ومن الغبن أن يتم تجاهل طاقاتهم وعدم استثمارها في تفعيل توجيهات سمو ولي العهد ومشاريعه الإصلاحية لتجويد التعليم.
ورأى أن موقعهم الطبيعي في جامعة البحرين، كلية المعلمين، جامعة الخليج، وهيئة ضمان جودة التعليم والتدريب ومركز الدراسات والبحوث، مناشدا القيادة النظر في ملفهم باعتبارهم عملة صعبة من شأنها أن تسهم في تحقيق ركائز مشروع جلالة ملك البلاد الإصلاحي بالاستثمار في المواطن.
وأكد أنهم سعوا لوضع الحلول والتواصل مع وزارة التربية والتعليم وحلحلة ملف حملة الشهادات العليا من دون جدوى، مستشهدا بطرح وضع أحد المعلمين والحاصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من الهند وشهادة دكتوراه أخرى في الإدارة والمحاسبة من جامعة أريزونا في الولايات المتحدة الأميركية ومازال يعمل كمعلم مواد تجارية لأكثر من 12 عاما.
وقال: «نطرح هذا الملف لا بقصد الإثارة وإنما لوضع المشكلة تحت المجهر ورفع الظلم عن هذه الفئة التي يشكل ظلمها ظلما للمجتمع والأجيال».
ومن جانبه، ذكر النائب سيد جميل سيد كاظم أن الكتلة رفعت مقترحا للحكومة برفع علاوة مؤهل الدكتوراه إلى 150 دينارا والماجستير إلى 100 دينار، لافتا إلى أن علاوة المؤهل في جامعة البحرين تصل إلى 300 دينار.
وأضاف أن الكتلة تعتزم رفع مقترح في قبة البرلمان يقضي بإيجاد فرص وظيفية تتواءم مع تخصصات ومستوى هذه الفئة أو إحلال الكفاءات الوطنية في حال عدم توفر الشواغر.
وشدد على أن الدول المجاورة الشقيقة والعربية تسعى للبحث عن المواطن المتعلم، في الوقت الذي تتوافر في مملكة البحرين الكوادر الوطنية المؤهلة والمميزة ويتم غض النظر عنها، ورما الكرة في ملعب ديوان الخدمة المدنية التي يتوجب عليها حصر الشواغر الموجودة في الوزارات والمؤسسات الحكومية التي تتواءم مع مستوى شهادات هذه الفئة خدمة للوطن ولمشاريعه الإصلاحية في التعليم.
ولفت إلى أن تقرير ديوان الرقابة المالية للعام 2008 أشار إلى أن وزارة التربية والتعليم لم تصرف من موازنة مشاريعها شيئا وأن حجة الموازنة وعدم وجود الشواغر باتت حجة واهية على حد وصفه، لافتا إلى أن الكتلة طلبت لقاء وزير التربية والتعليم الأسبوع الماضي وسيكون ملف حملة الشهادات العليا من بين النقاط المطروحة.
وفيما يأتي عدد من قصص بعض المعلمين من حملة الشهادات العليا.
حصل على دكتوراه بامتياز من جامعة محمد الخامس في المغرب في اللغة العربية وآدابها وخدم في قطاع التدريس 13 عاما كمعلم إلى أن تمت ترقيته كمعلم أول منذ 8 أعوام ومازال على الدرجة السابعة.
جعفر آل طوق، نال شهادته ليكون واحدا في طابور حملة الشهادات العليا والطارقين لأبواب الشواغر في وزارة «التربية»، كلية المعلمين وهيئة ضمان جودة التعليم وغيرها وتقدم بكل تفاؤل لمدة عامين لشواغر الإشراف التربوي وقوبل طلبه بالصمت على رغم أن شاغلي هذه الوظائف معظمهم من غير البحرينيين وسنوات خبرتهم تقل عنه، لافتا إلى أن بعض شواغر «التربية» يحتلها موظفون من جنسيات عربية متقاعدون في بلادهم ويحملون شهادة دبلوم التربية فقط.
المضحك المبكي أن آل طوق بعد حصوله على الماجستير لم يحبطه واقعه بل سعى لنيل الدكتوراه وطلب إجازة براتب للتفرغ للدراسة وقوبل طلبه بالصمت أيضا ليدرس على حسابه الخاص وهو يعمل، وينال شهادة الدكتوراه بامتياز ولكن...
قص فاضل عباس العسبول شريط الدكتوراه الأولى في الإرشاد النفسي ليكون الوحيد الحاصل على هذه الشهادة في وزارة التربية والتعليم ومن المعدودين على أصابع اليد من الحاصلين عليها على مستوى مملكة البحرين.
قصة العسبول لا تختلف كثيرا عن سواه، فبعد حصوله على الماجستير من جامعة البحرين سعى لشواغر إدارة رياض الأطفال ووصل الرد بقبول أوراقه في حال وجود البديل، ومرت ثلاثة أعوام ولم يوجد البديل له كمعلم نظام فصل في إحدى المدارس الابتدائية على رغم وصول عدد العاطلين الجامعيين إلى 5000 عاطل وعاطلة فضلا عن وجود 3 معلمي أحتياط في مدرسته ولم يكن حظه أوفر في مركز الإرشاد النفسي والتعليم العالي اللذين كانا لهما الرد نفسه.
