العدد: 509 | الثلثاء 27 يناير 2004م الموافق 04 ذي الحجة 1424هـ

استشاري أمراض الدم والأورام في حديثه إلى «الوسط»:

الإصابات بـ «السكلر» تتزايد... والوعي ليس في المستوى المطلوب

لعل الحظ كان حليف س.ج.م في سنوات حياته الأولى، فحين ظهرت عليه أعراض المرض للمرة الأولى لم يكن يتجاوز الثانية من عمره، ولم يكن والداه على علم بما يدور في داخل هذا الجسد الصغير ليسبب كل تلك الآلام المبرحة التي تجعل صغيرهما يتلوى ألما، لكنهما على أية حال كانا يسارعان به إلى أقرب محطة باص، تقلهما إلى أقرب مستشفى مركزي يمكن أن يقدم إلى هذا الصغير ما يمكن أن يسكت صرخاته. حينها كان مرضه يشخص على أنه آلام في المفاصل، أما فقر الدم المنجلي أو ما نعرفه» بـ «السكلر» فلم يكن يلوح في الأفق، بل ربما لم يكن هناك ما يعرف بهذا الاسم حينها... معاناة (س. ج. م) كبرت معه وتركت آثارها واضحة في تصميمه الشديد على النجاح في حياته الدراسية أولا، والعملية ثانيا رغبة منه في تعويض ما ألحقه به المرض من خسارة، أما السيدة (ن.أ) فهي أحسن حظا من (س.ج. م) إذ لم تبدأ معاناتها مع المرض إلا عند سن السادسة والعشرين وفي أثناء حملها بطفلها الأول، ومنذ ذلك الحين بدأت الآلام في مهاجمتها بين الحين والآخر، تقول (ن. أ): «يهاجمني الألم في ظهري أولا لينتقل بعده إلى يدي ثم رجلي، نعم أتألم كثيرا بل وأعاني بشدة... وما يزيد معاناتي هو ان المرض يجبرني على التغيب عن العمل عددا من المرات إلى درجة أنني استنفدت جميع أيام إجازتي في هذا العام بسببه بحيث إني لم أتمكن من الحصول على إجازتي السنوية».

معاناة هذين المصابين قد لا تشكل سوى جزء بسيط من معاناة سواهما الذين قد لا يكون حظهم وافرا في الحصول على وعي كاف بالمرض كذلك الذي يحمله س.ج.م بحيث تشعر وأنت تحدثه انك امام طبيب مختص بالمرض وليس مجرد مريض، وله العذر في ذلك، فآلامه المبكرة اجبرته على التعرف عن قرب على عدوه. لكن ماذا نعرف عن مرض السكلر، بوصفنا مصابين أو حاملين أو حتى اشخاصا لا يمسهم المرض عن قرب أو بعد، حسنا «معلوماتي بسيطة جدا جدا، لا أعرف سوى القليل عن مرضي الذي ينغص حياتي»... هكذا تجيب ن.أ ، وهكذا سيجيب الكثيرون. ولأن الأسئلة كثيرة، توجهت «الوسط» الى عدد من الأطباء والمختصين في هذا المجال، حوارنا الأول كان مع اختصاصي أمراض الدم والأورام بمجمع السلمانية الطبي محمد عبدالخالق:


أمراض الدم الوراثية

نعرف ان السكلر مرض وراثي يصيب الدم. تكون فيه خلايا الدم على شكل منجل بسبب نقص بروتين معين في هيموجلوبين الدم، لكن ما علاقة هذا المرض بأمراض الدم الأخرى المنتشرة في البحرين مثل الثلاسيميا، نقص الخميرة، الهيموفيليا... هل يمكن اعتبار هذه الأمراض الثلاثة مراحل مبكرة جدا لم تكتمل لهذا المرض؟

- ما يربط هذه الأمراض جميعا هو كونها أمراضا وراثية، لكن لكل منها مستوى مختلف من التغيرات الجينية كما أن أعراضها مختلفة وطرق علاجها والعناية بالمصاب بكل من هذه الأمراض تختلف عن غيرها، فالثلاسيميا هي فقر دم مزمن وعادة ما يحتاج المصاب به إلى عملية نقل دم، أما نقص الخميرة فيسببه تمزق الغشاء الخارجي لكريات الدم الحمراء ما يسبب فقدانها الهيموجلوبين وله أسباب كثيرة كتناول بعض الأدوية أو البقوليات لكن ظهور هذه الأعراض تختلف من شخص إلى آخر.

