العدد: 929 | الثلثاء 22 مارس 2005م الموافق 11 صفر 1426هـ

التأمين التكافلي... ترسيخ للقيم الجليلة في المجتمع

يعد التأمين احدى أهم الطرق المتبعة لتقليل الخسائر الناتجة عن المخاطر التي يمكن أن تواجه البعض. ويساهم مبدأ التأمين التكافلي في تحقيق هذا الهدف دون أن يتعارض مع أحكام الشريعة. فهو يتضمن قيام كفالة متبادلة بين مجموعة من الافراد أو المؤسسات و الشركات في العسر واليسر علي تحقيق مصلحة أو دفع مضرة ، والمبدأ التكافلي في التأمين لايقوم علي مبدأ الربح كأساس بل علي مواجهة المخاطر والتخفيف من آثارها .

هناك بعض التساؤلات عن ما هو التأمين التكافلي ؟ و ماهي أهدافه ؟ وما هي الأسباب التي دفعت الكثير الي التحول من التامين التقليدي الي التأمين التكافلي ؟ وما أوجه الاختلاف بين التقليدي والتعاوني وموقف الشريعة الاسلامية منهما ؟ وما السر وراء وصول الحجم الاجمالي لسوق التأمين العربي الي حوالي 7 مليار دولار ؟

و تجدر الإشارة بأن التأمين التكافلي ليس بمبدأ جديد، بل تمت ممارسته من قبل المهاجرين من مكة المكرمة والأنصار في المدينة المنورة وذلك في المرحلة التي تلت هجرة الرسول صلى الله عليه ووسلم قبل 1400 عام. يذكر ان الفقهاء قالوا بحرمة التعامل مع التأمين التقليدي لانه لا يتوافق مع قواعد ومبادئ الشريعة الإسلامية. حيث إن التأمين التقليدي يحتوي على عناصر غير واضحة ضمن عقد التأمين وهو ما يسمى "الغرر"، اضافة إلى المقامرة "الميسر" ووجود الفائدة الربوية.

اليوم هناك العديد من شركات التأمين التكافلي مسجلة في العالم، حيث أشارت دراسة سابقة الى وصول إجمالي أعمال التكافل في العالم في عام 2001 م إلى 71 مليار دولار أمريكي تقريبا، ليكون بمعدل نمو 15 - 02 % سنويا، مقارنة مع معدل نمو التأمين التقليدي في العالم والذي يصل إلى 5 % سنويا. ووفقا لبعض الإحصائيات وجد أن خريطة الشركات الإسلامية للتأمين امتدت لتشمل كافة دول العالم سواء كانت عربية أو إسلامية أو دول العالم الأخرى غير الإسلامية، حيث يلاحظ أيضا انتشار مثل هذه الشركات بالرغم من اختلاف اللغة والدين واختلاف الفكر وكذلك اختلاف الموقع الجغرافي.

أهم التجارب في مجال التأمين التكافلي

في دول الخليج تحصل شركات التأمين التكافلي على نسبة تصل من 15 % الى 20 من حجم سوق التأمين في بعض هذه الدول وهي نسبة قابلة للنمو، وأيضا بعض التجارب في الدول العربية مثل التجربة السودانية واللبنانية والتونسية والمصرية وجميعها نشأت من خلال جهود بعض الشركات الخاصة وحققت قدرا جيدا من النجاح حتى الآن. وكذلك ماليزيا التي أصبحت تمتلك تجربة هامة في مجال التأمين التكافلي والادخاري خاصة بابتكار منتجات تأمينية إسلامية مستمدة من احتياجات المجتمع.

معنى التكافل

ان التكافل في اللغة مشتق من مادة ز كفل ز، وتعني العجز، أي مؤخرة الشيء الذي تحميه، والعرب تقول كفل لكساء يدار حول سنام البعير ليحفظ راكب الدابة من خلفه كي لا يقع، والكافل : العائل، لأنه مصدر حماية لمن يعول، قال تعالى زوكفلها زكرياس، وقال صلى الله عليه وسلم: زأنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتينس وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما، أي العائل لليتيم والمربي له، أو الضامن نفقته، لأن الكافل تعني أيضا الضامن ، ويقال كفل الرجل : أي ضمنه في دين أو غيره. والمعاني السامية للتكافل يقررها ويدعو إليها صريح القرآن والسنة النبوية الشريفة، ففي القرآن الكريم نقرأ قوله تعالى: زوتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوانس، ومن السنة النبوية المطهرة قوله صلى الله عليه وسلم: زالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاس وقوله صلى الله عليه وسلم : زلا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسهس. ولا شك أن كل الناس يحبون لأنفسهم نعمة الأمن والأمان التي لا تتأتى إلا بالتعاون والتكافل. إذن فالتكافل هو تفاعل يتضمن قيام كفالة متبادلة بين مجموعة من الأفراد زأو المؤسسات والشركاتز في العسر واليسر، على تحقيق مصلحة، أو دفع مضرة، وفي حال التكافل لا يكون لأحد فضل على الآخر، ذلك أن العبء موزع على الجميع كما أن المنفعة منه عائدة على جميعهم. فالتأمين التكافلي يهدف في المقام الأول إلى ترسيخ قيم جليلة كالتعاون والتكافل والتراحم والمبدأ التكافلي في التأمين لا يقوم على مبدأ الربح كأساس، بل على مواجهة المخاطر والتخفيف من آثارها، لذا فإن العملية التأمينية بحسب نظام التأمين التكافلي تختلف اختلافا جذريا عن التأمين التقليدي .

