العدد: 649 | الثلثاء 15 يونيو 2004م الموافق 26 ربيع الثاني 1425هـ
من خطف مفاتيح سيارات الفلسطينيين إلى حرقهم بـ «الهولوكوست»
معرض أقامه جنود إسرائيليون يفضح ممارسات الاحتلال
صور تعذيب المعتقلين في سجن أبوغريب في العراق مازالت ماثلة في الأذهان. وأدى نشرها إلى إجبار إدارة الرئيس جورج بوش على التنازل لصالح الأمم المتحدة بعض الشيء وإعادة النظر في سياسته تجاه العراق والتعجيل بتسليم السلطة للعراقيين.
بينما رياح التغيير هبت على العراق وتسببت حفنة من الجنود الأميركيين بإساءة كبيرة لسمعة بلدهم فإن الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي يمرون بتجارب احتج عليها العالم حين نشرت الصور الفاضحة. «إسرائيل» هي الدولة الوحيدة في العالم التي يجيز قانونها تعذيب المعتقلين الفلسطينيين والزج بهم فترة طويلة من دون محاكمة. ويشكو جنود إسرائيليون منذ فترة من آلام نفسية عند نهاية خدمتهم في المناطق الفلسطينية بينهم من لا يستطيع تنفيذ أوامر الضباط بمعاملة الفلسطينيين بطرق مخالفة لحقوق الإنسان تكون أقرب إلى السادية.
بين هؤلاء الجنود من قرر عدم السكوت، وكون الصور لها اليوم وقع وقوة حينما تنتشر فقد أقام بعض الجنود الإسرائيليين الذين أنهوا الخدمة في مدينة الخليل معرضا يفضح ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي في المناطق التي يحتلها. وقال الجندي الشاب، ميشا، البالغ 20 عاما، لمراسل صحيفة «زود دويتشه» الألمانية: «ليس بوسعنا السكوت عما يجري في المناطق المحتلة، وهدفنا أن يزور جميع جنود «إسرائيل» هذا المعرض في تل أبيب».
البكاء داخل المخابئ
الجندي ميشا أنهى الخدمة العسكرية الإلزامية ومدتها ثلاثة أعوام، والعبارات التي تصدر عنه تأتي في سياق تحذير وتأنيب للضمير. قال ميشا إنه يصحو أحيانا في الليل نتيجة حلم مفزع ومسرح الأحلام المزعجة التي تأتيه باستمرار هي المناطق الفلسطينية المحتلة، في هذه الأحلام يرى ما رآه حقيقة: فلسطينيون يرشقون الجنود الإسرائيليين بالحجارة والجنود يردون بالرصاص فيقتلون الفتية الفلسطينيين، كما يشاهد إطارات محروقة ينبعث منها دخان أسود وسيارات إسعاف ونساء يصرخن وجنودا إسرائيليين يبكون داخل مخابئهم، ومستوطنين يهود يعبرون الشوارع وأصابعهم على الزناد. نحو 2000 جندي إسرائيلي يعملون بحماية سبعمئة من المستوطنين المتطرفين اليهود في مدينة الخليل التي يقيم فيها 130 ألف فلسطيني. في النهاية يترك كل حلم رسالة: الإسرائيليون أقوياء والفلسطينيون ضعفاء ولكن ليس في هذا النزاع منتصر.
يبدو أن الخدمة التي أمضاها الجندي ميشا في مدينة الخليل أثرت فيه على الأكثر. في الخليل تقع مواجهات يومية بين الفلسطينيين وجنود الاحتلال وغالبا يكون المستوطنون السبب. ويبدو أيضا أن الأثر الكبير الذي أحدثه نشر صور تعذيب المعتقلين في سجن أبوغريب في العراق زاد الجندي ميشا ورفاقه حماسا لمفاتحة الرأي العام الإسرائيلي بما يجري على بعد كيلومترات قريبة منهم من انتهاك لحقوق الإنسان، وأن «إسرائيل» لا يمكن أن تصف نفسها بأنها بلد ديمقراطي طالما تغض حكومتها النظر عن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان. ولا يمر يوم من دون أن يسمع الإسرائيليون نبأ ورد من الخليل يتحدث عن صدامات جديدة.
والوجود العسكري الإسرائيلي هدفه حماية المستوطنين وتذكير الفلسطينيين بأنه ليس لديهم حق على أرض بلدهم. وغالبية الجنود الذين تزج بهم المؤسسة العسكرية الإسرائيلية في المناطق المحتلة لتأدية الخدمة الإلزامية يكونون قد أنهوا لتوهم الثانوية العامة ويحلمون بعد نهاية الخدمة العسكرية بقضاء إجازة طويلة في الهند أو النيبال، وكثير منهم لا يحقق حلمه لأن تجربة الخدمة في المناطق الفلسطينية تشبه السير في جهنم وكثير من الجنود الشبان يصابون بأمراض نفسية خلال وبعد فترة الخدمة.
معرض كسر جدار الصمت
ما تفعله تجربة الخدمة العسكرية في مدينة الخليل، يعبر عنه معرض في تل أبيب شد انتباه الرأي العام الإسرائيلي وفقا لتأكيدات الصحيفة الألمانية وعنوانه: «كسر جدار الصمت». ميشا كورتس و79 من أصدقائه الجنود الذين أنهوا جميعهم الخدمة الإلزامية، يعرضون في هذا المعرض صورا التقطوها بأنفسهم في الخليل، وهي صور لها وقع كبير. وذكر مراسل الصحيفة الذي زار المعرض أنها تذكر الزائر على الفور بصور تعذيب المعتقلين في سجن أبو غريب. يظهر في هذه الصور جنود إسرائيليون وهم يضحكون ويقفون وراء موقوفين فلسطينيين وقد كبلوا أيديهم وبعضهم عصبت أعينهم وأجلسوهم جميعا على الأرض.