حمل شهادة الدكتوراه مع مرتبة الشرف وتوصية بطابعتها وتبادلها في جامعة القاهرة وتعد تلك المرتبة من أعلى المراتب، ليكون هذا الأمر دافعه لرفع رسالتي تظلم لوزير التربية والتعليم الأولى في 23 أكتوبر/ تشرين الأول والثانية في 10 سبتمبر/ أيلول العام الماضي كما وطلب مقابلة الوزير لإهدائه نسخة من شهاداته منذ العام 2009 ولم يتم الرد على جميع رسائله. لم يتملكه الإحباط على رغم كل ذلك فتقدم إلى كلية المعلمين ومركز الدراسات والبحوث ووزارة التنمية الاجتماعية التي عمدت مؤخرا إلى فتح مراكز للإرشاد الأسري وجامعة البحرين ولاسيما أن وزارة التربية والتعليم ابتعثت 20 طالبا وطالبة لمدة عامين لدراسة الماجستير على دفعتين في جامعة البحرين في الإرشاد النفسي وهو الأمر الذي يؤكد وجود الشواغر، واليوم هو معلم بخبرة وبشهادات عليا وسجلّ في العمل التطوعي وتاريخ يفخر به وتغض الوزارة عنه طرفها.
تطلبت شهادته في الماجستير ثلاث سنوات لمعادلتها وتصديقها، وفي 26 مارس/ آذار الماضي نال شهادة الدكتوراه في الرياضيات من جامعة النيلين.
عمل أحمد حسن مفتاح نحو 18 عاما في سلك التدريس وينتظر اليوم مصيرا مشرقا مع شهادة الدكتوراه على رغم كل الصعوبات التي مر بها، متناسيا كونه «معلم أول» بين مدرستين، وتجاهل الجهات المعنية لشهادته التي تناولت مسألة توحيد القوى الكونية الأربع بمنظور رياضي.
ولفت إلى أهمية هذا الموضوع معولا في ذلك على حصول العالم الفيزيائي الباكستاني محمد إسلام على جائزة نوبل بعد قدرته على التوحيد بين قوتين كونيتين القوة النووية القوية والضعيفة.
في سجلّه كثير من الإنجازات ممزوجة بالإحباط أولها حصوله على شهادة الدكتوراه في إدارة هندسة البيئة من جامعة مدسون في الولايات المتحدة الأميركية وعمله في مختبرات «بابكو» لنحو أربع سنوات، وست سنوات أخرى في جامعة البحرين كفني مختبر وسجّل 9 سنوات في جامعة الخليج العربي إلى أن تم فصله فصلا تعسفيا إبان إدارة الجامعة السابقة ليكون إحباطه الأول الذي تلاه إحباط آخر بتعيينه كمدرس للعلوم في إحدى المدارس الابتدائية للبنين لمدة 10 سنوات من دون مراعاة لسجله الحافل وسنوات خبرته ومؤهلاته.
أحمد جعفر العنيسي ذكر أنه طرح على وزير التربية والتعليم ماجد النعيمي خلال افتتاح إحدى المدارس في جزيرة سترة تساؤلا عن مدى الإنصاف في تعيين حملة الشهادات العليا في شواغر المدارس الابتدائية والذي بدوره علق بأنه في اليابان يتم انتقاء هذه الفئة لتدريس طلبة هذه المرحلة.
وعلق العنيسي بأنه في اليابان يتم تقدير المعلم بتسكينه في سلم وظيفي يتواءم مع مؤهلاته ويراعي قدراته.
وبنبرة محبطه، رأى أن الشهادات العليا ليست معيارا للترقي في السلك التربوي في مملكة البحرين على رغم ما تنص عليه مواد الدستور بضرورة توفير الدولة فرص عمل لمواطنيها وأن الوظائف العامة خدمة وطنية لا يولى عليها الأجانب (..).
وكغيره طرق الأبواب ذاتها، مناشدا من هذه السطور ولي عهد البلاد الساعي لتجويد قطاع التعليم إنصافهم، مؤملا العودة لموقعه في جامعة الخليج في ظل إدارتها الجديدة.
تم نقله من دون إخطار ووصفه بالتعسفي من مدرسته إلى مدرسة أخرى في اليوم الذي نال فيه شهادة الدكتوراه في النقد الأدبي من جامعة عين شمس في العاصمة المصرية القاهرة ليكون ذلك تكريمه من قبل وزارة التربية والتعليم التي خدمها لنحو 20 عاما.
طلب علي عبدالنبي فرحان من إدارة المناهج في الوزارة خمس مرات منذ العام 2004 وحتى الآن وقوبل طلبه بالرفض وتقدم برسالة لوكيل الوزارة في العام 2005 وأخرى في 2009 وجاء الردان متشابهان بالرفض بحجة البديل.
درس على حسابه الخاص وطلب إجازة لفصل دراسي واحد ورفضت وتقدم كغيره لكلية المعلمين ولم يعطَ الفرصة، لافتا إلى أن الكلية بها 3 معلمين لتدريس مقررات اللغة العربية من تخصصات مختلفة، لافتا إلى وجود 7 شواغر في كلية الآداب وانتقد ضعف الرواتب في الجامعات الخاصة.
لم يكن العنصر النسائي أوفر حظا في السلك التربوي، إذ ظلت هدى مكي الحاصلة على الدكتوراه في الفلسفة تخصص المناهج وطرق التدريس تتابع إعلانات شواغر ديوان الخدمة المدنية ووزارة التربية والتعليم وتتقدم لها وترفع رسائل لانتدابها في المناهج أسوة بزملائها كما ورفعت رسالة للوزير إبان إهدائها له نسخة من رسالتها، ولكنها اليوم تشاطر زملاءها الهم نفسه فمازالت معلمة نظام فصل في مدرسة ابتدائية للبنين منذ 13 عاما.
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/364047.html