تاريخ التامين التكافلي

أن المتتبع لتاريخ التأمين يجد أنه بدأ كنظام تعاوني بحت يجمع بين الأفراد المعرضين لخطر معين بغرض تخفيف وطأة الخسارة على الشخص الذي لحقت به وذلك عن طريق مشاركة الجميع في تحمل الخسارة وتوزيعها على جميع الأفراد والمشتركين في النظام وانه إذا كان التأمين قد انحرف خلال حقبة من تاريخه عن الهدف الأساسي وهو التعاون على درء الأخطار فإنه قد صدر من القوانين واللوائح ما كفل لنظام التأمين غرضه الأساسي في خدمة الفرد والمجتمع.

أن التأمين التعاوني أو التكافلي أو التبادلي هذه مسميات لهذا التأمين الإسلامي مشيرا إلى أنه أساسا يقوم على عقد تبرع من قبل عدد من الأشخاص أو المساهمين من أجل سد مخاطر متوقعة لهم وأن هذا هو الهدف الرئيسي من هذه الفكرة وأنها لا تبنى على أساس الربح و أن هذا هو الفارق الكبير فيما بين التأمين التكافلي والتأمين التقليدي، حيث أن التأمين التقليدي يمزج بين هذه الأشياء في أنه قد يكون أحيانا من فترة إلى أخرى يهدف إلى الربح وإذا جاءت المخاطر أصبحت ثانوية أو جانبية.

أن هدف التأمين التكافلي هو مجابهة المخاطر من باب التبرع وأنه إذا كفت هذه الأموال كان بها وإذا لم تكف وكانت المخاطر كبيرة عن الأموال المتواجدة فبالتالي يقوم هؤلاء بدفع مبالغ أخرى زيادة، وأنه إذا زادت هذه الأموال فالأصل أن ترجع لأصحابها حتى تتم عملية التعاون بالصورة الشرعية. كما أن هناك جماعة من الإداريين قائمين على إدارة هذا العمل من حقهم أن يأخذوا رواتب وأن هذه الرواتب تستقطع من المصاريف، وبالتالي فإذا كان العائد يغطي المصاريف والأخطار .

ان زالتأمين التكافليس ليس وليد الساعة إنما هو منذ زمن قديم، وأشارت إليه العديد من المجامع الفقهية من أشهرها مجمع الفقه في المملكة العربية السعودية حيث أقروه ووضعوا له ضوابط وشروط، وأعتقد أن التطبيق لم يكن بالصورة المطلوبة ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن التطبيق كان من قبل أناس غير مختصين وهم الذين جاؤوا من شركات تأمينية تقليدية ولذلك وقعوا في أخطاء كبيرة مما استدعى عدد من العلماء الذين سعوا جاهدين في توضيح معنى التأمين التعاوني والتاكيد على انه من أصل شرعي، ثم وجدت التطبيقات ولكنها كانت صعبة لما فيها من ايجابيات وسلبيات مما اضطر عدد من العلماء والمشايخ الذين أفتوا في هذا الموضوع بأنه حلال شرعا واستدلوا بأدلة شرعية كثيرة ، حيث بدأ التأمين التكافلي يأخذ مكانته الجيدة.

أن الشريعة الإسلامية تحوي العديد من النصوص التي تشير إلى حث المسلمين على التعاون فيما بينهم على البر والتقوى فالله تعالى يقول زوتعاونوا على البر والتقويس، والنبي "ص" مثل على الأشعريين وهم فئة أو طائفة من المسلمين وفدوا على المدينة وسكنوا فيها فأصبح كل واحد منهم يضع زادا ما فاض عن حاجته في مكان مثل الخزينة فيتقاسمون فيما بينهم فتتوزع المخاطر على الجميع ولا يتحملها شخص واحد، أي لا يجوع شخص وإنما الكل يأكل بما يقوم باستمرار الحياة


المصدر: صحيفة الوسط البحرينية

تم حفظ الصفحة من الرابط: http://www.alwasatnews.com/news/454526.html