طبعا يمكن مشاهدة مستوطنين يهود في صور المعرض. أحد المستوطنين يحمل يافطة كتب عليها: زجوا بالفلسطينيين في غرف الغاز. وهذه إشارة إلى أن تجري معاملة الفلسطينيين مثلما عامل النازيون يهود الهولوكوست حين زجوا ببعضهم في غرف الغاز التي أنشئت في صورة غرف للاستحمام، لكن كان ينزل من (الدش) غاز سام بدلا من ماء الاستحمام. ويظهر مستوطن آخر في صورة أخرى يحمل بندقيته بيده والتي كتب عليها: اقتلوا جميع العرب.
إضافة إلى الصور المزعجة هناك جهاز تلفزيون يعرض بتواصل مقابلات أجريت مع جنود وضباط إسرائيليين خلال الخدمة. يعترف ويقر العسكريون الذين يظهرون في الشريط بما يصفه أحدهم بالواقع المجنون في الخليل، بعض العسكريين طلبوا تغيير أصواتهم وعدم كشف وجوههم خلال المقابلة كي لا يتعرف أحد على هويتهم. جندي شاب أنهى الخدمة قال إنه أجبر فتى فلسطينيا يبلغ من العمر 15 عاما كي ينبطح على بطنه على اسفلت الشارع، وكانت الشمس حارقة في ذلك اليوم بعد أن اتهمه بحمل سلاح. كما قام الجنود بإجبار رفيقه بالانبطاح على ظهره وداسوا بأرجلهم على يديه وأبقوهما على الاسفلت فترة من الوقت ثم راحوا يضحكون بعد أن أجهش الصبيان بالبكاء.
خطف مفاتيح السيارات
جندي آخر يقول في الشريط إن وحدته العسكرية أجبرت أحد الموقوفين الفلسطينيين بأن يغني أغنيات حماسية تشيد ببطولة الجيش الإسرائيلي. وجندي آخر قال في الشريط إن بعض الجنود رموا قنابل مسيلة للدموع على تجمعات أطفال فلسطينيين فقط للمتعة وللترويح عن أنفسهم. وجندي آخر قال في اعترافاته إن أحد الضباط تسبب في تعكير مزاج فلسطينيين كانوا يحتفلون بزفاف حين أمر بوقف سيارة العريس واحتجز مفتاح سيارته بينما راحت العروس ترجوه باكية أن يتركهم وشأنهم وعدم تعطيل الزفاف لكن الضابط احتفظ بمفتاح السيارة وتعين على العريسين العودة سيرا على الأقدام إلى مسكنهما الذي يبعد عدة كيلومترات.
يشاهد الزائر في المعرض مفاتيح معلقة تعود لسيارات مواطنين فلسطينيين قام الجنود الإسرائيليون باحتجازها ولم يعيدوها لأصحابها، وهو نوع من العقاب الذي يمارسه جنود الاحتلال. يهودا شاوول، جندي سابق يبلغ 21 عاما، هو في الحقيقة صاحب فكرة المعرض. قال لصحيفة «زود دويتشه»: «الآن فقط ندرك حقيقة أفعال قمنا بها من الصعب الحديث عنها. إن هذا المعرض ليس هدفه فضح ممارسات الاحتلال بقدر ما هو معالجة الأمراض النفسية التي يعاني منها جنود الاحتلال ومحاولة ليطلعوا الرأي العام على ما يجبرون على القيام به أو ينجرون لفعله نتيجة الشعور بأن الفلسطينيين خلق من نوع آخر. ويتعلم أطفال المستوطنين اليهود أن الفلسطينيين ينبغي طردهم من أرض «إسرائيل» أو قتل جميع العرب».
وتقول الصحيفة إن محتويات المعرض من صور ومقابلات مع الجنود أدت إلى ظهور ردود فعل عنيفة من قبل كثير من الإسرائيليين وحاز على تغطية مكثفة في أجهزة الإعلام المحلية. ويتحدث البعض عن غسيل «إسرائيل» الوسخ بينما يرى البعض احتجاج طيارين إسرائيليين أخيرا ورفضهم تنفيذ أوامر بضرب مناطق فيها مدنيين فلسطينيين، ما أدى إلى اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قرارا بإعفائهم من الخدمة، خطوة شجعت الجنود الشبان السابقين على القيام بهذه الخطوة وخرق أحد المحرمات بفضح ممارسات الجيش الإسرائيلي. ومن المقرر أن يستمر المعرض حتى تاريخ 25 يونيو/ حزيران الحالي، ولكن السؤال: هل يستمر حتى التاريخ المذكور؟
«إسرائيل» التي سجلت أثر نشر صور التعذيب في سجن أبوغريب وما رافق ذلك من انتقادات واحتجاجات وإدانة عالمية لما قام به الجنود الأميركيون، لا تريد تعريض نفسها إلى حملة مماثلة. رئيس الأركان الإسرائيلي موشيه يآلون أمر بالتحقيق في أقوال الجنود الذين ظهروا في شريط المعرض، لكن مراجع قانونية تستبعد معاقبة مرتكبي جرائم حقوق الإنسان بحق الفلسطينيين... فتعذيب الشعب الفلسطيني لا يعاقب عليه القانون الإسرائيلي
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/396980.html