العدد: 826 | الخميس 09 ديسمبر 2004م الموافق 26 شوال 1425هـ
خبراء الأمن الألمان يحسبون ألف حساب لتنظيم أنصار الإسلام
توقفت الحياة حول مقر المستشارية يوم الجمعة الماضي وقربت المسافة جداً بين بغداد وبرلين. وفي القنال الموجودة وراء المقر راح رجال البحرية يبحثون إذا كان هناك إرهابي مختبئ تحت الماء. وعلى شرفات المقر انتشر قناصة ينتمون لوحدة خاصة راحوا يراقبون كل شيء يتحرك على مدى 300 متر. لم يسمح لأحد الاقتراب من المستشار شرودر وضيفه رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي. بلغت درجة الحذر حد إلغاء دور حرس الشرف في استقبال رئيس الوزراء العراقي.
هذه المرة أصر خبراء الأمن على ضرورة أخذ تحذيرهم على محمل الجد بعد أن قالوا إنهم حصلوا على خيوط تشير إلى أن إسلاميين متطرفين يخططون لاغتيال علاوي خلال وجوده في برلين. زاد قلق المراجع الألمانية حين قال خبراء الأمن إن الاعتداء قد يلحق ضرراً بآخرين إضافة إلى علاوي أي أن الاعتداء قد ينال من مستضيفي رئيس الوزراء العراقي. قال خبراء الأمن أن خطة الاعتداء ترمي إلى نسف التعاون بين ألمانيا والعراق.
منذ عام يراقب البوليس السري الألماني المواطن العراقي عطا - المقيم في مدينة شتوتجارت الذي لديه صلات بعراقيين في مدن ألمانية أخرى - حين تم الإعلان عن موعد زيارة علاوي إلى ألمانيا سرقت أجهزة الأمن سمع المكالمات الهاتفية التي جرت بين عطا ورفاق له، إذ كانوا يتحدثون عن (الضيف). ثم راقب الألمان كيف راح أحدهم يسير بسيارته حول الأماكن المدرجة على برنامج زيارة علاوي وكان بينها مقر دويتشه بنك في العاصمة برلين، إذ كان مقرراً أن يجتمع علاوي مع ممثلي الاقتصاد الألماني. تم إلغاء لقاء علاوي مع ممثلي الاقتصاد الألماني مثلما تم إلغاء اجتماع مقرر مع عراقيين يعيشون في المنفى. هذه المرة تصرف خبراء الأمن بسرعة فائقة. كثير منهم يعرفون اللغة العربية قاموا على الفور بترجمة نص كل مكالمة هاتفية.
قال أحد المحققين إن أعضاء المجموعة وضعوا خطة عفوية من دون تحضير طويل. ليست هناك معلومات محددة بشأن التنفيذ وإذا كان الاعتداء بصورة رمي زجاجة مولوتوف على علاوي خلال وجوده في مقر دويتشه بنك أو خلال اجتماعه مع الجالية العراقية أم بواسطة سيارة مفخخة توضع على جانب طريق يمر به موكبه. كان من المقرر أن يقوم العراقي رفيق - المقيم في برلين بتنفيذ الاعتداء ولم يكن يعرفه البوليس السري في السابق. السيناريو المرعب الذي فكر به الألمان: انتقال الواقع العراقي لألمانيا وانفجار سيارة مفخخة قبالة بوابة براندنبورغ في الحي الحكومي والنتائج الوخيمة التي ستظهر حالما تنتشر صور الكارثة في أنحاء العالم خصوصاً في الولايات المتحدة.
عشية وصول علاوي جرى اجتماع عبر الهاتف بين مختلف أجهزة الأمن في ولايتي بافاريا وبادن فورتمبيرغ ومكتب الجنايات الفيدرالي في فيسبادن وتم على اثره اتخاذ قرار بمداهمة مجموعة من المساكن في ثلاثة مدن: شتوتجارت وأوغسبورغ وبرلين وتم إيقاف ثلاثة عراقيين نقلوا إلى مكتب المدعي العام الفيدرالي في مدينة كارلسروهي. لم يعترف أي من الموقوفين الثلاثة بالتهم التي وجهت إليه لكن ما ذكروه عبر الهاتف يدل على أنهم كانوا يخططون لاغتيال علاوي.
