العدد: 805 | الخميس 18 نوفمبر 2004م الموافق 05 شوال 1425هـ
المرأة في الإسلام...
كرامة إنسانية وانعتاق من أوحال العبودية
جاء الإسلام منقذاً للمرأة من الظلم الفادح الذي تعرضت له ولاتزال من مختلف الحضارات القديمة منها والحديثة والتي جعلت من المرأة تابعاً للرجل وأداة متعة وتسلية له، أو أداة تسويق وتجارة. فالإسلام خاتم الأديان هو في جوهره رسالة لإنقاذ البشرية وتحريرها من القيود والأثقال التي أرهقتها قرون طوال، بسبب التخلف والجهل والاستبداد، فقد قال تعالى في وصف مهمة رسوله الأعظم محمد (ص): «ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم» (الأعراف: 157). ويلخص قوله تعالى «يا أيها الناس، إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم (التكوير: 8، 9) أسس النظرة الإسلامية تجاه المرأة: إنها إنسان مخلوق في مستوى واحد مع الرجل، وهي نصف المجتمع «الناس» الذين ينقسمون إلى جنس الرجل والمرأة، وأنها أنثى في خصائصها النفسية والجسدية، ولا تفاضل بين الجنسين الا بمقدار التقرب إلى الله.
إكرام المرأة
وأكد على استقبالها كمولود محترم، وبيّن غضب الرب جل وعلا لقتل الفتاة لأنها فتاة «وإذا الموءودة سُئلت، بأي ذنب قتلت» (التكوير: 8، 9) كما كان وأد البنات سابقاً، وحالياً كما يجري في بعض البلدان كالهند وغيرها. وأعتبرها خير الأولاد، ففي الحديث الشريف «خير أولادكم البنات»
(- 1 -). وطلب تقديم الهدايا والطعام للبنت قبل الولد، ففي الحديث «من دخل السوق فاشترى تحفة فحملها إلى عياله... فليبدأ بالإناث قبل الذكور» (- 2 -).
وأكد على احترام المرأة وإكرامها، ففي الحديث الشريف «ما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهن الا لئيم» (- 3 -) والإكرام يشمل عموم التعامل الأخلاقي النبيل. وأوصى باحترام ورعاية الزوجة، واعتبر أساس المفاضلة بين الرجال هو بمقدار التعامل الحسن مع الزوجة، فقد قال الرسول الأعظم (ص): «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (- 4 -). وحرّم ضرب الزوجة (-5 -). ولم يسمح بذلك إلا في حدود نشوز المرأة، وبعد استنفاذ النصح والأعراض عنها، وشرط أن يكون ضرباً خفيفاً من غير شدة وفي الحديث «يضربها بالمسواك» - 6 - وقد استنكر رسول الله على الأزواج الذين يضربون زوجاتهم، فقال (ص): «إني أتعجب ممن يضرب امرأته، وهو بالضرب أولى منها» (- 7 -). وضرب الزوجات عادة قبيحة قديمة ولكنها لاتزال تُلحظ في الكثير من المجتمعات، ومنها المجتمعات الغربية اذ تزداد نسبة ضرب النساء فيها، وأشارت دراسة أميركية العام 1997 إلى أن 79 في المئة من الرجال يقومون بضرب زوجاتهم في أميركا (- 8 -). وشدد على محبة الأم ورعايتها بأكثر من الأب، ففي الحديث الشريف المعروف «أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك».
كما أن الاسلام لم يجبر المرأة على أية خدمة في البيت، فهو إحسان منها إن هي قامت بواجباتها المنزلية، بما يحقق الراحة النفسية للزوج وتكامل الوضع الاقتصادي للأسرة. بل إن الرضاعة التي هي من أقرب خصوصيات الأم مع وليدها الصغير، فهي غير ملزمة برضاعته مادام هناك مجال للرضاعة من أخريات، وبإمكانها أن تحصل على أجر مقابل رضاعة وليدها.
رؤية شمولية
إلا أن نظرة الإسلام إلى المرأة تتجاوز حدود زمان أو مكان معين، فهي نظرة شمولية واقعية. فالمشرع هو الخالق الرءوف الرحيم، وهو العالم الحكيم، وقد تصل مداركنا العقلية إلى فهم الحكمة من بعض تشريعاته، وقد لا تصل إلى شيء من تلك الحكمة. إلا أن ميثاق العلاقة بين الرب وعباده قائمة على أنه ما من تشريع إلا وله حكمة عالية ولمصلحة البشر أنفسهم. كما أن الإسلام جعل تشريعاته الخاصة بالمرأة ضمن منظومة متكاملة من التشريعات التي لها ارتباط بالأسرة وحمايتها، وحماية المجتمع وارتقائه. فلا يمكن النظر إلى جانب معين من التشريع وتناسي جانب آخر. فمن يرى أن الإسلام أعطى للمرأة نصف الميراث الذي يستحقه الرجل، فإن عليه أن ينظر أيضاً إلى أن الإسلام شرّع واجبات إضافية وأعباء مالية على الرجل لصالح المرأة التي ينفق عليها والدها منذ ولادتها، ثم زوجها. وهي تستحق المهر الذي تستطيع أن تعيّنه كما تشاء وبما يضمن مصلحتها، وإن كانت الرؤية الإسلامية تدعو إلى تخفيف المهر تجنباً لإرهاق الزوج، وابتعاداً من تحول مؤسسة الأسرة التي هي شراكة حب ومودة واحترام إلى شراكة مادية.
كما أنها لا تتحمل أية مصروفات تتعلق بالسكن والطعام والحاجات الضرورية في المنزل، أو بما يتعلق بسلامتها وصحتها، ولها إضافة على كل ذلك نفقة خاصة بها لتصرفها فيما تراه، فهي عزيزة كريمة بما لها من حقوق مالية كثيرة متوجبة على الرجل والذي لا يستطيع أن يمن عليها بما ينفقه عليها، إذ إن هذه المصروفات التي تستحقها فرض واجب عليه، وليس تكرماً وإحساناً منه. وفي الوقت الذي يكون الإرث أمراً محتملاً، فليس كل من يموت يورث مالاً، فإن الإيرادات التي تحصل عليها المرأة من الرجل ثابتة ولا سبيل للاحتمال فيها. وفي الوقت الذي ترث المرأة بالنصف إذا كانت شريكة مع شقيقها الرجل، فهي غير ملزمة بصرف أي شيء من إرثها، في حين أن الرجل ملزم بالصرف على زوجته وأبنائه، وكذلك على والديه إذا كانا فقيرين ولا يملكان سد حاجاتهما. ولأهمية النظام الشامل أكد الإسلام على ضرورة التطبيق الكلي للشريعة لضمان الحصول على آثارها الإيجابية المترابطة.
1- بحار الأنوار ج 104 رواية 6
2- موسوعة الفقه - الآداب والسنن - ج 4 ص394
3- المرأة في ظل الإسلام - ص188
4- مكارم الأخلاق - ص188
5- موسوعة الفقه - الآداب والسنن - ج 4 ص224
6- تفسير من هدى القرآن - ج 2 ص75
7- مستدرك الوسائل ج 14 ح 16618
8- مجلة «الأسرة» - عدد شهر صفر 1420 - 2000م
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/423744.html