هل يمكن أن يحمل المصاب بالسكلر أيا من الأمراض الوراثية الأخرى المذكورة أعلاه؟

- نعم، قد يحدث ذلك وحينها لا تظهر أعراض الأمراض الأخرى عليه بل يعاني فقط من مشكلات السكلر وهناك الكثير من المرضى المصابين بالسكلر ونقص الخميرة في الوقت ذاته لكن كما ذكرت يعانون من السكلر فقط... هذه الأمراض جميعها لا تؤدي الى الوفاة إلا اذا لم تتم معالجتها بشكل صحيح.


كيف يحدث المرض؟

كيف يحدث هذا المرض، وكيف ينتقل؟

- لمعرفة هذا المرض يجب الرجوع الى التاريخ، فقد لوحظ وجود هذا المرض في المناطق التي تنتشر فيها الملاريا، إذ ان اجسام بعض الأشخاص بدأت في مقاومة الملاريا بشكل طبيعي وتغير نوع من الجينات في الدم أدى الى تغيير في هيموجلوبين الدم، ما يحدث في الملاريا هو ان ميكروب المرض يقتحم الخلية الحمراء ليتكون فيها، وبمجرد دخوله يحدث نقص للأكسجين في الخلية فلا يستطيع العيش بداخلها، وهكذا يتكون نوع جديد من الهيموجلوبين المقاوم لميكروب الملاريا لكنه يكون حاملا لمرض آخر إذ يتكون الجين AS الحامل للمرض بدلا من AA وهي التركيبة الطبيعية الموجودة في الانسان السليم من مرض السكلر، والحامل لديه مناعة ضد الملاريا وفي العادة يعاني حاملو المرض من بعض المشكلات إلا أن بعضهم لا يعاني أبدا. حين يحدث اختلاط للجينات الحاملة للمرض وذلك عند تزاوج حاملي المرض وينتج شخص مصاب يحمل جين SS فتبدأ الخلية باتخاذ وضعية غير طبيعية إذ تتصلب في البداية وتبدأ خلايا الدم، في الالتصاق ببعضها بعضا ما قد يسبب انسداد شرايين الدم، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث نقص في هيموجلوبين الدم وبالتالي نقص في الاكسجين ومن ثم الاختناق في الشرايين وتبدأ أعراض السكلر في الظهور أو أن يحدث تكسر للخلايا وبالتالي نقص في الدم.


أنواع السكلر

هل هناك أنواع لهذا المرض، وهل تختلف مناطق تركزها، وهل لهذا الأمر اية أسباب تتعلق بالبيئة المحيطة أو ما شابه من عوامل؟

- نعم تختلف أنواعه بحسب مناطق انتشاره، أشهرها الافريقي وهو الأسوأ وينتقل إما من مناطق انتشار الملاريا سابقا أو بسبب التزاوج بين حاملي المرض، وتختلف درجة الخطورة من نوع إلى آخر ويعتبر النوع الإفريقي أسوأ وأخطر الأنواع. وعموما يتركز المرض في المناطق الساحلية التي تتميز بكثرة الأمراض الموسمية وهي المسببة لانتشار ميكروب الملاريا.

هل تختلف عوارض المرض من سن إلى آخر؟

- من الصعب الإجابة عن هذا السؤال بشكل دقيق ولكن الملاحظ أنه بعد سن الأربعين من النادر أن نتلقى حالات لهذا المرض إذ إن المصابين به يتغلبون على مشكلات المرض مع وصولهم إلى هذه السن ولكن هذا الأمر يختلف من شخص إلى آخر فقد تبدأ المشكلات في سن مبكرة وتزداد في سن الشباب لتختفي عند الأربعين وقد تظهر بعد سن الثلاثين أو حتى بعد الخمسين... وذلك يتوقف على الوقت الذي تبدأ فيه الخلية في التغير في شكلها ومن ثم تصلبها وتكسرها، وقد يكون المرض غير موجود لكن يساعد على ظهوره الالتهابات أو الحال النفسية أو التغذية والعناية بنظام الحياة أو ربما تظهر آلامه لدى النساء في فترة الدورة الشهرية، وكذلك برودة الجو قد تكون عاملا، فمن المعروف ان مقاومة الانسان تضعف في الجو البارد ما يساعد على حدوث الكثير من الالتهابات التي تساعد على ظهور المرض.


