العدد: 2737 | الخميس 04 مارس 2010م الموافق 18 ربيع الاول 1431هـ
الإسلاميون بين الدين والسياسة... من التمييز إلى التقسيم (3-3)
لتجاوز العبء النظري الذي يظهر الأطروحة التمييزية كصيغة تكشف عن “المجهول”، فإن مناصريها من الإسلاميين يرون أن التعبير الأدق لعلاقة الدين بالسياسة هو أن الإسلام ينكر أن تكون للسلطة السياسية الحاكمة صبغة دينية خالصة، ولا يعترف بوحدة السلطتين الدينية والزمنية، وفي الوقت نفسه لا يفصل بينهما، وإنما هو يميز بين السلطتين، ولا يعارض مأسسة العلاقة بينهما. ولو نظرنا من وجهة نظر العلوم السياسية إلى هذا الرأي لوجدناه يقف على أرضية صلبة، (انظر كتاب إيليا حريق: “الديمقراطية وتحديات الحداثة بين الشرق والغرب” ص: 66).
فمن الواضح أن ميراث الإسلام يحدث «تمييزا وليس فصلا بين أمة الدين وأمة السياسة، فأمة الدين هي المؤمنون بدين الإسلام... أما أمة السياسة فهي جماعة المواطنين الذين تربطهم علاقة المواطنة في الدولة الإسلامية... وهذه الجماعة والأمة أعمّ من جماعة المؤمنين بالإسلام وأمتهم».
إن ما يقدمه هويدي وعمارة وسعد الدين العثماني وراشد الغنوشي وغيرهم يعد في حقيقة الأمر محاولة لإخضاع كل من الديني والسياسي لسلطة الأمة، فالمنافسة المتوقع حدوثها بين الدين والسياسة إنما تقع من داخلها (الأمة) وتراثها المؤسساتي المتجدد والحضاري، وبما أنها مصدر السلطات فالتقسيم والتمييز قائم كأصل نظري وعملي سبق أن طبق في عصر الرسالة والخلافة الراشدة، ولا بد أن يدبر الأمر بآليات جديدة من إنتاج التجربة البشرية الحالية. فتقاطع دائرة الديني والسياسي من خلال الأطروحة التمييزية لن يرسو على خط متوازن إلا بإقرار الديمقراطية ومبادئها الإنسانية، التي تترك للأمة حق اختيار السلطة السياسية بإرادتها الحرة.
من جهة أخرى، لا يخطئ نظر كل باحث مدى أهمية الأطروحة القائمة على التقسيم والتمييز بين الزمني والديني، فهي تبقي على التمايز الحضاري في حين تؤسس لمعانقة الحداثة السياسية المعاصرة في ظل منظومة مجتمعية، مدركاتها العقلية منغرسة في تراث ديني قدم الكثير على مستوى بناء الدولة، وساهم في انتصاراتها العظيمة، كما أنه ظل حاضرا في أسوأ مراحلها؛ إذ ظل الدين يؤثر سلبا وإيجابا على السياسة ويتأثر بها، منذ أن جمع شمل العرب ونقلهم من كيان قبلي إلى وضع “الدولة” الذي يتداخل فيه الديني بالسياسي.
إن إعادة النظر في علاقة الدين بالسياسة في المنظومة الحضارية العربية الإسلامية أدخل نظرية “التمييز والتقسيم”مرحلة جديدة، فعلى رغم أن البعض قد يضفي عليها طابع التجريدية، فإنها دحضت مقولة الدولة الشمولية الممركزة للسلطة باسم الدين (الاستبداد باسم الدين)، كما أنها ألغت صورة الوحدة المتوهمة بين الدين والسياسة والدولة.
وفي السياق نفسه تظل الدولة بمؤسساتها مرتبطة بالذهنية الدينية من دون أن تكون أسيرة في يدها، فنظرية التقسيم تستنبط ما يمكن أن نطلق عليه “النموذج التكاملي” الجامع بين أطروحة الدين الروحية، وتدبير السياسة لما هو حياتي يومي في ظل ثوابت الدين القاطعة ومنافع الناس المرجحة.
بكلمة، يعتبر الإسلاميون الإصلاحيون أن السلطتين الدينية والزمنية غير منفصلتين وإنما متمايزتان، فالتمييز “لا الفصل” بين الدين والدولة هو الحل، إذ بين الإسلام والسياسة تقاطعات غائبة، وفروق في الوسائل المستعملة، وبين الدين والدولة تقاطعات وظيفية تعود للأمة صلاحيات تنظيمها عبر المؤسسات التي تشكلها باختيارها. والحل الذي يقول ببناء نظام سياسي مدني غير منفصل عن الدين ويقوم على التمييز بين المجالين لابد أن يقبل مستقبلا بالتقسيم المؤسسي بين المجال الديني والمجال السياسي.
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/376551.html