يعتقد أن الثلاثة ينتمون إلى مجموعة عراقية صغيرة لكنها خطرة تعمل بنشاط في جنوب ألمانيا. تعرف الجماعة باسم (أنصار الإسلام) ينتمي إليها أكراد مسلمون يطمحون بإقامة دولة إسلامية في شمال العراق ومحاربة قوات الاحتلال في العراق وتقديم العون للمقاومة العراقية. كادت هذه المجموعة أن تحقق هدفها لولا التدخل السريع لأجهزة الأمن الألمانية.
كان شمال العراق في عهد صدام حسين منطقة لا تخضع لنفوذ بغداد الأمر الذي استغله الإسلاميون وأقاموا في المنطقة أفغانستان صغيرة وأقاموا صلات مع أسامة بن لادن وبصورة خاصة مع أبومصعب الزرقاوي الذي برهن عن شراسته من خلال قطع رؤوس الرهائن وأصبح في الغضون زعيماً لتنظيم (أنصار الإسلام). أقام الإسلاميون في شمال العراق معسكرات تدريب وقاموا بتجارب على صنع عبوات ناسفة واستخدام أسلحة كيماوية وحين اجتاح الأميركيون المكان خلال الحرب الأخيرة حصلوا على وثائق تؤكد أن التنظيم كان يسعى لبناء القنبلة القذرة.
انضم مؤيدون للتنظيم بعضهم من ألمانيا. وفقا لبيانات البوليس السري الألماني هناك مئة عراقي على الأقل توجهوا من ألمانيا إلى العراق عاد 20 منهم بينما اختفى أثر الآخرين. بعضهم قتل على أيدي الأميركيين وبعضهم مازال يعمل بنشاط.
خلال عمليات استراق سمع الكالمات الهاتفية لعدد من أنصار الإسلام في ألمانيا حصل الألمان على عنوان مستودع للأسلحة في شمال العراق وقاموا على الفور بإبلاغ الأميركيين الذين توصلوا إلى مكان المستودع. كان هذا دليلاً على دقة التعاون بين أعضاء التنظيم داخل العراق وخارجه. كما حذر مفوض الاتحاد الأوروبي لقضايا الإرهاب غيز دو فريز من أن بعض الأشخاص الذين يقيمون في دول الاتحاد الأوروبي سافروا إلى العراق للتدرب على القيام بعمليات إرهابية.
معضلة خبراء الأمن في ألمانيا أنه ليس هناك صورة واضحة عن بنية تنظيم (أنصار الإسلام) في أوروبا لكن المؤكد أن خطر هذا التنظيم لا يقل عن خطر تنظيم (القاعدة). علامة على انتشار التنظيم في أوروبا، طلب المدعي العام الإيطالي في ميلانو في مارس العام الماضي مساعدة البوليس السري الألماني حين ألقت سلطات الأمن الإيطالية القبض على مجموعة من الإسلاميين المتطرفين وتم الحصول بحوزة أحدهم على رقم هاتف خاص بالعراقي عطا - الذي يتهمه الألمان بالعمل بتهريب عراقيين يرغبون المشاركة في القتال إلى العراق - وحصل المحققون عند تفتيش مسكن عطا على رقم هاتف خاص بالملا كريكار العراقي الكردي الحاصل على حق اللجوء السياسي في النرويج.
وهناك ما يبدو كمكتب للسفر خاص بهم يعمل في تجنيد الراغبين بالسفر إلى العراق للمشاركة في حرب الجهاد يجري تهريبهم عبر إيطاليا وتركيا. المحاربون الذين يشعرون بحاجة للراحة يعودون للاستجمام في دول الاتحاد الأوروبي ربما أيضاً للقيام بعمليات في أوروبا أيضاً. يقول وزير الداخلية في ولاية غونتر بيكشتاين بافاريا إن هناك وسطاء يعملون في تأهيل محاربين من فتيات مقيمات في الاتحاد الأوروبي لتسهيل حصولهم على حق الإقامة وحرية التنقل. اعتقلت سلطات الأمن البافارية رأس مجموعة التزوج ويدعى (لقمان) وهو عراقي كردي.
غادر علاوي أراضي ألمانيا سالماً لكن خطر أنصار الإسلام مازال قائماً. وقال أحد المحققين الألمان: نعلم أن أفراد هذا التنظيم منتشرون في مناطق متعددة. هذه المرة تصرفنا في الوقت المناسب وحققنا النجاح. ثم أضاف قوله وهو ينظر إلى السماء: من يدري ماذا يخبئ لنا القدر؟
المصدر: صحيفة الوسط البحرينية
تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/427233.html