إحصاءات

هل هناك أية احصاءات توضح مدى انتشار المرض في البحرين ومدى التحكم فيه والسيطرة عليه، وإلى اين تأخذنا هذه المؤشرات؟

- لا توجد لدينا احصاءات لكن الملاحظ هو ان هناك ازديادا في حالات السكلر على الأقل في السنوات العشر الأخيرة وهي فترة عملي في مجمع السلمانية، وقد ترجع أسباب ذلك الى تردد الكثير من المرضى على المستشفى للعلاج في حين ان الكثيرين في السابق لم يكونوا يلجأن إلى العلاج بل ربما كانوا يقضون بسبب المرض، كما أن مستوى الخدمات الصحية لم يكن متطورا أو الدراسات في هذا المجال ربما لم تكن على قدر عال بحيث لم يكن هناك علاج للكثير من الحالات، بالاضافة الى ان حصول هؤلاء المرضى على العلاج اللازم جعلهم مثلا قادرين على الزواج وبالتالي انجاب اطفال وزيادة إما عدد الحاملين للمرض أو المصابين به، وبالتالي يمكن اعتبار عوامل قلة الوعي لدى الناس وعدم الاهتمام بموضوع الفحص الطبي قبل الزواج أو مسألة تحديد النسل لدى حاملي المرض من العوامل المسببة في زيادة نسبة الاصابة بهذا المرض.

ماذا عن حالات الوفاة تأثرا بهذا المرض؟

- هناك حالات وفاة ولكن لا نستطيع القول إنها تزداد أو تنخفض وخصوصا ان حال مرضى السكلر يمكن أن تتدهور بشكل مفاجئ ومن دون أن يتوقع الطبيب.


الوعي العام

ماذا عن مستوى وعي الناس بالمرض؟

- وعي الناس بالمرض ليس هو المطلوب، فالمصاب بالسكلر مثلا لا يعي ان الأطباء يقدمون ما يستطيعون إلى مرضى السكلر، بينما هناك حدود للتعامل مع المرض إذ إن جسم المريض لا يتحمل جرعة أكبر من هذه الأدوية التي تخدره، فما يحدث هو ان المصابين عادة ما يتذمرون حين يرفض الأطباء اعطاءهم جرعة أكبر من هذه الأدوية في بعض الحالات، الطبيب يعلم ان المريض يتألم وان هذه الأدوية ستخفف آلامه لكنه يعلم أيضا ان جسد المريض لا يحتمل جرعات أكبر من أدوية معينة. وعي الناس ايضا قاصر فيما يتعلق بمعاناة مريض السكلر الجسدية والنفسية فهو يتخلف عن باقي زملائه في الدراسة مثلا، ولذلك يجب ان يفكر حاملو المرض في مستقبل أبنائهم قبل التفكير في الانجاب. هناك الكثير من المشكلات التي تمر بنا جراء عدم وجود وعي كاف لدى بعض المرضى، مثال على ذلك أنه حدث تطور كبير حديثا في علاج بعض المرضى في مجمع السلمانية إذ تم استخدام دواء معين لبعض الحالات كان مفيدا جدا بحيث قوى بعض المرضى على المرض إلى درجة ان أحدهم تمكن من السفر الى السعودية بعد استخدامه الدواء وذلك بعد ان كان عاجزا طوال حياته عن مغادرة البحرين... لكن هذا الدواء للأسف لا يناسب جميع الحالات، وهذا ما لا يعرفه المرضى إذ ان البعض منهم يقوم بوصف هذا الدواء أو غيره لمصابين آخرين ممن قد لا يناسبهم بالضرورة لاختلاف درجة المرض ونسبته لديهم. المرضى أيضا لا يتفهمون أن الطبيب لا يعالج المرض بل أعراضه ولا يمكن للطبيب القضاء على المرض بل تقديم العلاج المناسب لكل حالة... استجابة الناس تختلف من شخص إلى آخر، يخطئ بعض المرضى حين يقومون بتهويل حالهم أمام الطبيب لكي يقدم إليهم ما يخفف عنهم الآلام.

لكن هناك تحسن في حال بعض المرضى... فإلى ماذا يشير ذلك؟

- نعم هناك تحسن ربما بسبب تحسن الخدمات الصحية أو بسبب زيادة الوعي لدى بعض المرضى بسبب التزامهم بالعلاج.

هل هناك من المرضى من استطاع مقاومة المرض بشكل كبير؟

- نعم المريض الذي يلتزم بتوصيات طبيبه ويحافظ على نظام غذائي صحي ويلتزم بالأدوية اللازمة ويتعاون مع طبيبه يتمكن من مقاومة المرض بشكل كبير.

تم تقديم مقترح بقانون الفحص الطبي قبل الزواج، ناقشه مجلس النواب وتمت الموافقة عليه، فما مدى التزام الشارع البحريني بهذا القانون ومدى فاعليته في الحد من انتشار المرض؟

- مقترح ممتاز من شأنه تجنيب الكثيرين التعرض للمعاناة بسبب مرض السكلر.


العيادة التجريبية لأمراض السكلر

حوارنا مع د. محمد عبدالخالق وضح لنا الكثير مما يتعلق بهذا المرض لكن لايزال هناك المزيد مما يهم المصابين بهذا المرض، على وجه الخصوص ما يتعلق بعيادة تجريبية افتتحت منذ بضعة شهور وتحديدا في 22 اكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي في مركز جدحفص الصحي تحت اشراف استشارية امراض الدم الوراثية بقسم الأطفال بمجمع السلمانية نجاة مهدي ومنسق خدمات الطفولة في المراكز الصحية عبدالحسين العجيمي. هذه العيادة التي جاءت لخدمة بعض من مناطق تركز المرض في البحرين تبدأ العلاج كما تقول مهدي منذ الولادة حتى سن الخامسة عشرة وتركز على سكنى منطقة جدحفص والبلاد القديم وهما - كما تقول مهدي - من أهم مناطق تركز المرض، بالاضافة الى منطقتي شارع البديع، وجزيرة سترة. لكن ما الذي تفعله العيادة التجريبية لأمراض السكلر للمصابين بالمرض؟

كان هذا هو سؤالنا الأهم الذي وجهناه إلى الطبيبة المشرفة نجاة مهدي التي أجابت بأن «العيادة أنشئت لمتابعة المصابين بهذا المرض من الأطفال حتى سن الخامسة عشرة، إذ ان هؤلاء المرضى يعانون بشكل كبير ولذلك فإنهم بحاجة إلى متابعة مستمرة وإلى نظام معين من الأدوية والتطعيمات الخاصة لوقايتهم من الكثير من مضاعفات هذا المرض، كما جاءت هذه العيادة لتسهيل الأمر على الكثير من المرضى إذ ان هذه العيادة قريبة من مناطق سكناهم، ما يعفيهم من ضرورة مراجعة العيادة المركزية لأمراض السكلر بمجمع السلمانية، ولا يعني ذلك انها جاءت لاستبدال عيادة السلمانية بل انها عيادة جاءت تكميلية إذ ان المريض بعد ذلك يجب عليه ان يتابع العلاج في مجمع السلمانية».


دور توعوي

وتواصل مهدي: «للعيادة دور توعوي إذ تقوم المثقفة الصحية بتقديم مطويات تحوي معلومات مهمة عن المرض إلى المرضى الذين يراجعون العيادة وذلك أثناء وجودهم في غرفة الانتظار، بالاضافة الى ذلك فإننا ننوي عقد الكثير من المحاضرات والبرامج التثقيفية لزيادة الوعي المتعلق بطبيعة المرض وأعراضه ومضاعفاته، وبأهمية تلقي العلاج اللازم والمضادات الحيوية الوقائية، وتتركز هذه التوعية على المصابين بالمرض وأسرهم وجميع أفراد المجتمع الراغبين فيها».


وآخر وقائي

وعن الاجراءات الوقائية التي تتخذها العيادة يتحدث العجيمي قائلا: «المطبق حاليا هو الفحص قبل الزواج الذي نؤكده ونحاول جاهدين توعية الناس به من خلال هذه العيادة، وهناك فحص آخر يتم أثناء الحمل للجنين في داخل الرحم لمعرفة ما اذا كان مصابا ام حاملا للمرض، لكن هذا الأمر له تبعات أخرى».

أما عن مستوى وعي الناس بأهمية الفحص الطبي فتقول مهدي: «الاهتمام بهذا الأمر كبير جدا وخصوصا من قبل قاطني المناطق التي ينتشر فيها المرض، وهذا ينبئ بوجود وعي لا بأس به بين الناس، لكن هذا الوعي أيضا بحاجة الى تحسين وخصوصا فيما يتعلق بموضوع الزواج بين الأقارب»


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/368063.html